في زمن تتعاظم فيه الحاجة إلى الفرح والخيال، وتزداد فيه أهمية بناء الوعي الثقافي لدى الأجيال الصاعدة، تعود إيران لتحتفي بسينما الأطفال والناشئة من خلال مهرجانها الدولي الذي انطلقت فعالياته في دورته السابعة والثلاثين يوم الجمعة 3 أكتوبر 2025 بمدينة أصفهان، حيث بدأ المهرجان رسمياً بإحياء ذكرى الشهداء صباح الجمعة، وأقيم حفل الإفتتاح مساءً.
المهرجان يُقام في ثلاثة أقسام، هي: الوطنية (أفلام طويلة، قصيرة، ورسوم متحركة)، القسم الدولي، والقسم الخاص، من 4 إلى 8 أكتوبر من هذا العام، بإدارة حامد جعفري في مدينة أصفهان.
هذا الحدث الثقافي والفني، الذي يُعد من أبرز الملتقيات السينمائية المخصصة للطفولة في المنطقة، يشكل منصة حيوية لتلاقي صناع الأفلام، والمربين، والمبدعين، في سبيل تقديم محتوى بصري يرتقي بالذائقة ويعزز القيم الإنسانية لدى الأطفال والناشئة.
إقامة المهرجان في 18 محافظة تزامناً مع أصفهان
بعد انقطاع دام ست سنوات، عاد مهرجان أفلام الأطفال والناشئة ليشمل 19 محافظة إيرانية، حيث تُعرض الأفلام المشاركة بالتزامن مع مدينة أصفهان. المحافظات التي تستضيف العروض تشمل: آذربايجان الشرقية، بوشهر، طهران، جهارمحال وبختياري، زنجان، سمنان، خراسان الرضوية، خراسان الجنوبية، قم المقدسة، كرمانشاه، كرمان، كلستان، جيلان، مازندران، المركزية، همدان، هرمزغان ويزد. وقد خصصت كل محافظة صالة سينما مجهزة لعرض الأعمال المشاركة، ما يعكس حرص المنظمين على توسيع نطاق الوصول إلى الجمهور في مختلف أنحاء البلاد.
أقسام المهرجان وتنوعه الفني
تُقام فعاليات المهرجان في ثلاثة أقسام رئيسية:
– القسم الوطني: ويضم الأفلام الروائية الطويلة، القصيرة، وأفلام الرسوم المتحركة.
– القسم الدولي: ويستعرض أعمالاً من مختلف دول العالم.
– القسم الخاص: ويشمل الفعاليات الجانبية والتكريمية.
وقد تقدّم للمشاركة هذا العام 393 عملاً، تم اختيار 8 أفلام روائية طويلة، 19 فيلماً قصيراً، و11 فيلم رسوم متحركة للمنافسة في القسم الوطني. أما القسم الدولي، فقد شهد مراجعة 183 عملاً، تم قبول 18 منها، ما يعكس التنوع الجغرافي والثقافي للمشاركات، من أمريكا وأوروبا إلى شرق آسيا.
وتضم الأعمال المختارة ۹ أفلام طويلة و۹ أفلام قصيرة، من إنتاج 14 دولة، من بينها ألمانيا، إسبانيا، سلوفينيا، بلجيكا، بيرو، التشيك، الصين، الدنمارك، روسيا، تشيلي، فرنسا، كندا، وكوريا الجنوبية.
الأفلام المشاركة
من بين أبرز الأعمال التي ستُعرض خلال المهرجان: «أفسانه سبهر» أي «أسطورة سبهر»، الفيلم رسوم متحركة، ومن إخراج عماد رحماني، «بجه مردم» أي «إبن الناس» من إخراج محمود كريمي، «جادوي عروسكها» أي «سحر الدمى» من إخراج سعيد عباسي، «جشم بادومي» أي «صاحب العين اللوزية» من إخراج إبراهيم أميني، «دختر برقي 2» أي «الفتاة الكهربائية2» من إخراج حسين قناعت، «سفيد برفي» أي «بياض الثلج» من إخراج جواد نوريان، «شهر آرزوها» أي «مدينة الأمنيات» (بامبولك 2) من إخراج متين أوجاني، «موي كرك» أي «شعر الذئب» من إخراج فريدون نجفي.
تكريم رموز ثقافية مؤثرة
يشهد المهرجان هذا العام تكريم ثلاث شخصيات بارزة أثرت في مجال ثقافة الطفل والناشئة:
– «زهره شكوفنده»: رائدة فن الدبلجة في إيران، التي قدمت صوتها لشخصيات شهيرة مثل «جودي أبوت»، وشاركت في دبلجة أعمال عالمية مثل «هري باتر»، «رنغو»، «الجميلة النائمة»، و«سيندرلا».
– «داريوش فرضيائي»: المعروف باسم «عمو بورنك»، مقدّم وممثل محبوب لدى الأطفال، والذي ساهم في تقديم برامج تربوية وترفيهية مؤثرة على مدى أكثر من عقدين، إضافة إلى نشاطات إنسانية خارج الشاشة.
– «مهدي مسعودشاهي»: الذي يُكرّم تقديراً لإسهاماته الطويلة في الإدارة الثقافية.
المهرجان كمنصة للوعي والتفاعل
في ندوة بعنوان «نشاط المراهقين وسينما الدفاع المقدس»، شارك كل من محمدرضا شريفينيا ورسول صدرعاملي في مناقشة دور السينما في توثيق الأحداث الوطنية، خاصة الحرب الصهيونية المفروضة التي استمرت 12 يوماً. وقد أشار أمين المهرجان إلى أن عدداً من الأفلام المشاركة تناولت هذه الحرب المفروضة، وتم اختيار بعضها للمشاركة نظراً لجودتها الفنية.
المهرجان كنافذة للفرح بعد الحرب الصهيونية المفروضة
في زيارة رسمية إلى مقر المهرجان، أكد رائد فريدزاده، نائب رئيس منظمة السينما الإيرانية، أن هذا الحدث الثقافي يمكن أن يشكل متنفساً اجتماعياً هاماً بعد أحداث الدفاع المقدس، مشيراً إلى أهمية حضور الأطفال مع ذويهم إلى السينما، لما له من أثر تربوي وتجاري، داعياً وزارة التعليم إلى المساهمة في دعم هذا التوجه. واعتبر رائد زاده المهرجان كنافذة للفرح بعد الحرب الصهيونية المفروضة.
الاقتباس الأدبي في السينما
من جهته أكد «حامد جعفري» أمين عام المهرجان على أن المهرجان يرحب بالأعمال السينمائية المقتبسة من روايات وكتب، كونها تحمل تجربة مسبقة ناجحة. وأوضح أن أحد أفلام هذه الدورة ينتمي إلى هذا النوع، رغم أنه ليس من إنتاج مؤسسة فارابي، مؤكداً على أهمية دعم كل من الأعمال المقتبسة والمستقلة بالتوازي.
وتابع: أولينا اهتماماً خاصاً بالحرب المفروضة الصهيونية عند إزاحة الستار عن ملصق المهرجان، وكرّمنا أبناء الشهداء والأطفال الشهداء. خلال مراجعة الأعمال، واجهنا عدداً كبيراً من الأفلام التي تناولت غزة والحرب الصهيونية المفروضة، وتم اختيار عدد منها للمشاركة في المهرجان.
أولمبياد صناعة الأفلام
رغم عدم إقامة أولمبياد صناعة الأفلام هذا العام، أكد جعفري على أنه سيُقام لاحقاً بعد تأجيله لضمان جودة التنظيم، مشيراً إلى ضرورة إعادة التعاون مع جمعية السينما للشباب، التي انشغلت حالياً بتنظيم مهرجان طهران للأفلام القصيرة. وأضاف: سيُقام حفلان ختاميان هذا العام للمهرجان: الأول لأفلام الرسوم المتحركة والقصيرة في يوم الإثنين 6 أكتوبر، والثاني للأفلام الطويلة في يوم الأربعاء 8 أكتوبر.
مشروع ثقافي تربوي
مهرجان الأفلام الدولي للأطفال والناشئة في إيران لا يُعد مجرد حدث فني، بل هو مشروع ثقافي تربوي يعكس رؤية استراتيجية لبناء جيل واعٍ، مبدع، ومتصالح مع ذاته ومجتمعه. وبين عروض الأفلام، والتكريمات، والندوات، والأنشطة الجانبية، تتجلى روح المهرجان كمنصة للفرح، والتعلم، والتفاعل، في زمن يحتاج فيه الأطفال أكثر من أي وقت مضى إلى نافذة تطل بهم على عالم من الخيال والجمال.