أي معاهدة دخلت حيز التنفيذ؟
أعلنت وزارة الخارجية الإيرانية، مساء الخميس (الأول من أكتوبر/ تشرين الأول)، رسميًا بدء تطبيق معاهدة الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين إيران وروسيا.
ووفقًا لبيان صادر عن السلك الدبلوماسي الإيراني بشأن بدء تنفيذ هذا البيان، فإن طهران ترى أن هذا الاتفاق دليل على عزم وإرادة قادة البلدين على تعميق العلاقات وتعزيزها في جميع المجالات ذات الاهتمام المشترك.
إنه اتفاق يُمثل نقطة تحول في تاريخ العلاقات، ويبشر برفع مستواها في مختلف المجالات التي يرغب فيها الطرفان.
وأخيرًا، وردت أهداف تنفيذ هذا الاتفاق في الفقرة الأخيرة من بيان وزارة الخارجية الإيرانية على النحو التالي: إن “البلدين، إذ يدركان الأهمية الأساسية لاحترام مبادئ وأهداف ميثاق الأمم المتحدة لصون السلام والأمن الدوليين، سيبذلان قصارى جهدهما لحماية التعددية واحترام القانون الدولي، بما في ذلك من خلال تعزيز التعاون في إطار المنظمات والترتيبات متعددة الأطراف مثل مجموعة البريكس وشنغهاي”.
ورغم أن جميع بنود هذا الاتفاق ومضمونه تكتسب أهمية خاصة في مسار التعاون والتنسيق بين طهران وموسكو، إلا أن تنفيذ بعضها يُعدّ أكثر أهمية في ظل الظروف الراهنة في النظام الدولي والمنطقة ومتطلبات العلاقات الثنائية.
يُمثل تطبيق معاهدة الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين البلدين نقطة تحول في المسار الذي بدأ قبل عقود بين إيران وروسيا. وكانت إيران قد وقّعت سابقًا معاهدة مع حكومة جمهورية الاتحاد السوفيتي الاشتراكية عام ١٩٢٩، ومعاهدة تجارة وملاحة مع الاتحاد السوفيتي عام ١٩٣٩، ومعاهدة على أساس العلاقات المتبادلة ومبادئ التعاون مع الاتحاد الروسي عام ١٩٩٠.
وعلى مدار علاقاتهما الدبلوماسية، سعت روسيا وإيران إلى التوصل إلى تفاهم مشترك حول مطالبهما ومصالحهما ومتطلباتهما في جميع المجالات، وأبرمتا مذكرات تفاهم على هذا الأساس، ووُقّعت رابعها وأكثرها شمولًا في ١٧ يناير ٢٠١٨، خلال زيارة الرئيس الإيراني آنذاك إلى موسكو.
وقد صادق البرلمانان الإيراني والروسي على هذه الاتفاقية في مايو من هذا العام، إلا أن الأحداث التي تلت ذلك التاريخ؛ بالإضافة إلى المتطلبات الفنية، أجّلت تنفيذها حتى أكتوبر.
مراجعة بنود الاتفاقية وأهميتها
شكّلت معاهدة الشراكة الاستراتيجية الشاملة موضوعًا مهمًا في الإعلام والسياسة في البلدين، بل وفي دول أخرى، منذ أربع سنوات مضت، عندما تناقلت الأنباء عن استعداد إيران وروسيا لتوقيعها.
ويتناول جزء كبير من اتفاقية التعاون هذه، التي يُشترط لموافقة مجلس الشورى الإسلامي عليها، نظرًا لاستخدامها مصطلح “معاهدة” قانونًا، المواد والبنود الواردة فيها، بينما يتناول جزء آخر طبيعة ودوافع الطرفين لإبرامها.
كما ذُكر، تتضمن معاهدة الشراكة الإيرانية – الروسية 47 مادة، وتغطي جميع مجالات التعاون الممكنة بين البلدين. ورغم أن جميع مواد وبنود هذه الاتفاقية تكتسب أهمية خاصة في مسار التعاون والتنسيق بين طهران وموسكو، إلا أن تطبيق بعضها يُعدّ أكثر أهمية نظرًا للظروف الراهنة في النظام الدولي والمنطقة ومتطلبات العلاقات الثنائية.
المسألة الرئيسية في المادة الثانية من المعاهدة هي منع تدخل طرف ثالث، ويبدو أن بعض البنود الأخرى صُممت لتكملة هذا البند وشرحه. في الفقرة الثالثة من المادة الثالثة، تُشدد على بعض تفاصيل هذا المنع: “إذا تعرض أي من الطرفين المتعاقدين لعدوان، يمتنع الطرف المتعاقد الآخر عن تقديم أي مساعدة عسكرية أو غيرها للمعتدي من شأنها أن تُسهم في استمرار العدوان، ويساعد على ضمان تسوية النزاعات الناشئة وفقًا لميثاق الأمم المتحدة وقواعد القانون الدولي الأخرى المعمول بها”
.
تنص الفقرة الثانية من المادة الرابعة أيضًا على أن أجهزة الاستخبارات والأمن التابعة للطرفين المتعاقدين ستتعاون في إطار اتفاقيات منفصلة.
وتصف المادة الخامسة جزءًا من التعاون العسكري بين البلدين، وتنص على أنه من أجل تطوير التعاون العسكري بين مؤسساتهما ذات الصلة، سيتخذ الطرفان المتعاقدان خطوات لإعداد وتنفيذ الاتفاقيات ذات الصلة في إطار مجموعة عمل التعاون العسكري.
وأخيرًا، تُشدد الفقرة 4 من المادة 19 على أنه في حال اتخاذ أي طرف ثالث تدابير قسرية أحادية الجانب ضد أحد الطرفين المتعاقدين، يبذل الطرفان المتعاقدان قصارى جهدهما للحد من مخاطر هذه التدابير، والقضاء عليها أو تقليل أثرها المباشر وغير المباشر على العلاقات الاقتصادية المتبادلة، والأشخاص الطبيعيين والاعتباريين للطرفين المتعاقدين أو أصولهم الواقعة ضمن نطاق اختصاصهما، والسلع الصادرة من أحد الطرفين المتعاقدين والمتجهة إلى الطرف المتعاقد الآخر، أو الأعمال والخدمات والمعلومات ومنتجات النشاط الفكري، بما في ذلك الحقوق الحصرية ذات الصلة، التي يقدمها موردو الطرفين المتعاقدين. كما يتخذ الطرفان المتعاقدان خطوات للحد من نشر المعلومات التي قد تستخدمها هذه الأطراف الثالثة لفرض هذه التدابير وتكثيفها.
يُشكل التعاون الاقتصادي والصناعي والثقافي أيضًا أهم مواضيع مواد وبنود معاهدة إيران وروسيا. على سبيل المثال، تنص الفقرتان الأولى والثانية من المادة 18 على أن الطرفين المتعاقدين سيساهمان في تطوير التعاون التجاري والاقتصادي والصناعي، وتحقيق منافع اقتصادية متبادلة، بما في ذلك الاستثمارات المشتركة، وتمويل البنية التحتية، وتسهيل آليات التجارة والأعمال، والتعاون في الشؤون المصرفية، وترويج وتوفير السلع والأعمال والخدمات والمعلومات ومنتجات الأنشطة الفكرية المتبادلة، بما في ذلك الحقوق الحصرية ذات الصلة.
كما يمكن للأطراف المتعاقدة، وإدراكًا منها لقدراتها الاستثمارية، القيام باستثمارات مشتركة في اقتصادات دول ثالثة، وإجراء محادثات في إطار آليات متخصصة متعددة الأطراف لهذا الغرض.
وأخيرًا، تُوسّع المادة 14 من هذا التفاهم نطاق العلاقات الثنائية لتشمل العلاقات متعددة الأطراف، وتنص على أن الطرفين المتعاقدين سيعززان التعاون في إطار المنظمات الإقليمية، وسيتفاعلان في إطار منظمة شنغهاي للتعاون لتعزيز قدراتها في المجالات السياسية والأمنية والاقتصادية والثقافية والإنسانية، وسينسقان المواقف، وسيسهلان توسيع العلاقات التجارية والاقتصادية بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية والاتحاد الاقتصادي الأوراسي.
كان السعي إلى وقف تأثير متغيرات وتدخلات الأطراف الثالثة في المعادلات الداخلية والثنائية بين البلدين من أهم دوافع إيران وروسيا للتوصل إلى هذا التفاهم. وهي قضية يبدو أنها اكتسبت أهمية مضاعفة في النظام الدولي، بالنظر إلى وجود “دونالد ترامب” في البيت الأبيض ومبدأه “السلام بالقوة”.
إن إعادة إصدار قرارات مجلس الأمن والعقوبات على إيران هي “إجراءات قسرية أحادية الجانب يطبقها أي طرف ثالث ضد أحد الأطراف المتعاقدة، ويجب على الطرف الآخر عدم اتخاذ أي إجراء لتسهيل هذه الإجراءات”، وربما يكون هذا جزءاً من دوافع موسكو لمعارضة هذه القرارات.
إن تطبيق هذا البند من الاتفاق الإيراني – الروسي، وإن كان له أبعاد متعددة، إلا أنه سيكون بالغ الأهمية في المجالين الاقتصادي والتجاري؛ حيث تمر موسكو وطهران بظروف خاصة بسبب العقوبات الأمريكية والأوروبية، ولذلك ستكون البنود المتعلقة بالتعاون الاقتصادي ذات أهمية خاصة.
خبرة إيران في إدارة آثار العقوبات
يمكن اعتبار خبرة إيران في إدارة آثار العقوبات أساسًا للتفاعلات الاقتصادية في هذه الفترة. إن طرق الترانزيت، والبحر، والطاقة، والأمن، والتعاون الاستخباراتي، وتقريبًا جميع مجالات العلاقات الثنائية والتعاون التي تناولها البلدان في اتفاق العام الماضي، يمكن أن تُخفف هذا العام بعض التحديات التي تواجه إيران وروسيا بعد عودة العقوبات، وهذا هو الهدف الأهم من صياغة أي اتفاق.
في نهاية المطاف، يُعدّ تنفيذ هذه المعاهدة، رغم التحديات التي تواجهها، في وقتٍ اختارت فيه أوروبا والولايات المتحدة، رغم كل جهود إيران وروسيا لمنع عودة العقوبات، مسار العداء؛ أمرًا بالغ الأهمية، ويُوجّه رسالةً إلى البيت الأبيض وحاشيته، مفادها أن البلدين لا ينويان الاستسلام لهذا العداء، وسيجدان سبيلًا للتغلب على هذه المشاكل بكل الوسائل.