نحو مجتمع حضاري

لا يتصور أحد ان اكتساب الثقافة طريق سهل مفروش بالورود، إنما تحتاج إلى صبر وحذق في التمكن من العلوم والفنون والآداب، وحين يتخلق هذا الإنسان المثقف نفسيا وعقليا، تبدأ مرحلة بناء المجتمع الصالح القابل للتطور، والرافض لقيود الجهل وأمراضه، كالتعصب والأنانية والعدوانية...

لا يتصور أحد ان اكتساب الثقافة طريق سهل مفروش بالورود، إنما تحتاج إلى صبر وحذق في التمكن من العلوم والفنون والآداب، وحين يتخلق هذا الإنسان المثقف نفسيا وعقليا، تبدأ مرحلة بناء المجتمع الصالح القابل للتطور، والرافض لقيود الجهل وأمراضه، كالتعصب والأنانية والعدوانية، ثم أن الثقافة، هي بحث دائب عن الحقيقة بذهنية متوقدة، مشخصة بذلك الجهلاء الأعداء، الذين لا يحسنون، الا العنف والعصبية والزوايا المظلمة ومنهم الحكام الطغاة.

 

ومن هنا نؤكد ان مجتمعنا الآن يتعرض لهجمة شرسة على الإنسان والثروة والأرض والتاريخ، هذه الهجمة ذات خيوط متشابكة ومعقدة، لا يدركها، إلا المثقف الذي أشرنا له أعلاه، وعليه لا بد من نهوض هذا المثقف للدفاع عن المجتمع من أعداء الداخل أولا والخارج ثانيا، وإلا سيقع تحت ضغوط المتلقيات، مثل مطالب الفاسدين وتعليمات الأجهزة الرقابية للأعداء، فحين يتولد الأنموذج الثقافي الباحث عن الحقيقة، تبدأ روح الإبداع في مناحي الحياة العامة، وامتلاك القرارات الحكيمة في بناء المجتمع، بعيدا عن الولاءات اللاوطنية، ومن هنا تنهض عملية انتاج الثقافة الاجتماعية البنّاءة، المولودة من رحم ظروفها البيئية المحيطة مع الاستعداد الدائم للانفتاح على الرأي الآخر، والعمل على سُنّة الخوض في حوارات ثقافية، تشمل شتى الموضوعات، حتى تلك التي يُنظر إليها على أنها من المحرمات، أو الخطوط الحمر التي لا يمكن الاقتراب منها في اعتقاد البعض.

 

هنا نضمن حدوث عملية التغيير الاجتماعي والحضاري، ممّا يجعلنا ننظر للثقافة على انها ليست الشهادة العلمية فقط، برغم من أهمية الشهادة الأكاديمية في بناء الفرد المؤثر في المجتمع، إلا أن هناك ثقافة الحوار، واستيعاب الحياة، وفهم بيئة ذلك المجتمع، وقيمه الفكرية، وأعرافه وتقاليده وامتلاك الاستعداد الذهني والمعرفي والعملي لصناعة التغيير، وقدرة التأثير في الرأي العام.

 

بهذا المنحى نجعل الثقافة والمثقف قادرين على خلق وبناء المجتمع الصالح للتطور، كما هو المهندس في قضية بناء الهيكل الهندسي الرصين، واجتماع ثقافة الذوق، ونلاحظ كلما كثر المثقفون الحقيقيون في المجتمع، زادت فرص السلام والمحبة والتمدن والنضوج العقلي، وتطورت منظومة الأخلاق والسلوك الاجتماعي، وبعيداً عن الانتماءات الفكرية والدينية والعرقية، تصبح هناك جسور ذات قوة بين الإنسان، والإنسان الآخر، واستثمار التقدم التكنولوجي في التحرر من الانعزال والخروج من القوالب الثقافية السائدة في المجتمع، والانتقال إلى بناء مجتمع حضاري ذي ثقافة منفتحة، والتخلص من أزمات الدكتاتورية المقيتة، ذات التمييز العنصري والعرقي والانتماءات الضيقة من الحزبية وغيرها، ولا بد من توضيح الحال، بأن الثقافة تخلق إنسانا ينأى بنفسه عن البيروقراطية والتكنوقراطية الصرفة، ليكون إنسانا ثوريا شغله الشاغل، هو عملية التنوير، ويكون عضويا في التأثير.

 

وتكتسب أهمية المثقف اجتماعيا بالدفاع عن العدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان، متمحورا حول فهم مشكلات المجتمع ووضع الحلول لها، وقدرته بالمقاربة بين الفكر والواقع، ومؤكدا من خلال الفعل الملتزم المتمثل بالتغيير الايجابي، لنشر الوعي والمعرفة، اللذان يوطآن إلى التغيير والإصلاح، ومن ثم بناء مجتمع متماسك تسوده المحبة والسلام والتمدن، بحيث أفراده يكونون قادرين على حل المشكلات المعترضة طريق الصعود نحو الحضارة، بإدراكهم المشكلات الاجتماعية وخصائص المجتمع، والحلول التي تتناسب مع الواقع والثقافة، وبالتالي فإن المسؤولية المهمة لهذا المثقف الاجتماعي، هو السعي لحماية الفئات الضعيفة، من خلال تقديم رؤى تكافلية، لتمكينهم اقتصادياً وفكرياً، كي تتم الاستفادة في اندماجهم مع الجميع وعملية النهوض والنمو الحضاري للمجتمع…

 

المصدر: وكالات

الاخبار ذات الصلة