أكد مدير الحوزات العلمية في إيران “آية الله الشيخ علي رضا أعرافي” أن “الحوزة العلمية في المائة عام الأخيرة، وخاصة بعد إنتصار الثورة الإسلامية في إیران، واجهت تحولَين مهمين؛ هما تحولها إلى مؤسسة عابرة للحدود الوطنية وتأسيس الحوزة العلمية للنساء، ممّا جعل الحوزة تختلف إختلافاً جذرياً عما كانت عليه سابقاً”.
وقال آية الله الشيخ علي رضا أعرافي: “ما نؤكد عليه في هذا السياق هو مسألة إعادة تأسيس الحوزة؛ إذ أن الحوزة العلمية لها تاريخ يمتد إلى 1200 عام”.
وأضاف: “لقد مرّت الحوزات العلمية في إيران بعصور مزدهرة، فعلى سبيل المثال، كانت الحوزة العلمية في أصفهان خلال العصر الصفوي والقرنين العاشر والحادي عشر حوزة شاملة وغنية، حيث ضمّت شخصيات مثل “صدر المتألهين”، و”ميرفندرسكي” و”ميرداماد” في الفلسفة، و”المحقق الكركي” في الفقه، وشخصية مثل “العلامة المجلسي” في الحديث، كما كان لديها “الشيخ البهائي” في العلوم الطبيعية والرياضيات والهندسة المعمارية”.
وأشار الى أنه ضمّت حوزة طهران العلمية كبار العلماء في الفلسفة والحكمة، كما أن الحوزات العلمیة في “شيراز وخراسان، وري وقم” لها تاريخ يمتد إلى 1200 عام؛ لذلك، قد كانت إيران مهد الحوزات العلمية، وقد تشكلت دائماً حوزات قوية ومتينة لأهل السنة والشيعة في إيران. وكان العديد من مفكري أهل السنة أيضاً من إيران، منهم مؤلفو الصحاح الستة، كما أن مؤلفي الكتب الأربعة الشيعية هم أيضاً من إيران.
وأضاف أعرافي أن “النقطة المثيرة للاهتمام هي أن الحوزات خارج إيران أيضًا ازدهرت بوجود كبار العلماء والشخصيات الإيرانية؛ ففي حوزة النجف الاشرف، كان الشيخ الآخوند الخراساني، والنائيني، والشيخ الأعظم مرتضى الأنصاري، والشيخ ضياء الدين العراقي، والميرزا الشيرازي، وغيرهم حاضرين في العراق، وحوزة النجف الاشرف مدينة لهم. لذلك، تأكيدي هو أن إيران والعلوم الإسلامية مرتبطان ببعضهما البعض؛ فالحبّ والروحانية التي كانت في إيران جعلت إيران رائدة في العلوم الإسلامية، والشيعیة، وإدارة الحوزات؛ لذا، فإن المساهمين الرئيسيين للحوزات العلمية داخل وخارج البلاد هم الإيرانيون والشعب الإيراني”.
وأكد أنه “يجب أن يجد جيل اليوم هويته ويعرف أن الإيرانيين والحوزات العلمية الإيرانية كان لهم تأثير في خلق تاريخ العالم الإسلامي، وإذا أردنا التحدث عن كل واحدة من هذه الحوزات، فإن الأمر يتطلب ساعة من الوقت؛ حتى في علوم الرياضيات والطبيعة وغيرها، لدينا عناوين عالمية”.
تحولات هائلة في قم المقدسة
أردف قائلاً: “مدينة قُم المقدسة في المئة سنة الأخيرة، شهدت بلا شك تطوراً كبيراً، لقد عددتُ عشرين ميزة لهذه المئة سنة الأخيرة في الحوزة، خاصة بعد الثورة، وفي الخمسين سنة الأخيرة، شهدت قُم تحولات كبيرة، وسأشير إلى بعض الأمثلة، أحدها هو قضية النوع الاجتماعي”.
واستطرد قائلاً: “إن الحوزات العلمية كانت دائماً للرجال، ومع ذلك كان لدينا دائماً نساء عظيمات منذ صدر الإسلام وحتى الآن، لعبن دوراً في مختلف العلوم الإسلامية، لكنهن كن نجمات فردية ومتناثرة، ولأول مرة بعد الثورة الإسلامية تأسست الحوزات العلمية للنساء، ونمت إلى درجة أنها باتت تضاهي الحوزات الرجالية”.
وقال آية الله الشيخ علي رضا أعرافي: “هذا تحول جديد في العالم المعاصر، حيث يتم تربية العلماء الدينيين بشكل منظم ومنهجي بين النساء ويظهرن للعيان.”
وأضاف أن “الظاهرة الجديدة الأخرى في قُم هي الطابع العابر للحدود للحوزة العلمية؛ فالحوزة تاريخياً كانت منتشرة في دول مثل إيران، والعراق، ولبنان، وإلى حد ما في باكستان والهند ودول الخليج الفارسي، ولكن بعد انتصار الثورة الاسلامية في إیران توسعت إلى درجة أن هناك طلاباً من أكثر من مئة دولة يدرسون في الحوزة، وتشكّلت نواة الحوزات في أكثر من مئة دولة أيضاً.”
وقال الشیخ أعرافي إن “الظاهرة الجديدة الأخرى هي تعدد التخصصات في الحوزات العلمیة بحيث كان التركيز الرئيسي في حوزة النجف على الفقه؛ ولكن اليوم في قم، نشهد تنوعاً في التخصصات في العديد من فروع العلوم الإسلامية والإنسانية، وهو ما ينعكس في شجرة المعرفة التي عمل ألف شخص على صياغتها لمدة 5 سنوات. هذا التوسع في التخصصات يدلّ على عمق المعرفة التي دفعت حدود المعرفة إلى الأمام”.
خطوات الحوزة إلى الأمام
وأردف مدير الحوزات العلمية الإيرانية موضحاً أن “نشر المجموعة المكونة من 40 مجلدًا هو أحد مخرجات الذكرى المئوية للحوزة، وقد أظهرنا في 20 مجالًا أن الحوزة قد اتخذت العديد من الخطوات إلى الأمام في الفقه والتفسير والحديث وغيرها، حيث يوجد توسع معرفي، وقد غيرت حدود المعرفة”.
واختتم الشيخ عليرضا أعرافي قائلاً: “إن الحوزة الرائدة والمتميزة تعني أننا نقفز من منصة النجاح الحالية نحو آفاق جديدة ونستجيب للاحتياجات المتعددة والمتنوعة على المستوى العالمي؛ نحن بحاجة إلى مئة محور للنمو والتعالي في المجالات الدعوية والمعرفية والبحثية والتعليمية وغيرها”.