في جلسة متخصصة بعنوان "تحليل دورة الإرهاب الجديد من منظور الحرب المركبة"

بوردستان: إستراتيجية العدو إستخدام الإرهاب لضرب ركائز التنمية في إيران

تطرّق زاهدي إلى العمليات الإرهابية والتشغيلية للتنظيم، من هجمات على مساجد وجامعات إلى اغتيالات شخصيات سياسية وهجمات حدودية.

أكد أمير بوردستان أن العدو يستخدم الإرهاب كأداة فعّالة ومتعددة الأغراض لضرب ركائز النظام والتنمية في إيران.

 

وعُقدت جلسة متخصصة بعنوان “تحليل دورة الإرهاب الجديد من منظور الحرب المركبة” بحضور اللواء أحمدرضا بوردستان، رئيس مركز الدراسات الاستراتيجية للقوات المسلحة، وسيد محمد جواد هاشمي‌ نجاد، الأمين العام لمؤسسة هابيلّيان، إلى جانب عدد كبير من القادة والأساتذة والباحثين الاستراتيجيين في قطاع الأمن القومي.

 

عُقدت هذه الجلسة العلمية-التخصصية استكمالًا للتكامل العلمي والعملي لفهم واحتواء التهديدات متعددة الأوجه، واستضافها مركز الدراسات الاستراتيجية للقوات المسلحة؛ وشارك في الحديث إلى جانب اللواء بوردستان وسيد محمد جواد هاشمي‌ نجاد كل من بهرام زاهدي، عضو هيئة التدريس بقسم العلوم السياسية والعلاقات الدولية في جامعة آزاد – وحدة العلوم والبحوث، ومرتضى سيمياري، خبير في الأمن الإقليمي.

 

في مستهل الجلسة، شكر مقرر الاجتماع مؤسسة هابيلّيان بصفتها مؤسسة متخصصة في شهداء الإرهاب، وبيّن أن هدف هذه الجلسة هو الانتقال من ردود الفعل الانفعالية إلى بلوغ أمن استباقي وذكي. وأشار إلى تحوّل الإرهاب من مشكلة أمنية محضة إلى تحدٍ استراتيجي حاسم يؤثر في مجالات الاقتصاد والتنمية والحرب المعرفية، مؤكّدًا ضرورة الفهم العميق لآليات نشوءه وتصرفه في فضاء الحرب المركبة.

 

بورردستان: هدف الحرب المركبة إضعاف ركائز النظام عبر الجماعات الإرهابية

 

أعرب اللواء أحمدرضا بورردستان عن شكره للحضور وتقديره الخاص لمؤسسة هابيلّيان، مؤكّدًا أن غاية هذه الجلسة ليست مجرد تحليل ظاهرة بل استكشاف عقيدة العدوان لدى العدو الذي يستغل الإرهاب كأداة فعّالة ومتعددة الاستخدامات لضرب أسس النظام والتنمية في إيران.

 

وأوضح أن الإرهاب في بنية التهديدات الحديثة قد تحوّل من فعل تكتيكي إلى أداة استراتيجية في الحرب بالوكالة، تسمح للأعداء بإنكار المسؤولية وفرض أعلى التكاليف الاقتصادية والبشرية والنظامية على البلاد مع أقل مخاطرة ممكنة عليهم.

 

ثم بيّن أهداف وآليات هذا الإرهاب الاستراتيجي مشيرًا إلى أن الهدف الرئيسي هو إضعاف أعمدة النظام السياسي عبر محوريْن: أولًا استهداف البنى التحتية الحيوية والمواطنين بهدف تقويض الثقة العامة بالنظام، وثانيًا التركيز على الشقوق العرقية والمذهبية لتمييعه وحدة البلاد وتحويل موارد الدولة عن مسار التنمية.

 

واستعرض بوردستان تاريخ الإرهاب ضد الجمهورية الإسلامية منذ ثمانينيات القرن الماضي وحتى الاغتيالات النووية وهجمات الجماعات التكفيرية، مؤكّدًا أن الإرهاب تحول إلى مكوّن دائم في استراتيجية كبح إيران.

 

وأشار، مستندًا إلى تصريحات نتنياهو، إلى أن العدو يسعى لإبقاء إيران منخرطة في حلقة دائمة من الأزمات.

 

وفي ختام كلامه، ميّز بوردستان بين الإرهاب التقليدي والإرهاب المركب الحديث، موضحًا أن الإرهاب المركب يدمج العمليات الفعلية مع الحرب الإلكترونية والإعلامية والمعرفية، وينسقها مستخدمًا هياكل شبكية لا مركزية ووسائل تمويل حديثة مثل العملات المشفرة. لذا فإن مواجهته تتطلب استراتيجية مركبة وشاملة.

 

واختتم بتعداد أربعة أهداف لمركز الدراسات الاستراتيجية من عقد مثل هذه الجلسات: تبادل المعرفة لإيجاد حلول مبتكرة، نشر ثقافة الوعي بالتهديدات الحديثة، تقديم توصيات استراتيجية إلى جهات صنع القرار، وتقليص الفجوة بين النظرية والتطبيق عبر التعاون مع مؤسسات قيمية مثل مؤسسة هابيلّيان.

 

 

هاشمي‌ نجاد: الجيش أحد الأهداف الرئيسية للجماعات الإرهابية

 

 

تحدث سيد محمدجواد هاشمي‌ نجاد، الأمين العام لمؤسسة هابيلّيان، كمتكلّم خاص شاكراً استضافة الجيش، وبيّن أن هدف تأسيس مؤسسة هابيلّيان هو ملء فراغ حضور ذوي ضحايا هجمات الإرهاب وتوثيق جرائم هذه الجماعات.

 

وأورد إحصائية مفادها تسجيل 23 ألف شهيد جرّاء الإرهاب في البلد، وثّقتها مؤسسة هابيلّيان خلال 18 ألف ساعة من العمل البحثي، مشدّدًا على أن إيران، رغم اتهامات زور بتأييد الإرهاب، تُعدّ واحدة من أكبر ضحايا هذه الظاهرة.

 

وأشار هاشمي‌ نجاد إلى استشهاد أول جندي من الجيش بعد أربعة أيام فقط من انتصار الثورة الإسلامية، معتبرًا جيش الجمهورية الإسلامية الإيرانية واحدًا من الأهداف الرئيسية لجماعات إرهابية مثل المنافقين.

 

وتطرّق إلى دور القوى الغربية والكيان الصهيوني في إنشاء ودعم الإرهاب، واستدلّ باعتراف هيلاري كلينتون بتورط الولايات المتحدة في إنشاء داعش والقاعدة، واعتبر هذه الدعمات جزءًا من سياساتهم الخارجية المتعمدة.

 

وطالب، مشيرًا إلى وجود حضور رسمي لجماعات مثل المنافقين في الدول الغربية وتنظيمهم لقاءات واسعة بمشاركة مسؤوليين رفيعي المستوى، بفضح هذه العلاقات وتوثيق جرائمهم بشكل أوسع.

 

وفي ختام حديثه، مشيرًا إلى إحصاء يُظهر استشهاد 2 أمير و670 من الكوادر و2000 جندي من الجيش على يد الإرهابيين، أعلن استعداد مؤسسة هابيلّيان للتعاون في إقامة مراسم إحياء وتقديم دراسات مشتركة مع الجيش لتوضيح دور هذه المؤسسة في مكافحة الإرهاب.

 

 

زاهدي: كيف وُلد داعش خراسان؟

 

 

في افتتاحية الجلسة العلمية، قدّم بهرام زاهدي، أستاذ جامعي وخبير في شؤون أفغانستان وباكستان، شرحًا لمنشأ ومفهوم “داعش خراسان” موضحًا أن الاسم يشير إلى منطقة جغرافية-تاريخية واسعة في الشرق تبدأ من إيران وتمتد إلى أجزاء من باكستان وأفغانستان وآسيا الوسطى.

 

 

وأشار إلى أن هذا التنظيم تأسّس في (حزيران/ديسمبر 2014 تقريبًا) على يد حافظ سعيد خان، أحد المنشقين عن حركة طالبان باكستان، بعد مبايعة لزعيم داعش. ثم حلّل البيئات الأربعة التي ولّدت ونمّيت هذا التنظيم: العوامل البيئية (منطقة حدودية غير آمنة ومثار نزاع في خيبر بختونخواه)، العوامل الاجتماعية (أربعون عامًا من الحرب والنزاعات العرقية)، العوامل الاقتصادية (الفقر والتهجير الناتج عن الصراعات)، والعامل الأيديولوجي الذي اعتُبر ذا وزن كبير.

 

 

وبيّن كيف أن مدارس سلفية متطرفة ذات قراءة وهابية تسرّبت خلال عقدين إلى الجامعات والمناطق المختلفة، فشكَّلت قاعدة اجتماعية لداعش خراسان من بين المنشقين عن مجموعات مثل TTP وطلاب ومجموعات منشقة من حركة أوزبكستان.

 

 

وتطرّق زاهدي إلى العمليات الإرهابية والتشغيلية للتنظيم، من هجمات على مساجد وجامعات إلى اغتيالات شخصيات سياسية وهجمات حدودية.

 

 

وأضاف، مستشهدًا بدور دول خارجية خاصة الولايات المتحدة وباكستان، أن هناك دلائل على دعم استخباراتي-أمني لداعش خراسان خلال فترة حكم حكومة سابقة في أفغانستان بقيادة امرالله صالح. وخصص جزءًا كبيرًا من حديثه لتحليل تجنيد داعش خراسان الواسع من طاجيكستان، موضحًا أن السبب يعود إلى القمع الشديد للمظاهر الإسلامية المعتدلة وإغلاق ساحات العمل لها، ما دفع الشباب المتدين نحو التطرف.

 

 

وأشار إلى دور الدعاية الموجّهة عبر الفضاء الإلكتروني مع ترجمة للّغة الطاجيكية في جذب هؤلاء المقاتلين.

 

 

وختم زاهدي بعرض حلول لمواجهة هذا التهديد على ثلاثة مستويات: أولًا، تعزيز التعاون المعلوماتي والأمني داخليًا ومع شركاء إقليميين مثل أفغانستان؛ ثانيًا، التركيز على العمل الثقافي والتوعية لمقاومة استقطاب الأفراد غير الواعيين؛ ثالثًا، إدارة الساحة الداخلية ومنع الأعمال الفتّاكة والمسيئة التي تستغلها داعش خراسان كوقود دعائي.

 

 

 

سيمياري: الجماعات الإرهابية تصيغ هويات عابرة للحدود

 

 

وتحدث مرتضى سيمياري، خبير الأمن الإقليمي، كمتكلّم آخر في الجلسة العلمية، مبتدئًا بملاحظتين محوريّتين: الأولى، غياب تعريف شامل ودقيق للإرهاب في إيران ما يؤدي إلى تبييض جماعات مثل الملكيين بوصفهم “نشاطًا سياسيًا”، والثانية، نقص الدراسات الأكاديمية والجامعية حول الإرهاب في العلوم الإنسانية، بينما تُدرس هذه القضية في الغرب بصرامة وبشكل استباقي.

 

 

وقدَّم مفهوم “الطفرة الجينية للإرهاب” ليوضح أن الجماعات الإرهابية المعاصرة، على خلاف نماذج ستينيات القرن الماضي، تطوّرت في “مختبرات معلوماتية” خارجية حيث تُزوَّد بالإمكانات والتدريب والاستراتيجيات المعقّدة، فتتجاوز كونها تهديدًا محليًا. واستدلّ بأمثلة من أمثال “الجولاني” في سورية و”ريغي” في إيران الذين تحوّلوا بمساندة أجهزة خارجية من وجوه أمنية إلى “ناشط حقوقي” أو “رئيس جمهورية”.

 

 

ثم حلّل حالة جماعة “جيش العدل” وبيّن سمات الطفرة الجينية فيها، ملاحظًا أنها تتبع نموذجًا مشابهاً لهيئة تحرير الشام في سورية، يشمل إنشاء تشكيلات متعددة الوظائف (قيادية واستراتيجية وشؤون شرعية وإعلام)، تنفيذ عمليات استعراضية مصوّرة باحتراف لأغراض دعائية وتدريبية، والأهم محاولة صياغة هوية عابرة للحدود بشعار “حضارة بلوشية” بدل التركيز الضيق على إيران فقط.

 

 

وحذّر من أن الاستراتيجية الكامنة وراء هذه التحولات هي نموذج “جعل إيران في حالة سابع من أكتوبر” من منظور الموساد؛ أي تنفيذ هجوم مفاجئ ومتزامن من عدة جبهات (الشمال الغربي، الجنوب الشرقي) لتعطيل المنظومة الأمنية.

 

 

وانتقد سياسات التباطؤ والتكتم لدى بعض الأجهزة في مواجهة الإرهاب محذرًا من أن هذا النهج يوسّع نطاق التهديد.

 

 

وشدّد سيمياري: “يجب أن يشعر الناس بخطورة الإرهاب كما في ثمانينيات القرن الماضي ويكونوا واعين له”. فهذه التوعية العامة لا تولّد ذعرًا، بل بالعكس، تساعد على حشد التعاون واليقظة العامة، فتتحول “المجتمع إلى حصن قوي في مواجهة دعاية الجماعات”.

 

 

وأشار إلى تجربة ناجحة للمشاركة الشعبية أثناء “حرب 12 يومًا” حيث تعاون المواطنون طوعيًا في كشف وإبلاغ عن الدراجات النارية المريبة، معتبراً أن الشفافية وتوعية الناس من الركائز الأساسية لمواجهة الإرهاب في عصر طفرته الجينية.

 

 

كما حلّل الأبعاد النفسية-الاجتماعية للحرب المركبة، موضحًا كيف تستغل جماعات مثل جيش العدل الشائعات المركّبة (كادعاءات الاعتداء الجنسي) المصممة بدقّة على “الأنسجة الحساسة الثقافية والاجتماعية في المنطقة” بهدف تقويض رأس المال الاجتماعي وخلق فجوة بين الناس والجهات الأمنية.

 

 

وحذّر من أن هذه التكتيكات، التي يسميها “الإرهاب النفسي”، خطيرة بمقدار العمليات المسلحة، لأنها تهيء الأرضية اللازمة للاختراق والقبول الاجتماعي لهذه الجماعات على المدى البعيد. وأشار إلى أن “للأسف قنوات محلية إقليمية تحولت إلى أدوات لدى العدو لضخ هذه الشائعات بسرعة وبمستوى عالي من التصديق في المجتمع”.

 

 

 

المصدر: الوفاق/ وكالات