مهرجان مريوان الدولي لمسرح الشارع ينطلق في دورته الثامنة عشرة

مسرح الشارع في إيران.. تجربة فنية عابرة للحدود

الوفاق: صالحي: المهرجان يُعدّ منصة للحوار الثقافي وتبادل التجارب بين الفنانين من مختلف القوميات، مما يُثري المعرفة المسرحية ويعزز الإبداع.

في قلب طبيعة محافظة كردستان، حيث تتعانق الجبال مع بحيرة زريبار، وتتنفس المدينة الفن من شوارعها، تنطلق الدورة الثامنة عشرة لمهرجان مريوان الدولي لمسرح الشارع، لتعيد تعريف العلاقة بين المسرح والجمهور، بين الفن والناس، بين الكلمة والحياة. مريوان، التي باتت مرادفاً لهذا الفن الشعبي النابض، تستقبل مرة أخرى فرقاً من داخل إيران وخارجها، لتُحوّل ساحاتها وحدائقها إلى منصات للحوار، للفرح، وللتأمل في قضايا الإنسان والمجتمع.

 

 

لطالما كانت مدينة مريوان حاضنة لهذا الفن الجماهيري، حيث يستقبل سكانها مهرجان مسرح الشارع كل عام بحماس خاص، حتى بات هذا الفن جزءاً من وجدانهم الثقافي.

 

 

وقد إستعدّت بلدية مريوان لهذا الحدث الوطني من خلال تنفيذ مشاريع تجميلية وتنظيم الساحات العامة وتوفير البنية التحتية اللازمة لإستضافة المهرجان بشكل لائق.

 

 

ويُقام المهرجان بإدارة «فاتح بادبروا»، من 26 إلى 30 أكتوبر، بهدف تعزيز فن مسرح الشارع، وتبادل الثقافات، وتقوية الحركة الفنية الشعبية.

 

 

 صالحي: مسرح الشارع مرآة التعايش الثقافي

 

 

وجّه وزير الثقافة والإرشاد الإسلامي، سيد عباس صالحي، رسالة إلى المهرجان، أكد فيها على أن هذا الفن يُجسّد التعايش بين الثقافات في ظل الوحدة الوطنية. وقال: إن مسرح الشارع، باعتباره فناً حياً وشعبياً، يعكس واقع الحياة اليومية، ويحفّز الجمهور على التفكير العميق وتقديم حلول مبتكرة للتحديات المعاصرة.

 

 

وأشار صالحي إلى أن المهرجان يُعدّ منصة للحوار الثقافي وتبادل التجارب بين الفنانين من مختلف القوميات، مما يُثري المعرفة المسرحية ويعزز الإبداع. وأضاف: إن هذا الحدث يسهم في تنشيط السياحة وخلق فرص عمل جديدة، ويُعدّ فرصة فريدة لإبراز المظاهر الثقافية لمحافظة كردستان.

 

 

وفي ختام رسالته، أعرب صالحي عن أمله في أن يُسهم هذا المهرجان في خلق أجواء مفعمة بالأمل والحيوية، ويُشكّل خطوة مهمة نحو تعزيز التلاحم والمشاركة الشعبية، وأن يواصل حمل رسالة السلام والصداقة والتقدم لجميع الإيرانيين.

 

 

كما وجّه الوزير تهنئة صادقة إلى الفنانين المبدعين، والقائمين على تنظيم المهرجان، وأهالي محافظة كردستان المحبين للثقافة، ولا سيما سكان مدينة مريوان.

 

 

 كرنفال إفتتاح المهرجان

 

 

انطلقت فعاليات كرنفال افتتاح المهرجان يوم الأحد 26 أكتوبر، وسط أجواء إحتفالية نابضة بالحياة، بمشاركة واسعة من المواطنين والفنانين ومسؤولين ثقافيين.

 

 

بدأ الكرنفال بتجمّع الفرق المشاركة في ساحة «شبرنغ» وشارع «الجمهورية»، ثم إنطلق نحو حديقة ملت، مصحوباً بعزف حيّ للموسيقى المحلية. إرتدى المشاركون من أهالي مريوان وفرق فنية في محافظة كردستان، الزي التقليدي، فيما أضفت الفرق الأخرى طابعاً خاصاً على المراسم بملابسهم وآلاتهم الموسيقية.

 

 

تميز افتتاح هذا العام بفقرات متنوعة، منها عروض إنشادية لطلّاب المدارس، مسيرة الفرق المسرحية، إستعراضات بالدمى والملابس المسرحية، ورقصات «هه‌ لبه ‌ركي» التقليدية. كما برز طائر اللقلق كرمز للمهرجان، مجسداً السلام والتعايش مع الطبيعة، حيث تم توزيع أقنعة ورقية تمثل عناصر بيئية بين الحضور.

 

 

اختتم الكرنفال في حديقة ملت بعرض للألعاب النارية، فيما إنطلقت عروض المهرجان المسرحية، لتبدأ أيام من الفن الشعبي والتفاعل الثقافي في قلب محافظة كردستان.

 

 

 

 عرض 43 عملاً مسرحياً

 

 

وفقاً للبرنامج المـُعلن، تم اختيار 43 فرقة مسرحية من بين أكثر من 200 عمل مرسل، لتقديم عروضها ضمن ثمانية أقسام متنوعة، تشمل: القسم الحر، الطقوسي، التقليدي، التجريبي، و«نشتيمان». كما تشارك فرق من تونس والهند إلى جانب الفرق الإيرانية في هذه الدورة. على مدار أربعة أيام، ستُعرض الأعمال المسرحية 106 مرات في مختلف مواقع المهرجان.

 

 

أما أماكن العرض الرئيسية فتشمل: بحيرة زريبار، حديقة شانو، حديقة ملت، وساحة «باوه ‌ره‌ شي». ومن الجدير بالذكر أن العروض لن تقتصر على هذه المواقع، بل ستُقام أيضاً في عدد من المدارس، وفي المدينة والقرى المجاورة لمريوان.

 

 

الفنان «علي بيداوَسي» من مدينة لاهيجان بمحافظة جيلان يشارك في هذه الدورة بعرض طقوسي بعنوان «آهو جَره»، وهو من المشاركين الدائمين في المهرجان، ويأمل أن يستمر هذا الحدث الفني في الأعوام القادمة.

 

 

أما المخرج «جمشيد خسروي» من مدينة «باغ ملك» بمحافظة خوزستان، فيشارك لأول مرة بعرض بيئي بعنوان «مرثية خوان»، وهو عمل مشترك بين مدينتي «إيذه» و«باغ ملك».

 

 

معرض للصناعات اليدوية والهدايا

 

 

بموازاة فعاليات المهرجان، أُقيم معرض للهدايا والصناعات اليدوية، يضم 30 جناحاً، منها 15 جناحاً مخصصاً للهدايا والمأكولات من مختلف المدن الإيرانية، و15 جناحاً آخر مخصصاً للصناعات اليدوية في محافظة كردستان.

 

 

مسرح الشارع.. فن حيّ نابض بالجمهور

 

 

وفي رسالة رسمية، أكد محافظ كردستان على أهمية مهرجان مريوان، قائلاً: «الفن هو تجلٍ لإبداع الإنسان في سبيل تقدم المجتمع، والمسرح هو فن عميق يحمل نظرة تأملية للذات والمجتمع وما يحيط بنا. إنه مرآة تكشف أعماق الواقع بنظرة ثاقبة».

 

 

وأضاف: «آرش زره‌تن لهوني»: «مسرح الشارع هو فرع نابض بالحياة، من هذا الفن الأصيل، يتفاعل مباشرة مع الجمهور، ويُعالج القضايا الإجتماعية، ويُروّج لقيم المواطنة، والتضامن، وحب الوطن، والأخلاق، في إطار فني مؤثر وعميق».

 

 

وتابع: «مريوان، مدينة الأدب والفن، حيث تتناغم الطبيعة مع الحضارة، لطالما كانت ملتقى لهذا الحدث الفني الكبير. وفي هذه الدورة، نستقبل الأعمال الراقية والخطوات الفنية المتميزة، لنُرسل من جديد رسالة الضيافة والفن إلى العالم».

 

 

 نحو مستقبل مشرق لمسرح الشارع

 

 

من جهته، قال محمد مهدي أحمدي، القائم بأعمال قسم الشؤون الفنية بوزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي، في رسالة بمناسبة انطلاق المهرجان: «في خضم صخب الحياة اليومية، يسطع مسرح الشارع في محافظة كردستان، وفي مدينة مريوان الجميلة، كجوهرة تنشر الأمل والتلاحم».

 

 

وأضاف: «نحتفي بفخر بانطلاق الدورة الثامنة عشرة لهذا الحدث الفني، الذي يحتضنه قلب الطبيعة والثقافة الغنية لمريوان، ويُعد فرصة فريدة لإستثمار الإمكانات الثقافية والاجتماعية والاقتصادية للمنطقة».

 

 

وأكد أن المهرجان يسعى، من خلال جهود المنظمين والفنانين، إلى تحقيق أهداف سامية، والمساهمة في نهضة الفن الملتزم، مشيراً إلى أن مسرح الشارع يُعزز الثقافة المجتمعية، ويُسهم في بناء مستقبل مشرق تسوده المحبة والتفاهم والتقدم المستدام.

 

 

وختم بالقول: نأمل أن تبقى هذه الدورة من المهرجان، ليس فقط حدثاً فنياً، بل رمزاً للتلاحم، والأمل، والحيوية، وخطوة فعالة نحو تحقيق أهداف الفن والثقافة في إيران.

 

 

 الفن لا يُحبس في الجدران

 

 

مهرجان مريوان ليس مجرد حدث فني، بل هو مرآة لنبض الجمهور، واحتفاء بالهوية الثقافية التي لا تنفصل عن الحياة اليومية. في زمن تتسارع فيه الإيقاعات، يظل مسرح الشارع في مريوان صوتاً حياً للناس، من الناس، وإلى الناس. ومع كل دورة جديدة، تتجدد الرسالة: أن الفن لا يُحبس في الجدران، بل يولد في الهواء الطلق، في نظرات المارّة، وفي تفاعل الجمهور، لتبقى مريوان منارةً للضيافة، والإبداع، والإنسانية.

 

 

المصدر: الوفاق