تجديد فني لثقافة الحجاب والعفاف

مهرجان «حِبا».. الحجاب بين الإبداع والهوية الثقافية

الوفاق: مهرجان «حِبا» لا يُعد مجرد فعالية فنية، بل هو مشروع ثقافي يُعيد الإعتبار للحجاب كرمزٍ للعفة والهوية، ويُبرز دوره في تشكيل الذوق العام بأسلوبٍ حضاري وجمالي.

في عالمٍ تتسارع فيه وتيرة التغيير، وتتشابك فيه القيم مع الإتجاهات المعاصرة، يبرز مهرجان «حِبا» كحدث ثقافي وفني استثنائي يُعيد تعريف الحجاب والعفاف من منظور جمالي، إبداعي، وهوياتي. هذا المهرجان، الذي أُقيم للمرة الأولى في العاصمة طهران، يُعد خطوة رائدة نحو ترسيخ ثقافة اللباس المحتشم بأسلوبٍ حديث يجمع بين الأصالة والابتكار، ويُسلّط الضوء على الحجاب كفنٍّ راقٍ يحمل في طياته رسالة اجتماعية وروحية عميقة.

 

 الحجاب.. أكثر من لباس

 

لطالما ارتبط الحجاب في المجتمعات الإسلامية بالهوية الدينية والإلتزام الأخلاقي، لكنه في مهرجان «حِبا» يُقدَّم كوسيلة للتعبير الفني، وكجزء من الثقافة البصرية التي تُعبّر عن المرأة، ذوقها، وانتمائها. الحجاب هنا ليس مجرد قطعة قماش، بل هو تصميم يحمل رسالة، ويُجسّد رؤية جمالية تُحاكي العصر دون أن تتخلى عن القيم.

 

 توقيت رمزي ورسالة روحية

 

انطلق مهرجان «حِبا» في 23 أكتوبر، واختُتم في السابع والعشرين منه، بالتزامن مع ميلاد السيدة زينب(س)، رمز العفة والصمود. هذا التوقيت لم يكن عشوائياً، بل يحمل دلالة روحية عميقة، تُذكّر بأن الحجاب ليس فقط مظهراً، بل هو موقفٌ أخلاقي وثقافي يُجسّد القيم التي تمثّلها شخصيات عظيمة في التاريخ الإسلامي.

 

انطلاق المهرجان بدافع ثقافي

 

جمعية منتجي منتجات العفاف والحجاب، التي سبق لها تنظيم معارض للملابس الإسلامية ضمن فعاليات معرض القرآن، ثم نظّمت سبع دورات من معرض الحجاب المتخصص «هدى»، أثبتت أن المنتجين في هذا المجال يمتلكون قدرة عالية على إنتاج وتقديم الملابس المحتشمة. لكن الجمعية، التي تأسست منذ البداية بدافع ثقافي، قررت الآن أن تتجاوز تلك الأنشطة لتُقيم مهرجاناً تحت عنوان «حِبا»، بهدف تحقيق تأثير أكبر في مجال الحجاب.

 

 أهداف المهرجان ومحاوره الفنية

 

نظّمت المهرجان جمعية نشطاء الحجاب في إيران، بمشاركة واسعة من مصممين، فنانين، طلّاب تصميم الأزياء، ومنتجين كبار وصغار. وقد تمحورت فعالياته حول ثلاثة عناصر رئيسية:

 

– أغطية الرأس: تصاميم تُبرز التنوع في الأساليب مع الحفاظ على الطابع المحتشم.

 

– الملابس الخارجية: قطع تجمع بين المتانة والجمال، وتُناسب الحياة اليومية.

 

– العباءات: تصاميم راقية تُعيد تقديم العباءة بأسلوب عصري دون التفريط بجوهرها.

 

وقد خضعت التصاميم المشاركة لتحكيم دقيق على ثلاث مراحل، نتج عنها إختيار 39 تصميماً مميزاً من أصل نحو 100 عمل أُرسل إلى الأمانة العامة للمهرجان.

 

الحجاب كفنٍّ وصناعة

 

صرّح حميد رضا أميدي، المدير التنفيذي لجمعية نشطاء الحجاب ورئيس المهرجان، قائلاً: الهدف الأساسي من هذا المهرجان هو التعرف على التصاميم الجديدة ودعمها، وتقدير المصممين المبدعين في مجال الحجاب، بالإضافة إلى دعوة الفنانين وطلاب تصميم الأزياء للمشاركة الجادة في هذا المجال. إن المهرجان يُقدّم الحجاب كفنٍّ يحمل رسالة ثقافية واجتماعية، ويُعبّر عن هوية المرأة بأسلوب راقٍ ومُعاصر.

 

وأضاف أميدي: إن الدعوة للمشاركة في المهرجان نُشرت منذ أغسطس، وقد لاقت ترحيباً كبيراً من المصممين، حيث تم إرسال نحو 100 عمل إلى الأمانة العامة، وبعد ثلاث مراحل من التحكيم، تأهل 39 تصميماً إلى المرحلة النهائية، والتي تم خلالها اليوم الإعلان عن التصاميم الفائزة في ثلاثة أقسام: أغطية الرأس، العباءات، وملابس المجتمع.

 

 فكرة المهرجان وأهدافه

 

أما ميثم نجاد رمضاني، عضو مجلس إدارة جمعية منتجي الملابس الإسلامية، والذي ينشط منذ سنوات في هذا المجال، وصاحب فكرة مهرجان «حِبا»، أوضح قائلاً: تجربتنا الناجحة في تنظيم معارض الملابس الإسلامية، مثل سلسلة معارض «هدى»، أثبتت للجميع الإمكانيات الكبيرة للجمعية في إنتاج وترويج منتجات الحجاب، والأهم من ذلك في نشر الثقافة المتعلقة به. لذا رأينا ضرورة إطلاق مهرجان شعبي في مجال العفاف والحجاب لتوظيف هذه الإمكانيات في مشاريع أكبر، وهذا ما نشهده اليوم من خلال مهرجان حِبا.

 

وأضاف: يسعى هذا المهرجان لتحقيق عدة أهداف مهمة، منها: إنشاء مرجعية في التصميم والإنتاج والتوزيع، بناء سلسلة إنتاج متكاملة لمنتجات الحجاب من خلال ربط المصمم بالمنتج، إكتشاف المواهب الشابة والأفكار الجديدة والمعاصرة، والإستفادة من هذه الأفكار لتشكيل الذوق العام في المجتمع، كما أنه يهدف إلى بناء منظومة متكاملة تربط بين المصمم والمنتج، وتُسهم في تشكيل الذوق العام للمجتمع من خلال منتجات عفيفة وعصرية.

 

 من المعرض إلى المرجعية الثقافية

 

لا يقتصر دور مهرجان «حِبا» على عرض التصاميم، بل يسعى إلى أن يكون مرجعية في تصميم وإنتاج وتوزيع منتجات الحجاب. من خلال ربط المصممين بالمنتجين، يُسهم المهرجان في بناء سلسلة إنتاج متكاملة تُلبّي احتياجات المجتمع، وتُشجّع الإبتكار في هذا المجال. كما يُعد منصة لإكتشاف المواهب الشابة، والأفكار الجديدة التي تُسهم في تشكيل الذوق العام، وتُعزّز ثقافة الحجاب بإسلوبٍ يتماشى مع تطلعات الجيل الجديد.

 

الحجاب والعفاف.. بين الأصالة والتجديد

 

يمثّل مهرجان «حِبا» نموذجاً حياً لكيفية دمج القيم الدينية والثقافية مع الإبداع الفني، حيث إجتمع فيه الفنانون المستقلون، العلامات التجارية الرائدة، والجيل الجديد من نشطاء صناعة الملابس، ليُقدّموا معاً رواية جديدة لأسلوب اللباس الإيراني الراقي. وقد أُقيمت مراسم إزاحة الستار عن ملصق المهرجان والدعوة الرسمية في 17 يوليو، بمناسبة أسبوع الحجاب والعفاف، ليُتوّج الحدث بإعلان الفائزين في 27 أكتوبر.

 

 الحجاب كهوية حضارية متجددة

 

إن مهرجان «حِبا» لا يُعد مجرد فعالية فنية، بل هو مشروع ثقافي يُعيد الإعتبار للحجاب كرمزٍ للعفة والهوية، ويُبرز دوره في تشكيل الذوق العام بأسلوبٍ حضاري وجمالي. في عالمٍ تتسارع فيه التغيرات، يبقى الحجاب عنواناً للثبات والتجدد، ومهرجان «حِبا» هو خطوة أولى نحو بناء مستقبلٍ تُعبّر فيه المرأة عن ذاتها من خلال تصميمٍ يُجسّد القيم، ويُحاكي العصر.

 

الحجاب ليس قيداً، بل هو اختيارٌ واعٍ، يُعبّر عن احترام الذات، والإنتماء إلى منظومة قيمية تُعلي من شأن المرأة، وتُكرّس حضورها في المجتمع بأسلوبٍ راقٍ ومُلهِم. ومثلما يُمكن للفن أن يُعبّر عن الحرية، فإن الحجاب يُمكن أن يُعبّر عن الجمال، والكرامة، والهوية.

 

المصدر: الوفاق