على أعتاب ذكرى اليوم الوطني لمقارعة الإستكبار العالمي

السينما الإيرانية.. منبر لمواجهة الإستكبار

الوفاق: السينما الإيرانية، بما قدّمته من أعمال خالدة،لم تكتفِ بسرد الأحداث، بل أعادت صياغتها بلغة الفن لتكون شاهدة على روح أمة واجهت الاستعمار والاستبداد.

يصادف الثالث عشر من شهر آبان الإيراني الموافق الثلاثاء  4 نوفمبر في الذاكرة الإيرانية اليوم الوطني لمقارعة الاستكبار العالمي، إذ ارتبط هذا التاريخ بثلاثة أحداث محورية في التاريخ المعاصر لإيران. ومنذ ذلك الحين، لم يعد هذا اليوم مجرد ذكرى سياسية، بل تحوّل إلى مساحة ثقافية وفنية تعبّر عن روح المقاومة، حيث بات الفن الثوري والسينما وسيلة لإحياء الذاكرة الجماعية ومواجهة الهيمنة العالمية.

 

في مِثل هذا اليوم من عام 1964م، اعتُقل الإمام الخميني (رض) في مدينة قم المقدسة ونُفي إلى تركيا بأمر من الولايات المتحدة عبر النظام الملكي البائد. وفي مِثل هذا اليوم من عام 1978م، خرج طلاب طهران في مسيرات احتجاجية ضد التدخل الأمريكي، فقوبلوا بعنف دموي من قوات الشاه المقبور. وفي مثل هذا اليوم من عام 1979م، اقتحم طلاب إيرانيون وكر التجسس الأمريكي في طهران، واحتجزوا العاملين فيه، لتدخل المواجهة مع الولايات المتحدة مرحلة جديدة. وبناءً على هذه الأحداث، أقرّ مجلس الشورى الإسلامي تسمية هذا اليوم بـ«اليوم الوطني لمقارعة الاستكبار العالمي».

 

 

لكن البعد الثقافي لهذا اليوم لا يقل أهمية عن بعده السياسي. فقد شكّل الفن الثوري أداة ثقافية في مواجهة الاستكبار، مستلهماً من القيم الإسلامية والإيرانية. وكما وصف الإمام الخميني(رض) الفن بأنه «نفخ روح الالتزام في جسد الإنسان»، فقد اتجه هذا الفن نحو الالتزام بالقيم الدينية والوطنية، مبتعداً عن النزعة العبثية، ومكرّساً لنشر قيم الثورة والهوية.

 

 

ولا يقتصر مفهوم الفن الثوري على الأعمال المرتبطة مباشرة بالثورة الإسلامية، بل يشمل كل إنتاج فني يقف في وجه الظلم والاستبداد والهيمنة العالمية. ومن هنا، برزت السينما كمنبر بارز في التعبير عن هذه المواجهة.

 

 

لطالما شكّلت السينما الإيرانية مرآةً للتاريخ السياسي والاجتماعي للبلاد، حيث لم تقتصر على الترفيه أو السرد الفني، بل تحوّلت إلى وسيلة لتوثيق الذاكرة الوطنية ومواجهة الاستعمار والاستبداد. ومن بين أبرز هذه الأعمال، أفلام حملت في طياتها رسائل سياسية وثقافية عميقة، مثل «ريشه در خون»، «قيام»، «عمليات آجاکس»، «تخت جمشيد، سر روزولت»، «دست شيطان» و«معما»، وفيما يلي نذكر بعضها:

 

«ريشه در خون»

 

 

فيلم «ريشه در خون» أي «الجذور في الدم» من إخراج سيـروس الوند، ويحكي الفيلم قصة حجت، الشاب الذي يناضل ضد قانون «كابيتولاسيون»، قبل أن يُقتل على يد عناصر السافاك. يسلّم حجت قبل موته حقيبة تحتوي على وثائق مهمة إلى صديقه رسول، الذي يجد نفسه مطارداً ويضطر للهرب عبر الغابات. الفيلم من بطولة فرامرز قريبيان، أكبر زنجانبور، حميد طاعتي، والراحل نعمت‌الله كرجي.

 

«القيام»

 

الفيلم من إخراج محمدرضا ورزي، وهو عمل تلفزيوني يتناول الأوضاع السياسية والثقافية والاجتماعية في عهد محمدرضا شاه المقبور، مسلطاً الضوء على أحداث بارزة مثل 8 سبتمبر 1978، مجزرة مرتدي الأكفان من ورامين، انقلاب 19 أغسطس 1953، ومنزل الإمام الخميني(رض) في قم المقدسة. شارك في بطولته حسين نورعلي، أميريـل أرجمنـد، سعيد نيكبور وشكرخدا كودرزي.

 

«عمليات آجاکس»

 

الفيلم من إخراج محمدرضا ورزي، وهو فيلم سينمائي يوثّق انقلاب 28 مرداد 1332 الموافق 19 أغسطس 1953، الذي خططت له الولايات المتحدة وبريطانيا لإعادة الشاه المقبور إلى الحكم. يعرض الفيلم محاولات بريطانيا لعرقلة حركة تأميم النفط بقيادة محمد مصدق. شارك في بطولته حسين نورعلي، سعيد نيكبور، أميريـل أرجمنـد ونادر سليماني.

 

«تخت جمشيد، سر روزولت»

 

الفيلم إنتاج عام 2008 للمخرج سعيد إبراهيمي فر، ويروي الفيلم قصة المخرج الأمريكي فريمن الذي يزور إيران للمشاركة في مهرجان سينمائي، حيث يدخل في نقاشات سياسية مع شخصيات إيرانية حول أزمة السفارة الأمريكية. في النهاية، يجد نفسه أمام حقائق تغيّر موقفه قبل عودته إلى بلاده.

 

 «دست شيطان»

 

فیلم «دست شيطان» أي «يد الشيطان» فيلم بوليسي- جاسوسي للمخرج حسين زندباف، ويقدّم مواجهة بين «الذكاء الثوري» الإيراني و«الذكاء الأمريكي» بعد فشل عملية طبس. يتتبع العمل جاسوساً أمريكياً يتخفى كصحفي، قبل أن يُكتشف أمره ويُقتل أثناء محاولته الهروب عبر الحدود.

 

«معما»

 

فيلم «معما» أي «اللغز»، للمخرج حسين زندباف يروي الفيلم قصة رضا دركاهي، موظف في مطار طهران، يتورط في قضية فقدان سلاح شرطي عشية زيارة رئيس أمريكي إلى إيران. التحقيقات تقوده إلى مواجهة مباشرة مع السافاك، حيث يتعرض للتعذيب والقتل، في حبكة تجمع بين الدراما السياسية والتشويق البوليسي.

 

السينما الإيرانية أداة ثقافية لمواجهة الإستعمار

 

تُظهر هذه الأعمال أن السينما الإيرانية لم تكن مجرد وسيلة للتسلية، بل أداة ثقافية وسياسية لمواجهة الاستعمار والاستبداد، وتوثيق لحظات مفصلية من التاريخ الإيراني. من «ريشه در خون» إلى «معما»، تتجلى قدرة الفن السابع على أن يكون شاهداً على الذاكرة الوطنية، ووسيلة لإعادة قراءة الماضي في ضوء الحاضر، بما يحفظ الهوية ويعزز الوعي الجمعي.

 

إن استحضار هذا اليوم لا يقتصر على كونه محطة سياسية في تاريخ إيران الحديث، بل يتجاوز ذلك ليغدو رمزاً ثقافياً وفنياً يرسّخ في الذاكرة الجماعية معنى المقاومة والهوية. فالسينما الإيرانية، بما قدّمته من أعمال خالدة،لم تكتفِ بسرد الأحداث، بل أعادت صياغتها بلغة الفن لتكون شاهدة على روح أمة واجهت الاستعمار والاستبداد. وهكذا، يظل هذا اليوم مناسبة لإعادة قراءة الماضي واستلهام دروسه، والتأكيد على أن الفن الثوري سيبقى جبهة موازية للسياسة، تحفظ الذاكرة وتبني وعي الأجيال القادمة.

 

 

المصدر: الوفاق