تم إدراج شخصيتَي بايزيد البسطامي والعلامة الطباطبائي، البارزتين في عالمَي العرفان والفلسفة الإيرانية، ضمن قائمة الاحتفالات العالمية لليونسكو للفترة 2026–2027.
ووفقا لما اوردته اللجنة الوطنية لليونسكو، فقد تم الإعلان عن هذا القرار خلال مشاركة وزير العلوم والأبحاث والتكنولوجيا الإيراني ورئيس اللجنة الوطنية لليونسكو في إيران “حسين سيمائي”و الأمين العام للجنة الوطنية ” حسن فرطوسي” في فعاليات المؤتمر العام لليونسكو المنعقد في سمرقند.
وبناء على اقتراح اللجنة الوطنية الإيرانية، وافق المؤتمر العام لليونسكو على إدراج هاتين الشخصيتين البارزتين ضمن قائمة الاحتفالات للفترة المذكورة.
واتُّخذ هذا القرار مساء يوم السبت الموافق 1 تشرين الثاني/نوفمبر خلال الجلسة الثانية للجنة العلاقات الخارجية لليونسكو (PAX) في الدورة الثالثة والأربعين للمؤتمر العام لليونسكو.
هذا ويُتوقَّع أن تُنظَّم فعاليات ثقافية وعلمية على المستويين الوطني والدولي احتفاء بهاتين الشخصيتين الخالدتين.
وبحسب قرار اليونسكو، فقد تم الاحتفال بالذكرى الـ1150 لوفاة بايزيد البسطامي، معلّم العرفان الإسلامي، بدعم من أرمينيا وطاجيكستان وتركيا، كما تم الاحتفال بالذكرى المئوية لحياة العلامة الطباطبائي النشطة مع التركيز على أثره الخالد “أصول الفلسفة والمنهج الواقعي ” بدعم من جمهورية أذربيجان والعراق وباكستان.
وعلاوة على ذلك، تجدر الاشارة الى ان الجمهورية الاسلامية الايرانية، قد لعبت دورا فعّالا في تسجيل احتفالات بثلاث شخصيات بارزة أخرى من الحضارة الإسلامية والإيرانية، وهي:رابعة البلخي،أول شاعرة صوفية ناطقة باللغة الفارسية،آية الله محمد باقر الصدر من العراق والشاعر التركي “باقي”.
ووفقا للقرار المذكور، فقد تم إدراج الذكرى الـ1150 لميلاد رابعة البلخي (976 م) بناء على اقتراح مشترك من طاجيكستان وأفغانستان وإيران (بدعم من بيلاروسيا وقيرغيزستان)، والذكرى الخمسون لكتاب “الأسس المنطقية للاستقراء” لآية الله العظمى السيد محمد باقر الصدر (1976) بناء على اقتراح عراقي وبدعم من دول عديدة من بينها إيران واليابان والهند وروسيا، وكذلك الذكرى الـ500 لميلاد الشاعر التركي باقي ( محمود عبد الباقي) بدعم من مقدونيا الشمالية وإيران ضمن قائمة الاحتفالات العالمية لليونسكو.
العلامة الطباطبائي.. جسرٌ بين العقلانية والروحانية
وجاء في جزء من المقترح الذي قدّمته اللجنة الوطنية لليونسكو في إيران ما يلي:
“رغم نشأة العلامة الطباطبائي في بيئةٍ تقليدية، فقد ركّز في فلسفته على العقل والبرهان، وتناول الفلسفة الإسلامية بنظرةٍ إبداعية وفوق وطنية. ويُعد كتابه البارز “أصول الفلسفة والمنهج الواقعي”، الذي يضم 14 مقالة فلسفية، أحد أهم الأعمال التي أقامت جسرا بين الفلسفة الإسلامية والفلسفة الغربية الحديثة، وشكّل خطوة محورية في إقامة حوار بين الفكر الشرقي والغربي”.
وأكد المقترح كذلك أن العلامة الطباطبائي بنى جسرا بين الفلسفتين الإسلامية والغربية، وفتح آفاقا لفهم متبادل بين الثقافات من خلال منهج توفيقي وحواري. وقد لعبت لقاءاته وحواراته مع الفيلسوف الفرنسي هنري كوربان (Henry Corbin) دورا محوريا في التعريف بأفكار الفلسفة الإسلامية في الأوساط الفلسفية الغربية.
وباختصار، فإن العلامة الطباطبائي ليس فقط من أعظم مفسّري القرآن الكريم، بل يُعدّ أيضا شخصية عالمية وحوارية في عالم الفلسفة، تقوم فلسفته على الحوار والعقلانية وبناء الجسور بين الثقافات؛ وهي مفاهيم ما زالت تحظى بأهميةٍ كبرى في الفلسفة والعلاقات الثقافية الدولية اليوم.
بايزيد البسطامي؛ معلّم التعايش والتسامح والسلام
وضمن التعريف بالعارف بايزيد البسطامي في المقترح المقدّم من اللجنة الوطنية لليونسكو في إيران، ورد ما يلي:
“بايزيد البسطامي (أبو يزيد طيفور بن عيسى بن شروسان البسطامِي(850م). ولد في النصف الثاني من القرن الثاني الهجري بمدينة بسطام التابعة لمدينة شاهرود بمحافظة سمنان). يُعدّ من أعظم العارفين وروّاد التصوف الإيراني، وقد عُرِف بلقب “سلطان العارفين” نظرا لمكانته الرفيعة في العرفان الإسلامي. وقد كرّس حياته لنشر العلم والأخلاق والسلوك الروحي، وتتلمذ على يديه العديد من الطلاب من مناطق مختلفة مثل إيران والعراق والهند وتركيا وآسيا الوسطى.
وقد شدّد بايزيد في تعاليمه على محبة البشر، واحترام الطبيعة، وقيمة العلم والمعرفة، وكان يرى أن العلم أجمل هبة إلهية، ويعتقد أن الإنسان يجب أن يظل طوال حياته إما متعلّما أو معلّما. وهذه الرؤية تتماشى تماما مع مفهوم “التعلّم مدى الحياة” الذي تروّج له اليونسكو اليوم.
وقد كانت أفكار بايزيد مصدر إلهام لكبار المفكّرين مثل خواجه عبد الله الأنصاري،الشيخ أبو الحسن الخرقاني، الشیخ فرید الدین العطار النیشابوري، الشاعر جلال الدین الرومي المولوي، الشاعر سعدى والشاعر حافظ الشيرازي. وقد لعبت دورا أساسيا في تشكيل العرفان الإيراني.
ولا تكمن أهمية بايزيد البسطامي فقط في تأسيسه لمدرسة العرفان الإيرانية، بل أيضا في رؤيته الإنسانية والعالمية تجاه العلم والسلام والتعايش. فقد كان يعتبر العلم والمعرفة طريقا للنمو الباطني والتنمية الإنسانية وبناء مجتمع عادل وسلمي. كما أن رؤيته حول الانسجام بين الإنسان والطبيعة تتماشى مع مبادئ التنمية المستدامة في العصر الحديث.
باختصار، يمكن اعتبار بايزيد البسطامي عارفا عالميا رائدا، ما زالت أفكاره حول الحب والعلم والتعايش مصدر إلهام للعالم حتى بعد مرور أكثر من ألف عام على وفاته.