محطّات خالدة في ذاكرة إيران المعاصرة

دم ووعي.. من دماء الطلاب إلى إقتحام وكر التجسس الأمريكي

في ذاكرة الشعوب لحظات تتحوّل إلى رموز، وأيام تخرج من حدود الزمن لتغدو مدارس في الوعي والكرامة. ومن بين هذه الأيام، يبرز الثالث عشر من آبان الموافق 4 نوفمبر كصفحة مشبعة بالدم والتضحية، وممهورة بصلابة الطلبة وصوت الحرية. إنه يوم لم يعد مجرد واقعة سياسية، بل أصبح رمزاً ثقافياً وتربوياً يذكّر الأجيال بأن الإستقلال يُصان بالوعي، وأن الكرامة تُحفظ بالتضحية.

 

غداً الثلاثاء 4 نوفمبر، سُمّي في التقويم الإيراني بـ «يوم مقارعة الإستكبار العالمي» و«يوم الطالب»، ويذكّرنا بثلاث وقائع مهمة في التاريخ المعاصر لإيران، وقعت في ثلاث مراحل مختلفة، ولهذا السبب سُجّل هذا اليوم في تاريخ البلاد كيوم خالد لا يُنسى، فهو يوم يختزن في ذاكرته نفي الإمام الخميني(رض) عام 1964، واستشهاد الطلاب عام 1978، واقتحام وكر التجسس الأمريكي في طهران عام 1979 م.

 

 دماء الطلاب تشعل الثورة

 

في خضم نضال الشعب الإيراني ضد نظام الطاغوت البائد، خرج صباح 4 نوفمبر 1978م، عدد كبير من الطلاب من مدارسهم متجهين إلى جامعة طهران للإنضمام إلى المتظاهرين. ومع هجوم قوات الشاه المقبور على الجامعة، استشهد مئات الطلاب والتلاميذ مضرّجين بدمائهم برصاص حي، غير أن دماءهم لم تُطفئ جذوة الثورة، بل أشعلت موجة غضب عارمة عجّلت بانتصارها، ورسّخت صورة الطالب المقاوم في الوجدان الإيراني. وبعد انتصار الثورة، ومن أجل تكريم ذكرى شهداء الطلاب، أُطلق عليه إسم «يوم الطالب».

 

اقتحام «وكر التجسس»

 

في بداية الثورة الإسلامية، قرر الطلاب الثوريون إقتحام وكر التجسس الأمريكي في طهران لإجبار أمريكا على تسليم الشاه المقبور وأموال الشعب الإيراني. إجتمع الطلاب من جامعات طهران المختلفة، وساروا في مسيرة نحو السفارة، ثم تسلّقوا جدرانها، ورغم مقاومة الحرّاس والأمريكيين، سيطروا عليها بالكامل.

 

أثناء الإقتحام، سارع الأمريكيون إلى إتلاف الكثير من الوثائق التي تكشف تدخلاتهم ونهبهم، لكن بعد السيطرة على السفارة مُنع تدمير ما تبقى، ولاحقاً جُمعت الوثائق ونُشرت على الملأ. ومع انتشار الخبر، احتشدت جموع غاضبة أمام السفارة دعماً للطلاب.

 

الإمام الخميني(رض) وصف هذا التحرك في رسالة بأنه «الثورة الثانية» وأعظم من الأولى. هذا العمل أثار غضب الأمريكيين، الذين لم يفهموا إرادة شعب يطلب الاستقلال والحرية، فلجأوا إلى خطوات ضد الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وممارسة الضغط عبر الأمم المتحدة، ومنظمة المؤتمر الإسلامي، ومجلس الأمن، وشنّ حملات دعائية سلبية ضد الطلاب المسلمين.

 

وبعد فشل هذه الضغوط، اتخذوا إجراءات أشد،  كقطع العلاقات السياسية في أكتوبر 1980م، شنّ هجوم عسكري على إيران انتهى بهزيمتهم المذلة في صحراء طبس، إضافة إلى الحصار الإقتصادي وتجميد أموال إيران. لكن أياً من هذه الإجراءات لم يثنِ الشعب الإيراني عن عزمه في مواجهة الظلم والإستكبار العالمي وعلى رأسه أمريكا. هذا الحدث لم يكن مجرد خطوة سياسية، بل كان إعلاناً عن البعد العالمي للثورة الإسلامية، ورسالة بأن الإستقلال الوطني لا يكتمل إلا بمواجهة الهيمنة الخارجية.

 

مدرسة متجددة في الوعي الثوري

 

اليوم، يُستعاد الثالث عشر من آبان في الذاكرة الإيرانية كرمز ثقافي وتربوي، حيث تُقام فعاليات طلابية وثقافية لإحياء ذكراه. فهو يوم يذكّر الأجيال بأن الحرية لا تُمنح بل تُنتزع، وأن التضحية والوعي هما السبيل لمواجهة الظلم.

 

إن هذا اليوم ليس مجرد تاريخ سياسي، بل هو مدرسة متجددة في الوعي الثوري، ومناسبة ثقافية تعيد التأكيد على دور الطلبة والشباب في صناعة التحولات الكبرى.

 

 دروس وعبر

 

علّم الثالث عشر من آبان جميع المستضعفين أنهم قادرون على رمي الناهبين في مزبلة التاريخ. علّم المسلمين أن يقفوا في معبد الإنسانية أحراراً وواعين، يصلّون أمام عظمة مذهب التوحيد، ويسجدون لله وحده، ويرفضون كل ما سواه، وفي هذا اليوم، أظهر الشعب الإيراني الأبي لجميع المستضعفين في العالم أن جدار الظلم قابل للكسر.

 

المصدر: الوفاق