موناسادات خواسته
في ذكرى إستشهاد السيدة فاطمة الزهراء(س)، بضعة الرسول الأكرم(ص) وسيدة نساء العالمين، نقف أمام شخصية فريدة جمعت بين الطهر والقداسة، وبين الحكمة والشجاعة. فقد كانت السيدة فاطمة الزهراء(س) نموذجاً للمرأة المسلمة الكاملة، التي جسّدت في حياتها أسمى معاني الإيمان والعبادة، والوعي الرسالي، والدفاع عن الحق، والوقوف في وجه الظلم. أخلاقها الرفيعة، زهدها، عطفها على الفقراء والمحتاجين، وصبرها العظيم في مواجهة المحن، جعلت منها قدوة خالدة للأجيال، ورمزاً للإنسانية في أبهى صورها.
وانطلاقاً من هذه الذكرى العطرة، نقدّم للقرّاء هذا الحوار مع الكاتب الإيراني البارز «سيد مهدي شجاعي»، الذي ارتبط اسمه بالأدب الديني وأعماله المؤثرة في وجدان القرّاء، وله عدّة تأليفات تمّ ترجمتها للعربية مثل «الشمس خلف الحجاب» و«الأب، العشق والإبن». يأتي هذا الحوار بمناسبة صدور الطبعة الواحدة والستين من روايته الشهيرة «السفينة الراسية»، التي تناول فيها سيرة السيدة فاطمة الزهراء(س) بلغة أدبية مؤثرة، جعلت الكتاب يحظى بمكانة خاصة في المكتبة الإسلامية.
في هذا الحوار، يتحدث شجاعي عن تجربته في الكتابة لأهل البيت(ع)، وعن رؤيته لمقام سيدة نساء العالمين باعتبارها «الحقيقة المستورة». فيما يلي نقدّم نبذة عن السيدة فاطمة الزهراء(س)، ثم نتطرق إلى نص الحوار.
قدوة النساء والرجال
السيدة فاطمة الزهراء(س)، بضعة الرسول(ص)، وهي أحد أصحاب الكساء الخمسة، وهي المرأة الوحيدة التي اصطحبها النبي محمد(ص) لـمباهلة نصارى نجران. وقد خصّتها سورة الكوثر، وشملتها آيات التطهير، والإطعام، ووردت في حقّها وفضيلتها أحاديث كثيرة؛ حيث عدّها أبوها بضعة من نفسه وغضبها غضب الله ورضاها رضاه.
تعددت الروايات في تاريخ إستشهادها ولم يذكر المؤرخون تاريخاً محدّداً لها، ومن أشهر هذه الأقوال بأنها توفيت في 13 من جمادى الأولى أي بعد خمسة وسبعين يوماً من رحيل النبي الأكرم(ص)؛ ومجموعة أخرى من الروايات تقول بأنّ وفاتها كان بعد وفاة أبيها بخمس وتسعين يوماً وذلك في 3 من جمادى الثاني، وهو الأقوى، وما بين هذين القولين المشهورين، أيّام الفاطمية التي يحيي فيها المسلمين في كل بقاع العالم المجالس الرثائية حداداً وحزناً على ذكرى إستشهاد السيدة فاطمة الزهراء(س) سيدة نساء العالمين، وقدوة النساء والرجال.
وفي ذكرى استشهادها، تحضر سيرتها العطرة في وجدان الأمة، وقد ألهمت شخصيتها الطاهرة وأخلاقها السامية أقلام الأدباء والشعراء، فكتبوا عنها مؤلفات وأشعاراً خالدة. ومنهم الكاتب الإيراني «سيد مهدي شجاعي»، الذي كتب روايته الشهيرة «السفينة الراسية»، وفيما يلي نقدّم نص الحوار الذي أجريناه معه في هذا المجال.

في رحاب القرآن وأهل البيت(ع)
في البداية، سألنا الأستاذ سيدمهدي شجاعي عن رأيه حول الكتابة في الأدب الديني ولأهل البيت(ع)، وتأثيره على نفسه وعلى المجتمع، فأجاب قائلاً: أعتقد أنّ أعمق وأشمل المفاهيم والمعارف يمكن العثور عليها في رحاب القرآن وأهل البيت(ع). أؤمن بأن أسمى الحكم وأرفع التعاليم للحياة البشرية يمكن إستخراجها من هذه المناجم اللامتناهية، وأعتقد أنّ هذه المفاهيم والمعارف والتعليمات، إذا وصلت إلى إنسان معاصر يطلب الكمال في أي بقعة من العالم، فإنه سيغدو مأخوذاً بها ومفتوناً بها على الفور.
كلمات أمير المؤمنين(ع) بعد مرور ألف وأربعمائة عام ما زالت أمير الكلام. وفي مجال حقوق الإنسان، لم يظهر حتى اليوم نصّ أعمق وأسمى وأوسع انتشاراً من رسالة الإمام السجاد(ع)، ولم يرفع أحد مقام الدعاء والمناجاة مع الله إلى مستوى الصحيفة السجادية.
إنّ هذه الذوات المقدسة، لكونها مطّلعة تماماً على وجوه الإنسان المختلفة، وعارفة بطرق السماء معرفة جلية، فإنها تقدّم للبشر أسمى المفاهيم وأكثرها عملية في آن واحد.
الحلقة المفقودة هنا، هي، أولئك الذين ينبغي أن يترجموا هذه المفاهيم السامية إلى لغة العصر ويبينوها، ليتيحوا للجمهور العالمي الوصول إليها، أولئك الذين يوصلون هذا الماء العذب الصافي الذي لا مثيل له إلى شفاه العطاشى. وبما أنّ لغة الأدب والفن هي أفضل وعاء لنقل هذه المفاهيم السامية، فإنّ أعظم عبء لهذه المسؤولية يقع على عاتق أهل الأدب والفن. وتقصيرنا في هذا المجال هو أعظم ظلم للطرفين معاً: فترك هذه المفاهيم السامية غريبة ومهجورة ظلم، وترك الإنسان الباحث عن الماء عطشاناً ظلم آخر.
ومن الخصائص التي لا يمكن إنكارها في هذا الفضاء، أنّ من لم يذق العطش بكل كيانه، ولم يشرب من هذا الماء الحي، لا يمكن أن يكون حاملاً له وساقياً لغيره، وعلى الجانب الآخر، من ذاق العطش بكل كيانه، وشرب من هذا الماء الزلال، لا يمكن أن يبقى في حصار أنانيته، ولا أن يحرم الآخرين من هذا الماء العذب، وهذه هي الرسالة التي تنتظر أهل القلم.
«السفينة الراسية»

بعد ذلك تحدّث الأستاذ شجاعي عن أبرز سمات ورسائل كتابه «كشتي بهلو كِرفته» أي «السفينة الراسية» التي على وشك صدور الطبعة الثانية والستين، وتم ترجمته للعربية، وقال: كتاب «السفينة الراسية» ليس عملاً جديراً حقاً بمقام السيدة فاطمة الزهراء(س)، لكن هناك عدة عوامل جعلت الجمهور يستقبلونه إستقبالاً إستثنائياً، أولها: الحب الفطري والذاتي للجمهور تجاه هذه الشخصية الفريدة، بحيث يخطف أي كلام عنها قلوبهم ويجذبهم، ثانيها: فراغ الساحة من الأعمال الرفيعة حول هذه السيدة العظيمة، فما كُتب ونُشر حتى اليوم في أدبنا الديني لا يرقى إلى مقام هذه الزهرة المتألقة في بستان الخلق، وثالثها: أنّ كلمات هذا العمل خرجت من القلب، ولذلك إستقرّت في قلوب القرّاء وأرواحهم، وجذبتهم إليها.
والحقيقة أنّ لا أنا، ولا أي إنسان آخر يمكنه الإدعاء بأنّه بلغ أدنى مراتب معرفة هذه الشخصية السامية، ذلك لأنّ إرادة الله لم تُبنَ على أن تُعرَف هذه الجوهرة المكنونة من الخلق معرفة كاملة، و«المجهولة قدراً» إشارة إلى هذا المعنى، كل ما في الأمر أنّ رنين جرس يصلنا، وأنّ الليل لا يجد بُداً من أن يتعطّر بأنفاس تلك الزهرة السماوية، ويستضيء قلبه بشعاع من ذلك الشمس الكونية المضيئة.
الترجمة للعربية
وفيما يتعلق بترجمة الكتب للغات أخرى وخاصة العربية قال الأستاذ شجاعي: كما تعلمون، تُرجمت أعمالي إلى لغات متعددة: الإنجليزية، الفرنسية، الروسية، التركية (إسطنبولية)، الأردية، البوسنية، العربية وغيرها، ومن بين جميع هذه الشعوب والأمم، أرى أنّ الأمة العربية العظيمة هي الأقرب والأكثر تفاهماً مع هذه الأعمال، بسبب كثرة المشتركات بيننا وبينهم.
ومن جهة أخرى، بما أنّ موضوع جميع هذه الأعمال يدور حول الإنسان، فإنّ كل إنسان، أيّاً كان لسانه وثقافته وقوميته، يستطيع أن يتواصل معها، لكن القرّاء العرب، لكونهم يشتركون معنا في كثير من الروابط الثقافية (إضافة إلى المشتركات الإنسانية)، فإنّهم يتفاعلون مع هذه الأعمال بدرجة أكبر، واستقبال الناشرين والجمهور العربي لهذه الأعمال دليل واضح على ذلك.