في عالمٍ يزداد فيه الحديث عن حقوق الإنسان، يبرز حدث ثقافي عالمي يعيدنا إلى جذور الحضارة الشرقية. تصديق ميثاق كوروش الكبير في المؤتمر العام الثالث والأربعين لليونسكو بسمرقند ليس مجرد تسجيل أثر تاريخي، بل هو إعادة إحياء لروح إنسانية سبقت عصرها، تؤكد أن العدالة والحرية والتسامح ليست مفاهيم حديثة، بل إرث حضاري متجذر في أعماق التاريخ الإيراني.
اليونسكو تصادق رسميا على ميثاق كوروش
في حدث تاريخي، صادقت اليونسكو رسمياً يوم الخميس على «ميثاق كوروش الكبير» بوصفه أحد أوائل مواثيق حقوق الإنسان في العالم والذي يؤكد على تنوع الثقافات، وهذا الإجراء الذي حظي بتأييد الدول الأعضاء، أبرز مرة أخرى موقع ايران في تكريم التراث الإنساني والقيم العالمية.
وهذه القطعة التي تم التصويت عليها بالإجماع، أُعتبرت بأنها «وثيقة أساسية في تاريخ الحضارة البشرية» و«أول نموذج مكتوب في مبادئ الحرية والعدالة والتسامح واحترام تنوع الثقافات».
ووفقاً لهذا القرار كُلّفت اليونسكو بتعزيز التعاليم النابعة من ميثاق كوروش في مناهجها التعليمية والثقافية والمتعلقة بحقوق الانسان.وأُعلن عن هذا الحدث بالتزامن مع إقامة اليوم السادس من تشرين الثاني/نوفمبر 2025 في سمرقند.
وقد مهّدت جهود سفير ومندوب ايران الدائم «احمد باكتجي» والأمين العام للجنة الوطنية لليونسكو في ايران «حسن فرطوسي» وبدعم من وزير العلوم والبحوث والتكنولوجيا «حسين سيمائي صراف» ورئيس اللجنة الوطنية لليونسكو في ايران، للتصديق على هذه الوثيقة.
وأبدى كل من مصر، العراق، کولومبیا، الهند، نیجریا، الجزائر، باکستان، بنغلادش، کينیا، السنغال، أرمينيا وبولندا دعمه لإيران في يوم 6 نوفمبر في التصديق على ميثاق كوروش الكبير بوصفه اول ميثاق لحقوق الانسان والتنوع الثقافي.
وتهدف المبادرة إلى ابراز القيم العالمية الكامنة في هذه الوثيقة التاريخية بما فيها التسامح والعدالة واحترام التنوع الثقافي والديني.
وهذه القطعة التي قُدمت بصورة مشتركة من قبل ايران وطاجيكستان إلى المؤتمر العام، تؤكد على الأهمية العالمية لميثاق كوروش وتدعو الأمين العام لليونسكو لإعتماد مبادئها في المناهج والفعاليات المتعلقة بالعدالة وحقوق الانسان و الحوار بين الحضارات. كما تدعو الحكومات للسعي لزيادة الوعي العالمي تجاه القيم الواردة في هذه الوثيقة التاريخية.
تجدر الإشارة إلى أنه هذه المرة الأولى التي يتم فيها الإعتراف رسمياً بوثيقة إيرانية عريقة على الصعيد العالمي بوصفها ميثاقا يتعلق بحقوق الانسان.
ميثاق كوروش مرآة لجوهر الحضارة الإيرانية
ميثاق كوروش، ذلك اللوح الطيني الأسطواني المكتشف في بابل عام 1879، يُعدّ من أبرز الشواهد على أن الحضارة الإيرانية وضعت الإنسان في مركز الاهتمام منذ أكثر من 25 قرناً. النصوص المنقوشة بالخط المسماري تحدثت عن حرية المعتقد، احترام التنوع الثقافي، ورفض القتل والنهب في الحروب، وهو ما جعل هذا المنشور يُعرف لاحقاً كأول وثيقة مكتوبة لحقوق الإنسان.
من منظور ثقافي، فإن ميثاق كوروش يمثل مرآة لجوهر الحضارة الإيرانية التي وضعت الإنسان في مركز الكون، واعتبرت العدالة أساس الحكم. هذه الروح ذاتها نجدها في الأعياد الإيرانية مثل نوروز ومهركان، وفي التعايش التاريخي بين الأديان والأعراق على أرض إيران.
هذا التصديق العالمي لا يقتصر على إعادة الإعتبار لكوروش الكبير، بل يضع الحضارة الإيرانية في قلب النقاش العالمي حول العدالة والحرية، ويؤكد أن احترام الإنسان والتنوع الثقافي ليس شعاراً، بل أسلوب حياة متجذر في التاريخ.
ذاكرة إنسانية مشتركة
إن اعتماد ميثاق كوروش في اليونسكو يفتح نافذة جديدة على الماضي ليضيء الحاضر. فهو يذكّر العالم بأن قيم الحرية والعدالة والتسامح ليست إختراعاً حديثاً، بل جزء من ذاكرة إنسانية مشتركة. في زمنٍ يواجه فيه العالم أزمات إنسانية متزايدة، يصبح هذا المنشور منارةً ثقافية تدعو إلى استعادة فلسفة العيش الإنساني التي نادى بها كوروش قبل أكثر من 25 قرناً، لتكون أساساً لبناء مستقبل أكثر عدلاً وسلاماً.