الخطّاط الإيراني «مسعود صفّار» للوفاق:

الخط الكوفي الإيراني شديد الجاذبية ويستحق التأمل والبحث

خاص الوفاق: صفار: رسالتي كفنان هي إدخال الإبداع على الخط، وتغيير الأشكال للوصول إلى صيغة جديدة تتفاعل مع الجمهور، الناس يحبون أن يروا الحداثة في الفن.

موناسادات خواسته

 

فن الخط في إيران يُعدّ إرث حضاري عريق يجمع بين الأصالة والابتكار، متجذر في التاريخ الإسلامي والفارسي منذ قرون. نشأت فيه أنماط متعددة مثل النستعليق، الشكسته نستعليق، النسخ، الثلث، والكوفي، لتشكّل مدرسة فنية خاصة بإيران. لم يكن الخط مجرد وسيلة تدوين، بل تحوّل إلى لغة بصرية تعبّر عن الجمال والروحانية، وتبرز قدرة الفنان الإيراني على المزج بين الدقة الهندسية والخيال الإبداعي. ومع الزمن، ظل يتطور ليصبح أحد أبرز مكونات الفنون التشكيلية العالمية، جامع بين التراث والحداثة.

 

 

من روّاد هذا الفن الأستاذ «مسعود صفّار»، الفنان الإيراني المعروف بالخط والغرافيك والرسم، وهو عضو في جمعية الخطاطين الإيرانيين وجمعية الفنون التشكيلية الإيرانية. ابتكر أسلوب فريد يمزج بين الخط الكوفي الإيراني والتصميم البصري المعاصر، وشارك في معارض داخل إيران وخارجها، مقدّم أعمال تحمل بصمة خاصة، تكشف رؤيته لأهمية الجمع بين الماضي والحاضر في فن يتواصل مع الجمهور المعاصر، فأجرينا حواراً معه حول الخط، فيما يلي نصه:

 

 

 

 فن الخط الإيراني وأثره العالمي

 

 

بدايةً، تحدّث لنا الأستاذ مسعود صفّار عن فن الخط الإيراني وخصائصه وتأثيره، ومكانته العالمية، قائلاً: فن الخط من الفنون الأصيلة في إيران، ومنذ قرون انتشرت أنماط عديدة مثل الخطّ الكوفي، النسخ، الثلث، المحقق، الريحان، وكذلك الخطوط المبتكرة كالنستعليق و«شكسته نستعليق». يكفي فخر لنا أن «الأقلام الستة» أُبدعت على يد «إبن مقلة البيضاوي الشيرازي»، ثم جاء آخرون مثل «مير علي الهروي»، فأرسى قواعد خط النستعليق وزيّنه.

 

 

كذلك وضع «درويش عبدالمجيد الطالقاني» قواعد خط «شكسته نستعليق». هذه الخطوط تطورت مع الزمن، وهي مصدر إعتزاز لإيران، رغم أن بعض الدول تدّعي نسبتها إليها مثل خط الثلث، بينما أصلها إيراني. ومن أبرز أعلام النستعليق «ميرزا غلام رضا أصفهاني»، الذي حتى الآن، لم يتمكّن أحد من فكّ رموز وأسرار تكويناته وكتابة الـ «سياه مشق» أي الممارسة الإبتدائية لكتابة الخط في أعماله، وخطُّه يتسم بـدرجة عالية جدّ من الرمزية والغموض لم تُكشف حتى اليوم.

 

 رحلة صفّار مع الخط الكوفي

 

 

فيما يتعلق بسبب إجتذابه للخط الكوفي والخصائص الجمالية فيه التي دفعته لكتابة هذا الخط، يقول صفّار: بدأت بالنستعليق وشكسته نستعليق، وتعلّمت على يد أساتذة، ثم درست الغرافيك في الجامعة. هناك تعرّفت على الخط الكوفي لأول مرة، فأسَرني بجماله. في البداية درست الكوفي المصحفي القديم، كما كان يُستخدم في كتابة القرآن في صدر الإسلام، وتدرّبت طويل في متحف القرآن التابع للعتبة الرضوية المقدسة.

 

 

إلى أن أتقنت الإطار والأساسيات الرئيسة للخط، ثم بدأت بتعلّم التفاصيل؛ أي كيف تأخذ الحروف أشكال مختلفة بحسب موقعها وبجوار أي حرف تُكتب. إستغرق الأمر نحو ثماني سنوات حتى أتقنت كتابة الكوفي المصحفي. كتبت أجزاء من القرآن مثل الجزء الثلاثين، وخطبة فدكية بطلب من احدى المؤسسات.

 

 

وبعد أن بدأتُ بالخط الكوفي ووجدت فيه جاذبية كبيرة، تركتُ تقريب باقي الخطوط ولم أعد أكتبها. ثم عملتُ على الخط الكوفي المشرقي، الذي كان له أساتذة بارزون في عصره، لكنني اعتمدتُ في عملي على خط “عثمان بن حسين الغزنوي”. ويُعدّ مصدر فخر واعتزاز أن موطن الخط الكوفي المشرقي هو خراسان، حيث ظهر في إيران وتبلور هناك. إنه خط شديد الجاذبية ويحمل طابع إيراني خالص، مثل الألفات الطويلة التي تُعد من خصائص الخطوط الإيرانية، والتي تظهر بوضوح في هذا الخط، مما يزيده جمال وخصوصية.

 

 

الخط الكوفي له أنواع متعددة، إذ يوجد أكثر من مئة نوع من الكوفي. فمنذ نشأته، كان كلما دخل منطقة جديدة يتغيّر قليل ويُسجَّل باسم تلك المنطقة، مثل الكوفي المصري، الكوفي المشرقي، الكوفي المغربي، الكوفي الأندلسي، وغيرها.

 

وعند تصنيف الكوفي نجد أنه ينقسم إلى ثلاثة أقسام رئيسة: الكوفي الكتابي الذي استُخدم في كتابة القرآن الكريم، الكوفي البنائي أو المربّعي الذي استُخدم في العمارة ويأخذ أشكال مربعة بسيطة أو معقدة، ثم الكوفي الزخرفي الذي يضم أنماط كثيرة مثل المشعشع والمعشّق والمزهر وغيرها، ولكل منها قواعده الخاصة. أما أنا فقد عملت على الكوفي الأولي، أي الكوفي المصحفي أو الكوفي المشرقي، وفق الأسلوب التقليدي.

 

ومنذ أن دخلتُ مجال الغرافيك، واجهت بطبيعة الحال مجموعة من الأساليب البصرية، وبحسب رؤيتي استطعت أن أُدخل بعض التغييرات على الخط. بالطبع لا أدّعي أنني ابتكرت هذا الخط، فهو موجود من قبل، لكنني أضفت إليه وغيّرت فيه وفق لذهني وخيالي الإبداعي؛ زدت شيئ من الأقواس وحركة الحروف، واستخدمته في فن «نقاشيخط» أي «الرسم الخطي».

 

بشكل عام، يتمتع الخط الكوفي بقدرة غرافيكية عالية، مما يسمح بإحداث تغييرات فيه ما دامت تحافظ على الجمال، وهو أمر لا يمكن تطبيقه بسهولة على خطوط أخرى. فمثل في خط النستعليق، إذا شوّهنا حرف «ن» قليل، حتى غير الملمّ بالخط يلاحظ ذلك فور. أما في الكوفي، يمكننا استخدام المبالغة أو القطع، ومع ذلك يظل محتفظ بجماله. لهذا يُعدّ الخط الكوفي فن شديد الجاذبية، وأنا أكتشف يوم بعد يوم إمكانات جديدة فيه، وهو خط يستحق التأمل والبحث.

 

 الرسم الخطي لغة بصرية حديثة

 

وعندما طلبنا من الأستاذ صفّار أن يصف لنا عالم فن الـ «نقاشيخط»، وكيفية تواصل هذا الفن مع الجمهور، قال: لو اكتفينا بكتابة الخط التقليدي، فلن نضيف شيئ جديد، وسنكون مجرد كتّاب كما في صدر الإسلام. رسالتي كفنان هي إدخال الإبداع على الخط، وتغيير الأشكال للوصول إلى صيغة جديدة تتفاعل مع الجمهور.

 

الناس يحبون أن يروا الحداثة في الفن، لا مجرد تكرار التراث. مثل الموسيقى، لا يمكن أن نستمع لنمط واحد فقط؛ التنوع ينعش الروح. كذلك النقاشيخط، عندما يدخل اللون والشكل الجديد، يصبح أكثر جاذبية. وأشير هنا إلى أن الخط الكوفي ليس خط عربي خالص كما يظن البعض، بل هناك فرضية أنه مشتق من خطوط إيرانية قديمة، مما يجعله ذا جذور إيرانية أيضاً.

 

 الخط الكوفي واستخداماته في الكتابة والزخرفة

 

أما حول النصوص التي يُستخدم الخط الكوفي فيه أكثر، قال صفّار: في صدر الإسلام استُخدم حصري لكتابة القرآن. لكن مع ظهور خطوط جديدة كالنسخ والنستعليق، تراجع استخدامه لأنه يحتاج مساحة كبيرة. مثل، كتابة جزء واحد من القرآن بالنسخ قد لا يتجاوز أربع صفحات، بينما بالكوفي قد يحتاج إلى 150 صفحة. ومع ندرة الورق آنذاك، كان يُكتب على الجلد، ففضّل الكتّاب الخطوط الأسرع والأقل استهلاك للمواد. لاحق، استُخدم الكوفي في الزخرفة والنقاشيخط، وأصبح رمز للحداثة.

 

 التوازن بين الأصالة والمعاصرة في الفن

 

وعندما سألنا رأيه حول الجمع بين التراث والحداثة في الفن، قال صفّار: هذا أمر ضروري. إن لم نمزج بينهما سنكون محكومين بالإندثار. يجب أن نواكب العصر ونبتكر أساليب جديدة، لأن الزمن سريع، والفن يجب أن يواكب هذه السرعة. المزج بين التراث والحداثة يحتاج إلى علم ومعرفة متعددة، كما يحدث في الفنون الأخرى التي تُدمج عبر الوسائط الحديثة. كذلك في الخط والرسم والألوان، علينا أن نحقق هذا الدمج.

 

 آفاق التعاون الفني مع العالم العربي

 

وأخيراً حول إقامة معارض مشتركة مع الفنانين العرب، قال صفّار: الفكرة رائعة جداً. كثير من أعمالي بيعت في الدول العربية ولدي زبائن هناك، لكن لم أتمكن بعد من إقامة معرض مشترك مباشر مع فنانين عرب. أسعى لتحقيق ذلك، لأنه سيخلق تواصل مثمر بين ثقافتين ورؤيتين مختلفتين للفن، وهو أمر مهم وجذاب للغاية.

 

 

المصدر: الوفاق/ خاص

الاخبار ذات الصلة