بهدوء يشبه ما قبل العاصفة توغلت خمس عربات عسكرية صهيونية إلى قرية صيدا الجولان في أقصى في القنيطرة جنوبي سوريا، كما لو أنها تتحرك في أرض بلا صاحب.. تمددت على الطريق الترابي، ثم نصبت حاجزاً مؤقتاً عند مدخل القرية. وشرعت في تفتيش المارة وتدقيق هوياتهم، في مشهد ليش فقط باستهتار الحدود، بل بغياب كامل لأي قوة قادرة على ردع هذا التوغل المتكرر.
وقبل ساعات فقط كانت آليتان مدرعتنان تتقدمان نحو مشارف بلدة كويا في حوض اليرموك تطلقان النار عشوائيا قبل أن تسلكا طريقهما نحو ثكنة الجزيرة التي باتت مقرا ثابتا للقوات الصهيونية.
ما يجري في الجنوب السوري ليس عابراً ولا يمكن قراءته كتحركات تكتيكية بسيطة، فالمشهد أعمق مما يبدو عليه.. فما هناك لا يقاس بمسطرة الخروقات الحدودية التقليدية، بل يرقى إلى نمط جديد من التمركز العسكري، يوحي بأن الكيان يعمل على تثبيت احتلال هادئ غير معلن، يعاد تشكيله حجراً حجراً عبر الحواجز والطرق العسكرية.
وهذا التحول ترافقه قوة ناعمة باتت تضاهي قسوته، فبينما تتحرك دباباتها وجنودها في القرى المحاذية لخطوط التماس تنشر أدواتها الناعمة أيضا عبر استبيانات توزع على الأهالي الذين يستوقفون عند الحواجز.. تسألهم قوات الاحتلال عن عدد أفراد أسرهم وعن أعمالهم وصحتهم ودخلهم ومؤهلاتهم واحتياجاتهم الغذائية.. بل وحتى عن موقفهم من السلطات الجديدة.
فهي تبني قاعدة بيانات اجتماعية كاملة تجمع في مناطق تخضع بحكم الأمر الواقع لنفوذ الاحتلال، في قرى الحميدية والقحطانية ورسم الرواضي ورسم البيضاء ورسم أبو شبطة وغيرها من القرى، التي تحولت إلى فضاء مفتوح لتحركات الدوريات.