تقدّم إيران في إنتاج الأدوية النووية

منع انتشار السرطان في الجسم بواسطة أدوية مشعة

الوفاق/ يمكن للأدوية المشعة في بعض أنواع السرطان مثل سرطان البروستات والغدة الدرقية والرئة أن تستهدف الخلايا السرطانية بدقة عالية، وتمنع انتشار السرطان في الجسم "النقائل".

لقد تحوّلت تقنية الأدوية المشعة اليوم إلى واحدة من أكثر أدوات الطب النووي تقدماً وتأثيراً في العالم، وتؤدي دوراً أساسياً في تشخيص وعلاج أنواع مختلفة من السرطان. إن أهمية هذه التقنية لا تقتصر على الكشف المبكر عن الأمراض فحسب، بل إن الأدوية المشعة، ومن خلال توفير إمكانية التصوير الجزيئي، وتقييم دقيق لوظائف الخلايا، واستهداف الخلايا السرطانية بشكل خاص، والمساعدة في تطوير أدوية حديثة، قد غيّرت الآن مسار الطب الحديث جذرياً.

 

اليوم، أصبح استخدام الأدوية المشعة في تشخيص وعلاج الأمراض، خاصة السرطان، جزءاً لا يتجزأ من الطب الحديث، حتى إنه في الدول المتقدمة، يستفيد شخص واحد من كل 50 شخصاً سنوياً من الخدمات التشخيصية للطب النووي، وشخص واحد من كل 500 شخصاً سنوياً من الخدمات العلاجية في هذا المجال. إن أهمية البنى التحتية النووية في هذا المجال واضحة؛ ذلك أن هذه النسب في الدول النامية أقل بكثير بسبب نقص البنى التحتية لإنتاج الأدوية المشعة واستخدامها. إن تطوير الاستفادة من الأدوية المشعة في التشخيص والعلاج يتطلب بنيتين تحتيتين أساسيتين: أولاً، مراكز إنتاج الأدوية المشعة، وثانياً، المستشفيات المجهزة بتقنيات نووية.

 

 ثورة في التصوير الطبي بتقنيتي PET وSPECT

 

اليوم، أحدث استخدام تقنيتي SPECT وPET مع الأدوية المشعة في التصوير النووي ثورة هائلة في تشخيص الأمراض القلبية والسرطانية والعصبية. توفر هذه التقنيات إمكانية رصد وظائف الخلايا والنشاط الأيضي في الجسم، مما يتيح للأطباء اكتشاف الأمراض حتى في مراحلها الأولية. فعلى سبيل المثال، يمكن للتصوير بتقنية PET باستخدام FDG أن يكشف عن الخلايا السرطانية قبل ظهور الأعراض السريرية.

 

 الكشف المبكر عن الأمراض؛ أكبر ميزة للأدوية المشعة

 

تلعب الأدوية المشعة دوراً محورياً في التصوير المتقدم بتقنيتي PET وSPECT، وتوفر إمكانية تحديد الأمراض في مراحلها المبكرة جداً. فعلى سبيل المثال، في تشخيص السرطان، يتيح الدواء المشع FDG-PET “فلورو ديوكسي غلوكوز” تحديد الخلايا السرطانية بدقة قبل ظهور الأعراض السريرية. وفي أمراض القلب أيضاً، تحدد الأدوية المشعة المتخصصة، من خلال تقديم صور دقيقة لتدفق الدم في القلب والمناطق التالفة أو المسدودة، مما يساعد في اتخاذ قرارات علاجية أسرع وأكثر استهدافاً.

 

 العلاج الموجّه؛ دقة ملليمترية في مواجهة السرطان

 

إحدى أكبر مزايا الأدوية المشعة هي إمكانية التشخيص الدقيق وتنفيذ العلاج الموجّه، ففي السرطانات، ترتبط هذه المركبات بشكل خاص بالخلايا الورمية؛ وبالإضافة إلى تحديد الموقع الدقيق للورم، فإنها توفر الظروف اللازمة لعلاجات مخصصة وأقل آثاراً جانبية. وفي مجال الأمراض “العصبية” أيضاً، تلعب الأدوية المشعة مثل F-18 Florbetapir دوراً مهماً في كشف اللويحات الأميلويدية في الدماغ، وتُستخدم في تشخيص أمراض مثل الزهايمر.

 

 توسيع آفاق الطب المتقدم بتطوير الأدوية المشعة

 

يُعدّ تطوير الأدوية المشعة أرضية خصبة لتوسيع العديد من مجالات الطب المتقدم. ففي الطب الشخصي، تلعب الأدوية المشعة دوراً أساسياً في اختيار أدق طريقة علاجية لكل مريض على حدة، كما تزيد من فعالية العلاج عبر تقليل الآثار الجانبية. وفي علم الأحياء الجزيئي أيضاً، توفر هذه التقنية إمكانية رصد الأنشطة الأيضية والبيولوجية على المستوى الخلوي، مما يساعد في تحسين الأساليب العلاجية غير الغزوية.

 

السرعة في الكشف؛ منقذة لحياة مرضى السرطان

 

إحدى المزايا المهمة لهذه التقنية هي التسريع الكبير في عملية التشخيص والعلاج، حيث تساعد الأدوية المشعة الأطباء على الحصول على معلومات دقيقة وسريعة عن حالة المريض، وتصميم برنامج علاجي فعّال في أقصر وقت ممكن. ويُعدّ هذا الأمر ذا قيمة كبيرة في أمراض مثل السرطان حيث يلعب الوقت دوراً حيوياً. كما أن استخدام الأدوية المشعة يقلل في كثير من الحالات من الحاجة إلى الجراحات المعقدة والغزوية؛ فعلى سبيل المثال، الكشف المبكر عن السرطان بتقنية PET يتيح استخدام علاجات أقل تدخلاً.

 

 إنتاج الأدوية المشعة محلياً؛ الأمن العلاجي وعلاج النقائل

 

في البلدان التي تواجه قيوداً اقتصادية أو عقوبات على الواردات، تكتسب عملية إنتاج الأدوية المشعة محلياً أهمية مضاعفة. ويمكن لهذا الإنتاج المحلي أن يخفض تكاليف العلاج، ويزيد من وصول المرضى إلى الخدمات التشخيصية، ويقلص اعتماد البلد العلاجي على الواردات إلى الحد الأدنى. وفي بعض أنواع السرطان مثل سرطان البروستات والغدة الدرقية والرئة، يمكن للعلاج بالأدوية المشعة أن يستهدف الخلايا السرطانية بدقة عالية، ويمنع انتشار السرطان في الجسم “النقائل”، ويعمل كمكمل أو بديل للطرق الجراحية والعلاج الكيميائي.

 

 الأدوية المشعة؛ المحرك الدافع لتطوير الأدوية الحديثة

 

تلعب تقنية الأدوية المشعة دوراً حيوياً أيضاً في تطوير الأدوية الجديدة، ولا سيما الأدوية المضادة للسرطان. توفر هذه التقنية إمكانية تقييم طريقة توزع الدواء في الجسم، وتبيّن للباحثين المناطق التي تتلقى أكبر تأثير من الدواء. وباستخدام التصوير بتقنيتي PET وSPECT، يمكن فحص فعالية الأدوية في ظروف حقيقية قبل إعطائها، ورصد التغيرات الأيضية في الخلايا بدقة عالية.

 

كما تلعب الأدوية المشعة دوراً مهماً أيضاً في تجارب الأدوية الموجّهة، وتساعد الباحثين على مراقبة عمليات مثل استهداف الخلايا السرطانية بدقة؛ وهو أمر ذو تأثير كبير في تطوير “العلاج المناعي الإشعاعي – الأدوية المشعة التي ترتبط بالأجسام المضادة أو الجزيئات الخاصة”. كما توفر هذه التقنية إمكانية نمذجة و”سيموليشن” سلوك الأدوية على المستوى الجزيئي، مما يمهد الطريق لتصميم أدوية أكثر فعالية وأماناً.

 

 توقع نتائج العلاج؛ الاستشراف المستقبلي في الطب الدقيق

 

يستطيع الأطباء باستخدام الأدوية المشعة التنبؤ بنتائج العلاجات الجديدة، ومحاكاة استجابة الأورام للأدوية المختلفة؛ وهو إجراء يؤدي إلى تغيير سريع وذكي لمسار العلاج. وفي النهاية يمكن القول إن الأدوية المشعة لا تقتصر على تشخيص وعلاج السرطان فحسب، بل تؤدي دوراً أساسياً في طيف واسع من أمراض القلب والدماغ والأوعية الدموية والالتهابية، مما يؤدي إلى تحسين جودة حياة المرضى، وتقليل تكاليف العلاج، وزيادة دقة التشخيص، وتطوير علاجات حديثة. تُعد هذه التقنية من أركان الطب المستقبلي الرئيسية، وتمهد الطريق لعلاجات ذكية وموجهة ومخصصة لكل مريض.

 

 سوق الأدوية المشعة العالمي وتوقعات نموها

 

في عام 2024، يُقدّر حجم سوق الأدوية المشعة العالمي بين 7.64 إلى 11.85 مليار دولار، ومن المتوقع أن يصل هذا السوق بحلول عام 2034 إلى أكثر من 35 مليار دولار، بنسبة نمو سنوي مركب CAGR تتراوح بين 7.53% إلى 11.45%. يعكس هذا الاتجاه الأهمية المتزايدة للأدوية المشعة في تشخيص وعلاج الأمراض، خاصة السرطان، والاستثمارات الكبرى التي تقوم بها الشركات الدوائية الكبرى في هذا المجال.

 

 قدرات إيران في إنتاج الأدوية المشعة

 

 

حققت إيران تقدماً ملحوظاً في مجال إنتاج الأدوية المشعة ومعدات التصوير النووي. ومع ذلك، لا يزال هناك اعتماد على الواردات لبعض الراديوايزوتوبات الرئيسية مثل الموليبدينوم-99 واللوتيسيوم-177، مما يجعل تطويرها داخلياً أمراً ذا أهمية قصوى.

 

 

 أولويات تطوير البنى التحتية لإنتاج الراديوأيزوتوبات

 

يُعدّ تطوير البنى التحتية لإنتاج الراديوأيزوتوبات الأكثر استخداماً مثل FDG واللوتيسيوم-177 والأكتينيوم-225، إلى جانب زيادة عدد أجهزة الماسح PET، الأولويات الأهم لرفع مكانة إيران في مجال الطب النووي على الصعيد العالمي. ومن شأن الاستثمار والتركيز على هذه المجالات أن يتيح رفع جودة تشخيص وعلاج المرضى، وتقليل الاعتماد على الواردات.

 

 

المصدر: الوفاق