سلطنةُ عُمان تحتفلُ بیومِها الوطنيّ.. استقرارٌ فريدٌ وهُويةٌ وطنيةٌ متميزةٌ

في مثل هذا اليوم من كل عام، تقف سلطنة عُمان أمام لوحة تاريخية متكاملة، تستعيد خلالها ذكرى تأسيس الدولة البوسعيدية قبل 281 عامًا؛ تلك التي وضعت اللبنات الأولى لدولة مستقرة، مزدهرة، ومؤثرة في محيطها الإقليمي والدولي.

إنّ اليوم الوطني ليس مجرد احتفاء بتاريخ سياسي، بل هو استحضار لنهج متواصل من الدبلوماسية والاعتدال والتسامح والدولة المؤسسة على القانون، إلى جانب رؤية عصرية لبناء المستقبل.

 

القيادة هي فن توجيه المجتمع نحو أهدافه ورؤية المستقبل بعين بصيرة تحاكي التحديات والفرص على حدّ سواء، وفي منطقتنا تتمتع بعض النماذج القيادية بخصوصيات فريدة كالنموذج العُماني الذي يختلف عن غيره من النماذج في المنطقة، إذ يعتمد هذا النموذج على مفاهيم القيادة التي ترتكز على القيم العُمانية التقليدية الأصيلة.

 

في الآونة الأخيرة، أعلنت سلطنة عُمان عن إطلاق استراتيجية الهُوية الترويجية لهذا البلد العريق، والتي من المقرر أن تساهم في تعزيز المزايا التنافسية لهذا البلد وتبرز فرادة مُقوّمات هذا البلد وإنسانه للعالم.

 

مما لا شكّ فيه، إنّ سلطنة عُمان تتمتع بمقومات ثقافية وحضارية غنية ومتنوعة تعكس تاريخها الطويل وتراثها العريق ومظاهر التقدم والتطور في هذا البلد على عكس ما تتصوره بعض الدول في منطقتنا لا ترتكز على ناطحات السحاب والأبراج العالية، بل تتمثل في تحقيق التوازن بين الحداثة والحفاظ على التراث وفي تعزيز الاستدامة في كافة المجالات الاقتصادية والاجتماعية والتكنولوجية.

 

الشعب العُماني يولي اهتمامًا كبيرًا لإرثه الحضاري وتاريخه الثقافي وزيّه التراثي، حيث يعكس الزيّ العُماني التقليدي جزءًا كبيرًا من الهُوية الثقافية والتاريخية للسلطنة؛ وفي الوقت نفسه نرى أن هناك قدرة رائعة على مواكبة التطور التكنولوجي والحديث في هذا البلد دون التفريط في الحفاظ على التراث، وهذا التوازن بين الحفاظ على التراث والانفتاح على التكنولوجيا يعكس قدرة العُمانيين على دمج ماضيهم العريق مع حاضرهم المتقدم بأسلوب عصري ومواكب للمتغيرات.

 

للموروث الشعبي والثقافي مكانة عالية في سلطنة عُمان، حيث يعتبر التراث جزءًا لا يتجزأ من الهُوية الوطنية العُمانية، ويُعدّ من الركائز الأساسية التي يُبنى عليها في التفاعل مع العالم الخارجي وهذا الاهتمام يُظهر في مختلف جوانب الحياة العُمانية، سواء في الممارسات اليومية أو في السياسات الرسمية التي تهدف إلى الحفاظ على هذا الموروث وتعزيزه.

 

من هذا المنطلق، فإن تاريخ سلطنة عُمان وثقافتها وحضارتها قد شكّلت أساسًا قويًا للسياسة الخارجية العُمانية الفريدة من نوعها، الأمر الذي جعل عُمان قادرة على بناء علاقات استراتيجية متميزة مع الدول المختلفة في العالم والحفاظ على استقرارها الداخلي.

 

سلطنة عُمان والقضية الفلسطينية

 

منذ اليوم الأول من انطلاق عمليات «طوفان الأقصى» في السابع من أكتوبر 2023 بالأراضي الفلسطينية المحتلة عوّدتنا سلطنة عُمان بحكمة عالية، أن تسمّي الأشياء بمسمّياتها سواء على صعيد الموقف الرسمي أو التضامن الشعبي، وكان موقف السلطنة صريحاً ودقيقاً في وصف التطورات، وأكدت في أكثر من مناسبة أن «صاحب الحق هو المقاوم» و«المعتدي هو المحتل»، وطالبت بوضع الحدود الصارمة تجاه تمادي الاحتلال في سفك دماء النساء والأطفال وتجاه الحق الفلسطيني بعمومه.

 

سياسة سلطنة عُمان التي جعلت هذه البلاد محل ثقة من جانب مختلف الأطراف المتنازعة في القضايا الإقليمية والدولية ترى الأمور بواقعية وتحاول أن تعالج السبب الحقيقي للأزمة الحالية من خلال إنهاء الاحتلال الإسرائيلي غير القانوني لفلسطين والذي تعتقد أنه سيفضي بالتالي إلى استعادة السلام في المنطقة والعالم على أرض الواقع.

 

ومع بدء الحرب الهمجية الصهيونية على قطاع غزة توالت المواقف السياسية الواضحة لسلطنة عُمان لدعم الشعب الفلسطيني المظلوم، وقد تجلى هذا الموقف في خطاب السلطان هيثم بن طارق خلال افتتاح دور الانعقاد السنوي الأول للدورة الثامنة لمجلس عُمان الذي وصف الاحتلال الاسرائيلي بالغاشم، وأكد على ضرورة تحمل المجتمع الدولي مسؤولياته والتزاماته تجاه القضية الفلسطينية، والمسارعة في إيجاد حلول جذرية لتحقيق آمال الشعب الفلسطيني ليعمّ السلام في منطقتنا وينعم العالم أجمع بالأمن والأمان.

 

على المستوى الشعبي أیضاً، تُعدّ فلسطين جزءًا من الوعي العُماني، إذ تتجدد مشاعر التضامن كلما تفجرت الأحداث في الأراضي المحتلة، وينظر المجتمع العُماني إلى القضية الفلسطينية بوصفها قضية أخلاقية وقضية أرض مغتصبة وقضية شعب يُطالب بحقه المشروع وقضية ترتبط بالهُوية والمبدأ، ولعل هذا التفاعل الشعبي هو ما يمنح الموقف الرسمي قوة إضافية.

 

العلاقات الإیرانية – العُمانية

 

منذ تأسیس نظام الجمهورية الإسلامية الإيرانية عام ١٩٧٩، شهدت العلاقات الإيرانية – العُمانية نمواً مطرداً، حيث بات معروفاً لدى الجميع إنّ العلاقات بين البلدين والشعبين الإيراني والعُماني ممتازة وحسنة على جميع الصعد في ظل الأواصر والقواسم المشتركة في المجالات الدينية والتاريخية وحسن الجوار والرغبة لتطوير العلاقات المتبادلة لكلا البلدين طيلة العقود السابقة، فيما تعتبر طهران السلطنة بأنها من أفضل بلدان الجوار الإيراني.

 

العلاقات البنّاءة والتعاون المشترك بين إيران وسلطنة عُمان لعبت دورًا مؤثرًا وفعالًا في حفظ الأمن والاستقرار في عموم المنطقة وفي مختلف الظروف خلال العقود الماضية ومنذ قديم الأزمان، وبات هذا التعاون يمثل ركيزة أساسية واستراتيجية لضمان مستقبل أفضل لهذه المنطقة الحسّاسة من العالم.

 

وباتت هذه العلاقة اليوم نموذجاً ناجحاً للعلاقات الثنائية والتي يمكن أن تتشكل بين سائر البلدان في المنطقة، وتؤسس لحوار وتعاون شامل وتمهد الأرضية للسلام والثقة المتبادلة في المنطقة والعالم. من هذا المنطلق تؤكد القيادة الحكيمة في البلدين على أهمية تعزيز هذه العلاقات وضرورة تطويرها في جميع المجالات.

 

وعلى الرغم من التحديات الكثيرة والمعقدة التي تواجهها المنطقة، إلّا أنه ولحسن الحظ ونتيجة السياسة العقلائية والحكيمة جداً التي تنتهجها سلطنة عُمان تمكن البلدان من تعميق العلاقات فيما بينهما، ومن المؤمل جداً أن ترتقي هذه العلاقات لفتح آفاق جديدة للتعاون في شتى الميادين.

 

في الحقيقة، الحديث عن العلاقات الأخوية التي تربط الجمهورية الإسلامية في إيران وسلطنة عُمان هو حديث ترافقه مسيرة ظافرة من التعاون البنّاء والمتين الذي لا يضمن مصالح البلدين فحسب؛ بل يأخذ بالاعتبار مصالح الإقليم برمته حيث كان وما زال توطيد الأمن والاستقرار في هذه المنطقة الحساسة من العالم الهدف الأسمى والغاية المنشودة لقیادة البلدين الشقيقين.

 

القيادة الإيرانية تولي اهتماماً كبيرًا لسلطنة عُمان لاعتقادها بقدرة قيادتها على لعب دور مهم ومؤثر ومطمئن لصالح البلدين وجمیع دول المنطقة لتصبح العلاقات بين إيران وسلطنة عُمان اليوم في أعلى مستوياتها، وهناك جهود مشتركة لتعزيزها وتوطيدها يوماً بعد آخر.

 

ومع العدوان الإسرائيلي – الأمريكي الغاشم على الجمهورية الإسلامية الإيرانية، شدّدت سلطنة عُمان على اتخاذ موقف واضح وحازم من قبل المجتمع الدولي لوقف النهج الخطير الذي يهدد بإقصاء الحلول الدبلوماسية وتقويض أمن واستقرار المنطقة إثر العدوان العسكري على أراضي الجمهورية الإسلامية الإيرانية واستهداف منشآت سيادية ووقوع الشهداء والجرحى من أبناء الشعب الإيراني، مؤكدة على أن هذا العمل يعدُّ تصعيدًا خطيرًا ومتهورًا ويُشكل انتهاكًا صارخًا لميثاق الأمم المتحدة ومبادئ القانون الدولي، ويمثل سلوكًا عدوانيًا مرفوضًا ومستمرًا يقوّض أسس الاستقرار في المنطقة.

 

ولم يتردد معالي السيد بدر بن حمد البوسعيدي، كما عوّدنا في تسمية الأشياء بأسمائها، حين أشار في منتدى حوار المنامة 2025 إلى أن إسرائيل، بسياساتها العدوانية، تمثل المصدر الرئيسي لغياب الأمن في المنطقة، وأن الاعتداءات المتكررة على المدنيين الإيرانيين، وقصف القنصليات، واغتيال الدبلوماسيين، إنما هي ممارسات خارجة عن القانون الدولي يجب أن تُدان بلا تردد.

 

وأشار معالي الوزير العُماني إلى أن إيران أظهرت انضباطًا وضبط نفسٍ لافتًا، ما يعزز الحاجة إلى نهجٍ دبلوماسي شامل بدلًا من سباق الانتقام.

 

ولعل من المهم التذكير هنا بأن سلطنة عُمان نفسها لم تكن بعيدة عن تأثيرات هذه السياسات العدوانية؛ فعندما استهدفت إسرائيل الجمهورية الإسلامية الإيرانية خلال فترة الحوار الدبلوماسي بين طهران وواشنطن الذي كانت تستضيفه مسقط، شعرت عُمان بعمق الضرر، إذ رأت في ذلك اعتداءً على نهجها الدبلوماسي الهادئ ومساعيها الصادقة لبناء الجسور.

 

إنّ مَن يستمع إلى خطاب عُمان، يدرك أنّ هذه الدولة الكبيرة في بصيرتها السياسية، لا تتحدّث لتكسب موقفًا آنياً، بل لتُذكّر الجميع بمسؤوليتهم التاريخية تجاه الأمن الجماعي في المنطقة. فهي لا تُناصر طرفًا ضدّ آخر، بل تنحاز إلى مبدأ الحوار، وتتمسك بقناعةٍ راسخة أن «السلام يولد من موائد التفاهم».

 

ولعلّ ما يجعل الموقف العُماني جديرًا بالإنصات هو أنه يأتي من تجربةٍ صادقة في الحياد الإيجابي، ومن تاريخٍ حافل بالوساطة والتقريب في وجهات النظر. فقد كانت مسقط، مرارًا، جسرًا تعبر فوقه الأزمات نحو التهدئة، وصوتًا عاقلًا حين يعلو الصخب، وبوصلةً تشير دائمًا إلى الاتجاه الصحيح: «الإنسان أولًا، والسلام دائمًا».

 

الصورة من الأرشیف

 

 

 

المصدر: الوفاق/ محمد جواد أرويلي