السيدة فاطمة الزهراء(س) هي سيدة نساء العالمين، وابنة النبي الأكرم(ص)، التي ارتبط إسمها بالتضحية والإيثار والوفاء. مكانتها في الوجدان الإسلامي جعلت ذكراها محطةً للتأمل في القيم الروحية والإنسانية، خاصة في أيام الفاطمية التي يحييها المسلمون حزناً على إستشهادها. وبمناسبة هذه الذكرى، يقدّم المسرح الإيراني سلسلة من الأعمال الفنية التي تستلهم من سيرتها العطرة، لتجسّد عبر المشاهد والحوارات معاني الصبر والمقاومة والإيمان، وتربط بين الماضي والحاضر في لغة الفن. في هذا التقرير نستعرض أبرز المسرحيات التي تُقام في إيران خلال أيام الفاطمية، حيث يتحول المسرح إلى منبر ثقافي وروحي يروي قصة السيدة فاطمة الزهراء(س) للأجيال.
«السرّي»
في أيام الفاطمية، عُرض المسرح الميداني «محرمانه» أي «السرّي» حول حياة وشهادة السيدة فاطمة الزهراء(س)، هذا العمل الفني جزء من سلسلة عروض طقوسية أُقيمت خلال العقدين الماضيين في أنحاء البلاد بإخراج «سعيد إسماعيلي»، شارك فيه نحو 70 ممثلاً، ويُعرض حتى يوم غداً الإثنين 24 نوفمبر في زينبية أصفهان. هذا العرض المسرحي هو نوع من التعزية المصوّرة والمرثية البصرية للأحداث التي وقعت بعد رحيل النبي(ص). وقد أقيم هذا العمل البارز في أيام الفاطمية، بالتعاون مع مجموعة من الفنانين المخضرمين في المسرح الطقوسي والثوري.
في هذا العرض، تم اختيار تسعة مشاهد من بين الكم الكبير من الروايات، بحيث تكون أكثر تأثيراً من الناحية الحسية والتاريخية، وأسهل فهماً. أُعد هذا العمل استناداً إلى وثائق تاريخية موثوقة وبعض مصادر أهل السنة، وتم تصوير الأحداث والمفاهيم بشكل موثق ومتوافق مع الروايات المعتمدة.
المخرج سعيد إسماعيلي أوضح أن العرض بُني على أسس بحثية دقيقة، مستنداً إلى مصادر موثوقة، مع الحرص على تجنّب التكرار النمطي. وقد أُختيرت مشاهد مؤثرة، تجمع بين البعد التاريخي والدرامي، لتكون أقرب إلى وجدان الجمهور.العمل تميّز بفضاء تنفيذي واسع، حيث صُمّمت المشاهد والمؤثرات لتجعل المتفرج جزءاً من الحدث، يعيش التاريخ ويتماهى مع الشخصيات. ورغم التحدي الكبير في تقديم أهل البيت(ع) على خشبة المسرح، نجح الفريق في إظهار حضورهم الروحي دون تجسيد مباشر.
«السيدة المجهولة»
في أجواء الفاطمية، استضاف مجمّع «خاوران» الثقافي في طهران عرضاً مسرحياً بعنوان «بانوي بي نشان» أي «السيدة المجهولة»، ضمن برنامج ثقافي أطلق في 13 نوفمبر تحت شعار «تعزية بلغة الفن» ويستمر حتى 24 نوفمبر. العرض، الذي تنظمه الفرق الشعبية منذ أكثر من عقد، يجمع بين المسرح والفنون البصرية لإحياء سيرة السيدة فاطمة الزهراء(س).
يركز العمل على دور الفتنة في صدر الإسلام، متناولاً أحداث رحيل النبي(ص)، وشهادة الزهراء(س)، كما يخصص مشاهد لخرائب الشام وخطب الإمام السجاد(ع) في قصر يزيد. وقد أقيمت خيمة كبيرة على مساحة 2000 متر مربع بباب خشبي وجدران طينية، لتجسّد بيت السيدة فاطمة الزهراء(س) وتمنح الجمهور تجربة بصرية مؤثرة. سيد سجاد موسوي، رئيس المجّع الثقافي، أكد أن العرض يُقام بدوافع دينية منذ سنوات طويلة، وأن إستضافة هذا العام جاءت في فضاء واسع يتيح مشاركة أكبر. فيما أوضح المنتج سعيد جعفري أن المعرض الذي يُقام على هامش عرض المسرحية، يوظف فنوناً متعددة، منها الموسيقى، المسرح الحي، وفن الظل، ليقدّم «تعزية بلغة الفن» بأسلوب مبتكر يجمع بين الطقس الديني والتجربة الفنية.
«السيدة الخالدة»
أصدرت دار «ساحل زندكي» للنشر مجموعة مسرحية بعنوان «بانوی نامیرا» أي «السيدة الخالدة»، من تأليف عليرضا غنجي وبهناز أميني، تتناول ولادة واستشهاد السيدة فاطمة الزهراء(س) وأحداث عاشوراء. تضم المجموعة عدة نصوص، وتتميز بقدرتها على التقديم المسرحي، والتلفزيوني والإذاعي.
المؤلف أوضح أن هذه هي المرة الأولى التي تُجمع فيها نصوص عن ولادة وشهادة السيدة فاطمة الزهراء(س) في عمل واحد يشمل مختلف أشكال المسرح. النصوص كُتبت بروح وفاء للتاريخ الإسلامي، مع إستخدام الخيال الفني لإبراز الأجواء، وتقديم شخصيات رمزية تخدم السرد. مسرحية «بانوی نامیرا» تروي قصة طالب العون الذي قصد النبي(ص) راجياً المساعدة، فأرسله إلى بيت الإمام علي(ع) والسيدة فاطمة الزهراء(س)، حيث أهدته عقدها الوحيد.
كما تضم المجموعة نص «نجمة في السماء» عن ميلاد السيدة فاطمة الزهراء(س)، كتبه المؤلف بعد أن لم يجد نصاً مسرحياً عن هذه المناسبة، ليكون بداية لكتابة أعمال جديدة في هذا المجال. بهذا الإصدار، يفتح المسرح الإيراني نافذة جديدة لإحياء سيرة السيدة فاطمة الزهراء(س) بلغة الفن والخيال.
في مقدمة المسرحية جاء أنها كُتبت في رثاء المرأة الصديقة الفريدة التي رحلت في ظروف بالغة الخطورة، إذ توفيت في وقت كان فيه المسلمون لا يزالون يعيشون حزن فقدان النبي(ص). وقد رحلت السيدة فاطمة الزهراء(س) في مرحلة انتقالية مضطربة لم يكن العالم الإسلامي قد اعتاد بعد على غياب النبي(ص)، ما جعل تناول هذه الحقبة عملاً فنياً خاصاً. ومع ذلك، يبقى تأثيرها العميق في المجتمع الإسلامي ثابتاً عبر العصور، فهي مثال فريد لتجلي الفضائل الإلهية في الإنسان، من إيثار ومساعدة للمحتاجين رغم حاجتها.
«جرح مدينة»
في أجواء الفاطمية، قُدّم العرض المسرحي «زخم مدینه» أي «جرح مدينة» من تأليف مهدي متوسلي وإخراج عبدالرضا كيهاني، ليجمع بين سيرة السيدة فاطمة الزهراء(س) وأحداث الدفاع المقدس. العمل يروي قصة أمٍّ استشهدت في حادثة قصف صاروخي خلال الحرب المفروضة، حيث يجد أبناؤها أنفسهم أمام تجربة روحية عميقة حين يتعرفون على شخصية السيدة فاطمة الزهراء(س)، لتنشأ مقارنة وجدانية بين أمهم الشهيدة وسيدة نساء العالمين.المسرحية لا تقتصر على سرد تاريخي، بل تمزج بين الماضي والحاضر، لتبرز كيف أن قيم التضحية والإيثار التي جسدتها السيدة فاطمة الزهراء(س) تتكرر في حياة الأمهات الشهيدات في العصر الحديث. هذا الربط بين سيرة سيدة نساء العالمين وأحداث الدفاع المقدس يمنح العمل بعداً ثقافياً وفنياً، ويجعل منه وسيلة لإحياء الذاكرة الجماعية وتعزيز الهوية الدينية والوطنية.
«زخم مدینه» يقدّم نموذجاً للمسرح الطقسي الذي يوظف الفن في خدمة القيم الروحية، حيث يضع المشاهد أمام مشاهد مؤثرة تجمع بين الحزن والبطولة، ويؤكد أن سيرة السيدة فاطمة الزهراء(س) ستظل منبعاً للإلهام في مواجهة التحديات عبر العصور.
«إمرأة هي الأم»
مسرحية «زني شبيه مادر» أي «إمرأة هي الأم» من تأليف وإخراج «وفا طرفه»، تقدّم رؤية ثقافية ودينية عن مكانة الأم المستلهمة من شخصية السيدة فاطمة الزهراء(س). العمل يروي قصص أمهات أدّين واجبهن تجاه الدين والوطن: أم قدّمت ابنها شهيداً، أخرى فقدت زوجها، وأخرى استشهدت بنفسها.
المسرحية هي ثمرة ورشة عمل استمرت ستة أشهر بمشاركة فتيات نشأن في أجواء المسجد، فجاء النص بروح نسائية ومعنوية. طرفه أوضحت أن هدفها هو تمكين النساء من ممارسة الفن في بيئة آمنة، مؤكدة أن الأم قوة خفية قادرة على إنقاذ المجتمع من الأخطار.
العرض لم يقتصر على الحزن التاريخي، بل جسّد امتداد الأمومة والمقاومة عبر التاريخ، من أم الشهيد علي هاشمي في خوزستان إلى نساء قبيلة بختياري، وصولاً إلى «قدمخير قلاوند» التي قاومت الاحتلال البريطاني في إيلام. كما استُحضرت أمهات الشهداء المعاصرين مثل أم الشهيد آرمان عليوردي وأمهات القادة إسکندري وفقهي.
المسرحية في جوهرها بيان ثقافي وديني يربط بين نساء صدر الإسلام ونساء الثورة الإسلامية، لتؤكد أن المرأة هي دائماً رمز المقاومة والصمود.