يصادف غداً الأربعاء يوم التعبئة في إيران، في يوم التعبئة، لا يُحتفى فقط بمؤسسة عسكرية شعبية ولدت من الثورة الإسلامية، بل بظاهرة اجتماعية وثقافية شكّلت جزءاً من الهوية الإيرانية الحديثة. فـ «التعبئة» الذي تأسست بأمر مفجّر الثورة الإسلامية الإمام الخميني(رض)، تجاوز دورها الدفاعي لتصبح شبكة واسعة من المبادرات الثقافية والفنية والإنسانية، ألهمت السينما والأدب، ورسخت قيم التضحية والعمل الجماعي في الذاكرة الجماعية للشعب. فبهذه المناسبة نذكر نبذة عن تاريخ تأسيسها ونشاطات هذا العام. تجدر الإشارة إلى أن التعبئة الشعبية لعبت دوراً هاماً خلال فترات الدفاع المقدس، وبعد ذلك معظم الفعّاليات الثقافية والفنية التي تمّ إنجازها تبرز هذا الدور الشعبي الفذ والذي يمكن كتابة عدّة مقالات حوله، ولكن نكتفي بذكر فيلم وكتاب كأنموذج تكريماً للشهداء التعبويين.
مؤسسة شعبية تتجاوز حدود الدفاع
تأسست منظمة «بسيج مستضعفين» أي «قوات تعبئة المستضعفين» في 5 آذر 1358 الموافق 26 نوفمبر 1979 بأمر تاريخي من الإمام الخميني(رض)، بهدف تنظيم الطاقات الشعبية للدفاع عن الثورة وخدمة المجتمع. ومنذ ذلك الحين، ومع مشاركة واسعة من مختلف فئات الشعب، أصبحت واحدة من أكبر الشبكات الشعبية في العالم. وقد لعبت دوراً بارزاً خلال الحرب المفروضة بتقديم آلاف الشهداء، إضافة إلى مساهمتها في تثبيت الأمن ومواجهة التهديدات المختلفة.
إلى جانب دورها الدفاعي، كانت التعبئة حاضرة في الكوارث الطبيعية مثل السيول والزلازل، وفي مواجهة جائحة كورونا، فضلاً عن تنفيذ آلاف المشاريع الجهادية في المناطق المحرومة، من بناء وترميم مساكن المحتاجين إلى توزيع المساعدات وتنظيم أنشطة ثقافية وتعليمية.كما تواصل التعبئة دورها في مواجهة الحرب الإعلامية والنفسية والثقافية عبر برامج التوعية الإعلامية، إنتاج المحتوى، والتفاعل في الفضاء الإفتراضي.
نشاطات أسبوع التعبئة
إنطلق يوم الخميس 20 نوفمبر الإحتفال بالذكرى السادسة والأربعين لأسبوع التعبئة الشعبية في إيران تحت شعار «التعبئة، الشعب والإقتدار الوطني». ويُعد هذا الأسبوع مناسبة لتكريم مؤسسة شعبية ثورية كانت خلال العقود الأربعة الماضية في الصفوف الأولى، من جبهات الحرب والدفاع المقدس إلى الميادين الإجتماعية والثقافية ومواجهة الحرب المركبة، مقدمةً خدماتها بلا مقابل للشعب.
وتتضمن فعاليات الأسبوع ندوات توعوية، إحياء ذكرى الشهداء، مناورات جهادية، افتتاح مشاريع عمرانية، وخدمات في المناطق المحرومة. فبهذه المناسبة نتطرق إلى بعض الأفلام السينمائية التي تناولت موضوع مشاركة قوات التعبئة في الدفاع المقدس.
التعبئة في السينما والوثائقيات
التعبئة كانت مصدر إلهام للسينما الإيرانية، حيث خصص مهرجان أفلام المقاومة الدولي أقساماً خاصة لعرض أعمال صُنّاع الأفلام التعبويين. هذه الأفلام وثّقت بطولات التعبئة في الحرب المفروضة، تضحياتهم في مواجهة الإرهاب، وأنشطتهم الجهادية والخدمية.
فيلم «آخر استطلاع»
من أبرز الأفلام التي تناولت بطولات التعبئة فيلم «آخرين شناسايي» أي «آخر استطلاع» للمخرج علي شاه حاتمي عام 1993. يروي الفيلم قصة مجموعة من المهندسين النضاليين من التعبئة الذين استشهد معظمهم تحت القصف، فيما واصل اثنان مهمتهم داخل أرض العدو، ليستولوا على جهاز اتصال يكشف خططاً عسكرية، وينقلوا المعلومات إلى القيادة الإيرانية. الفيلم لا يقتصر على تصوير المعارك، بل يبرز البعد النفسي والإنساني للمناضلين، ويُعد جزءاً من موجة أفلام التسعينيات التي سعت إلى تخليد بطولات التعبئة كرمز ثقافي واجتماعي.
كتاب «الشهيد فهميده»
في الأدب أيضاً، تناول كتاب «الشهيد فهميده؛ قصة حياة رجل صغير» سيرة الشهيد حسين فهميده، الذي أصبح رمزاً للتضحية والإيمان. الكتاب يقدم مقاطع قصصية من حياته بلغة سلسة موجهة للناشئة، ويستند إلى مصادر متعددة بينها أقوال والده وأخيه، مما أضفى صدقية ودفئاً إنسانياً على السرد.
التعبئة كظاهرة ثقافية
القادة الإيرانيون يرون في التعبئة ظاهرة استثنائية تجمع بين القوة الدفاعية والقدرة على إنتاج خطاب ثقافي وإعلامي مؤثر. لذلك، فإن الأفلام والكتب والأنشطة الثقافية المرتبطة بالتعبئة لا تقتصر على التوثيق، بل تسعى إلى بناء هوية جماعية تعكس روح التضحية والمقاومة، وتؤكد أن التعبئة هي مؤسسة ثقافية واجتماعية بقدر ما هي قوة دفاعية.