مأساة السودان.. صناعة “أمريكية صهيونية”

إن الازمة التي يشهدها السودان اليوم تتلخص بموجة اضطرابات اندلعت في 15 إبريل 2023، كان سببها انهيار النظام الانتقالي، الذي تشكل بعد سقوط نظام عمر البشير، والذي قادته القوات المسلحة السودانية و قوات الدعم السريع.

إن سبب هذا الانهيار ، هو رفض قوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي) ، البند الخاص بدمج قواته ، الدعم السريع بالجيش خلال فتره اقصاها عامين، كما جاء بالاتفاق الذي ابرم عام 2022 ، واشترط حميدتي تمديد هذه الفترة الى عشر سنوات، ووصلت المفاوضات إلى طريق مسدود وأعاد الطرفان نشر قواتهما في جميع أنحاء الخرطوم ، فاندلعت حرب اهلية شاملة منذ عام 2023 شهدت فظائع انسانية رهيبة، وصلت ذروتها عند دخول قوات الدعم السريع قبل ايام قليلة الى مدينة فاشر، عاصمة دافور، وارتكابها مجازر مروعة ضد المدنيين، الامر الذي جعل شبح تقسيم ما تبقى من السودان يلوح في الافق مرة اخرى.

 

 

بعيدا عن سردية ظواهر الامور، اغلب المراقبين للشان السوداني، يؤكدون على انه لا يمكن فهم ما يجري في السودان دون إدراك حجم التدخلات الخارجية. فثروات السودان المعدنية، وموقعه الاستراتيجي على البحر الأحمر، إضافة إلى هشاشة الدولة، جعلته ساحة مفتوحة لفاعلين إقليميين ودوليين. فهناك دولة خليجية متّهمة، وفق تقارير صحفية غربية، بدعم قوات الدعم السريع بالمال والسلاح، مستفيدة من شبكات تهريب الذهب عبر دارفور وليبيا. هذا الدعم يمنح حميدتي قدرة على الاستمرار، ويخلق واقعًا موازياً، يضعف الدولة ويقوّض وحدتها.

 

 

كما لا يخلو تحليل لما يجري في السودان من كوارث قبل وبعد انفصال الجنوب عن الشمال وحتى اندلاع الحرب الأهلية الحالية، من ذكر اسم الكيان الاسرائيلي ، بوصفه احد اهم اسباب هذه الكوارث، بعد ان باتت الساحة السودانية ميدانا لتصفية حسابات إقليمية ودولية، أبرزها تلك التي ترتبط بالمياه والنفوذ الجيوسياسي في حوض النيل. ومع استمرار تمدد قوات “الدعم السريع” ونجاحها في السيطرة على أجزاء واسعة من دارفور، ثم الفاشر، بات واضحًا أن هذه القوة لا تتحرك بمعزل عن دعم خارجي كثيف، وأن لإسرائيل يدا خفية في تغذية هذا المسار، بما يخدم استراتيجيتها التاريخية الرامية إلى خنق مصر مائيا والسيطرة على مفاتيح نهر النيل.

 

 

السيطرة على مصادر المياه في المنطقة كانت – ولا تزال – ركيزة أساسية في العقيدة الاستراتيجية الإسرائيلية منذ تأسيس الدولة العبرية. فمنذ خمسينيات القرن الماضي، وضعت تل أبيب ما أسمته “خطة السيطرة المائية الإقليمية”، التي سعت من خلالها للتحكم بمياه الأردن واليرموك في فلسطين وسوريا ولبنان، والتوسع لاحقًا نحو التفكير في مياه النيل. ووثّقت مصادر متعددة، من بينها وثائق صادرة عن وزارة الخارجية الإسرائيلية وأبحاث لمعهد التخطيط القومي في تل أبيب، طموحات إسرائيل في تحويل جزء من مياه النيل إلى صحراء النقب عبر سيناء.

 

 

يرى احد الكتاب في الشان السوداني، ان النص الحاكم للسياسة الإسرائيلية تجاه السودان، فيتلخص في التصريح الشهير لديفيد بن غوريون الذي يقول فيه: “نحن شعب صغير وإمكاناتنا محدودة، ولا بد من اختزال هذه المحدودية في مواجهة أعدائنا من الدول العربية من خلال تشخيص ومعرفة نقاط الضعف لديها، وخاصة العلاقات القائمة بين الجماعات والأقليات الإثنية والطائفية، حتى نضخّم هذه النقاط إلى درجة التحول إلى معضلة يصعب حلها أو احتواؤها”.

 

 

يؤسس هذا “النص الحاكم” للنهج الإسرائيلي في التعامل مع الدول العربية، حيث صاغت من خلاله الدولة العبرية نظرية “شد الأطراف” للدول العربية أو “بترها” إذا لزم الأمر، كما حدث في جنوب السودان.

 

 

تلك النظرية تقوم على إحداث القلاقل في أطراف البلدان العربية، إما استثمارا للخلافات العرقية، أو تحريكا للنزاعات الحدودية، وهو ما يحقق الهدف المركزي بإشغال هذه الدول بأنفسها حتى لا تكون جيوشها عامل دعم لدول المقاومة التي تقاتل إسرائيل.

 

 

منذ التسعينيات القرن الماضي ، كثّفت إسرائيل نشاطها في أوغندا وكينيا وإثيوبيا وإريتريا، تحت غطاء “المساعدات التقنية والزراعية”، لكنها في الواقع كانت تُنشئ شبكة نفوذ استخبارية واقتصادية عميقة. وبحسب تقارير استخبارية غربية وإفريقية، فإن خبراء ومهندسين إسرائيليين شاركوا في تقديم الدعم الفني لبناء سد النهضة في إثيوبيا، وهو ما اعتبرته القاهرة تهديدًا مباشرًا لأمنها المائي. ولم يكن ذلك سوى خطوة من خطة أوسع تهدف إلى نقل الصراع المائي من المنابع إلى قلب القارة، عبر السودان، الذي يمثل الممر الرئيسي للنيل نحو مصر.

 

 

في مثل هذه الظروف الصعبة التي يمر بها السودان، قلما يتحدث المراقبون عن سيناريو متفائل، فالجميع يرسم سيناريوهات متشائمة، لهذا البلد العربي الاسلامي الكبير، منها انه على المدى المنظور سيظهر كيان غرب السودان تحت هيمنة قوات الدعم السريع. لا يحتاج هذا الكيان إلى إعلان رسمي أو اعتراف دولي كي يعمل؛ يكفيه الأمر الواقع الذي يضمن السيطرة على الأرض، والسكان، ومصادر التمويل، وعندها سيتم تقسيم ما هو مقسم في السودان، والسبب الرئيسي وراء كل هذه الماساة، هو الدور الاسرائيلي المخرب ، والمدعوم امريكيا اولا، و تورط بعض الاشقاء في هذا الدور ثانيا، وعدم مبالاة ضعف اشقاء اخرين ثالثا.

 

 

 

المصدر: العالم