توقيع مذكرة تفاهم بين المعاونية العلمية لرئاسة الجمهورية والمنظمة الوطنية للمعايير

تشكيل شبكة من المختبرات المتخصصة.. مفتاح نجاح تقنية الكمّ في إيران

الوفاق/ تقف تقنية الكمّ على أعتاب أن تصبح المحور الأساسي للتحول العلمي في إيران، غير أن الوصول إليها لا يتحقق بالبحوث النظرية وحدها، وإن إنشاء شبكة من المختبرات المتخصصة هو ما يؤسس للتحقق من صحة النتائج والثقة بها في هذا العلم الناشئ.

ويرى خبراء العلم والتقنية، أن دخول إيران مجال الكمّ لن يأخذ معناه الحقيقي إلا بتوفر بنى تحتية مختبرية موثوقة. فكما مهّد تشكيل شبكة المختبرات المتخصصة في الجامعات والمراكز البحثية منذ عام 2003 الطريق أمام النمو المستدام لتقنية النانو ونجاح هيئة تطويرها، ينبغي تكرار التجربة نفسها مع التقنيات الناشئة اليوم.

 

واليوم، في عام 2025، تبدو هذه الضرورة أكثر إلحاحاً من أي وقت مضى؛ ذلك أن الكم لم يعد مفهوماً علمياً مجرداً، بل يتحول بسرعة إلى المنصة الرئيسية للحوسبة والمواصلات وأجهزة الاستشعار من الجيل القادم. وعليه، أُعلن أن إنشاء مختبرات متخصصة لتقييم المنتجات الكمومية والتحقق من صحتها ووضع معاييرها يشكل إحدى المهام الأساسية للمعاونية العلمية في رئاسة الجمهورية.

 

* ضرورة التعاون الوطني لتشكيل المختبرات الكمومية

 

إن إنشاء البنى التحتية الكمومية يتطلب تعاون جميع أجهزة الدولة؛ من الجامعات والمعاهد البحثية وصولاً إلى المنظمة الوطنية للمعايير والجهات الصناعية. فمن دون تنسيق شامل، سيبقى كل مركز علمي يتحرك في جزيرة منعزلة، ولن يكون بالإمكان توقع تطور منسجم.

 

وفي هذا السياق، تم يوم الأحد الماضي توقيع مذكرة تفاهم بين معاونية العلوم والتقنية واقتصاد المعرفة في رئاسة الجمهورية والمنظمة الوطنية للمعايير؛ وهي مذكرة تُوصف بأنها نقطة انطلاق تعاون هيكلي في مجال توحيد المعايير وإنشاء مختبرات التقنيات الناشئة.

 

* المعيار.. عمود الثقة في التقنيات الناشئة

 

في هذا اللقاء، وصف حسين أفشين، نائب رئيس الجمهورية للشؤون العلمية والتقنية والاقتصاد القائم على المعرفة، المعيار بأنه «عمود الفقرات لقابلية التطوير والثقة في المنتجات القائمة على المعرفة في البلاد»، وأكد قائلاً: نستطيع بالعلم أن نبني؛ لكننا لا نستطيع أن نكسب الثقة؛ أما بالمعيار فيمكننا أن نحصل على تلك الثقة.

 

وشبّه أفشين المنتجات القائمة على المعرفة التي تخلو من المعيار بـ«جسر بلا أعمدة»، وأضاف: إن امتلاك مختبرات ملائمة لقياس المنتجات يشكل عاملاً حيوياً في مسار توحيد المعايير. كما أعلن أفشين استعداد المعاونية العلمية والتقنية لتعزيز البنى التحتية المختبرية، وكشف عن تصميم دعم موجه للمختبرات الداعمة، من بينها تقديم تسهيلات مالية مباشرة، وتمكين الشركات القائمة على المعرفة من الاستفادة من منح المعاونية العلمية لتسوية تكاليف الاختبارات مع المنظمة الوطنية للمعايير.

 

وفي سياق متصل للجلسة، أكدت فرزانة أنصاري، رئيسة المنظمة الوطنية للمعايير، على أهمية التعاون الواسع، وقالت: إن الأنشطة الابتكارية لا يمكن أن تتم من دون معايير ملائمة؛ فالعلم وتوحيد المعايير مكوّنان متكاملان لبعضهما.

 

وأوضحت: أن مذكرة التفاهم الأخيرة تهدف إلى جانبين أساسيين: أولهما رفع القدرة التنافسية للسلع القائمة على المعرفة في السوق المحلية والخارجية، وثانيهما حل مشكلات التصدير إلى الدول المجاورة من خلال توحيد المعايير. وأضافت: مع التحول العالمي الناتج عن تقنيات مثل «بلوك تشين» والذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء، لم يعد بالإمكان إدارة المنظمات بالأساليب التقليدية. وتابعت: نحن في برامجنا التحولية نسير نحو التقنيات الناشئة، ومعرفة معاونية العلوم والتقنية تلعب دوراً محورياً في هذا المسار.

 

وأكد حسين أفشين، أنه في التقنيات الناشئة يجب أن يكون نموذج سياستنا هو النموذج الناجح لهيئة النانو نفسه؛ أي أن نعمل بشكل مركزي؛ ولكن نترك المجال مفتوحاً للجميع كي يدخلوا الساحة. وأوضح قائلاً: إن هيئة النانو لم تدخل السوق بنفسها يوماً، بل أنشأت بنية تحتية للاختبار والتحقق من الصحة حتى تتمكن الشركات القائمة على المعرفة من طرح منتجاتها معتمدة على مختبرات موثوقة. لو لم تُجرَ تلك التقييمات الدقيقة في بداية مسيرة النانو، لكانت البلاد تواجه اليوم كمّاً هائلاً من المنتجات غير الحقيقية.

وبحسب هذا الرؤية، فإن تكرار النموذج ذاته في مجال الكم سيكون مفتاح النجاح المستقبلي. وأكد أفشين أنه إذا لم تُنشأ بنية تحتية للتحقق من صحة المنتجات الكمومية، فلن تنجح هيئة الكم أيضاً.

 

* الكمّ يحتاج إلى دعم وطني ومختبرات ومعايير

 

وفقاً لهذا النهج، «وصلت تقنية الكم إلى مرحلة لم يعد التطوير الحقيقي فيها ممكناً من دون إنشاء مختبرات متخصصة ومنظومة وطنية لتوحيد المعايير». وأظهرت التجربة الناجحة لهيئة النانو أن المختبرات ليست مجرد أدوات بحثية، بل هي أساس الثقة العامة والنمو الصناعي معاً.

 

والآن، وبعد توقيع مذكرة تفاهم مشتركة بين المعاونية العلمية والتقنية والمنظمة الوطنية للمعايير، أُنجزت الخطوة الأولى نحو تحقيق هذا الهدف، حيث يبدو أن مستقبل التقنيات الناشئة في إيران مرتبط ارتباطاً وثيقاً بالنهج الذي تتبعه المعاونية العلمية، وهو: سياسة مركزية، بناء بنى تحتية مختبرية قوية، وفتح المجال أمام جميع الفاعلين في البلاد للعمل والإبداع.

 

المصدر: الوفاق