تنطلق في مدينة شيراز اليوم الأربعاء 26 نوفمبر فعاليات الدورة الثالثة والأربعين لمهرجان فجر السينمائي الدولي، في حدث تاريخي يُنقل لأول مرة من العاصمة طهران إلى هذه المدينة الثقافية. ويأتي هذا التحول بعد توقيع مذكرة تفاهم بين وزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي ومحافظة فارس، تقرر بموجبها نقل الأمانة الدائمة للمهرجان إلى شيراز، ما يمثل نقطة تحول في جغرافيا السينما الإيرانية ويُنهي نزوح الفنانين نحو العاصمة.
المهرجان، الذي يستمر حتى الأربعاء القادم 3 ديسمبر وأمينه «روح الله حسيني»، يستضيف نحو 200 ضيف أجنبي من مخرجين ومنتجين ولجنة تحكيم دولية، ويعرض 45 فيلماً من 30 دولة من أصل 896 عملاً مسجلاً، من بين هذه الأفلام، هناك 10 أعمال من السينما الإيرانية أو إنتاجات مشتركة بين إيران ودول أخرى، ويُتوقع أن يسهم هذا الحدث في تعزيز مكانة شيراز كعاصمة ثقافية، ويمنح السينمائيين المحليين فرصة للظهور دون الحاجة إلى الهجرة.
السينما لغة عالمية تتجاوز الحدود
أكد وزير الثقافة والإرشاد الإسلامي، سيد عباس صالحي، في رسالة بمناسبة انعقاد الدورة الثالثة والأربعين لمهرجان فجر السينمائي الدولي، على أن السينما لغة عالمية تتجاوز الحدود وتجمع التجارب الإنسانية في حوار بصري مشترك. وأوضح أن المهرجان يسعى لخلق فضاء يلتقي فيه صناع الأفلام من مختلف أنحاء العالم، بما يتيح فهماً أعمق للعالم المعاصر.
وأشار صالحي إلى أن السينما الإيرانية منذ بداياتها قامت على الأخلاق والكرامة الإنسانية والشاعرية، وهو نهج ما زال يلهم المخرجين الشباب. كما أكد على أن المهرجان يركّز على الأعمال التي تحتفي بالصدق والإنسانية إلى جانب الإبتكار الفني.
ورغم الضغوط الدولية على الفعاليات الثقافية الإيرانية، أكد الوزير على أن الحوار هو السبيل لتعزيز الثقافة، وأن استمرار حضور الفنانين الدوليين دليل على نجاح هذا المسار.
بداية اللامركزية السينمائية
ينطلق المهرجان في شيراز، في خطوة تاريخية تعكس توجه وزارة الثقافة نحو اللامركزية عن العاصمة طهران، ويفتتح المهرجان بفيلم «تحت أشجار الزيتون» السينمائي للمخرج الإيراني البارز الراحل عباس كيارستمي.
اختيار شيراز جاء نتيجة عوامل متعددة، أبرزها مكانتها التاريخية كقطب ثقافي، شهرتها العالمية، توفر بنية تحتية سينمائية متطورة مثل مجمّع «هنر شهر آفتاب»، إضافة إلى جمهورها المتحمس للفنون. وزير الثقافة أكد أن شيراز، موطن سعدي وحافظ، تمنح فرصة لإعادة تعريف العلاقة بين الشعر والسينما.
سينما الشعر
يسعى المهرجان إلى ترسيخ مكانة شيراز، مسقط رأس الشاعرين حافظ وسعدي الشيرازي، بصفتها العاصمة العالمية لسينما الشعر، والموضوع المحوري لهذه الدورة هو «سينما الشعر»، حيث يرى المنظمون أن شيراز الأنسب لإستضافة هذا التوجه الفني، وأنه يمثل ميزة تنافسية لإيران عالمياً.
وقال حسيني: إن هذا الحدث سيتجاوز مجرد كونه تجمعاً سينمائياً ليجسد روحاً شعرية ويحتفل بالحوار العميق بين السينما والشعر.
مشاركة دولية واسعة
المهرجان يضم عدة أقسام منها المسابقة الدولية بمشاركة 16 فيلماً من 21 دولة، قسم «جلوهكاه شرق» أي «تجليات الشرق» بـ12 فيلماً، قسم «جشمانداز» أي «الآفاق المستقبلية» للأفلام الأولى والثانية، وقسم «زیتون شكسته» أي «الزيتون المكسور» المخصص لغزة وقضايا المقاومة والسلام، إضافة إلى «جشنواره جشنوارهها» أي «مهرجان المهرجانات» الذي يعرض أعمالاً بارزة من مهرجانات عالمية.
إلى جانب البعد الفني، يُتوقع أن يسهم المهرجان في تعزيز السياحة، حيث تستضيف شيراز 200 ضيف أجنبي من سينمائيين ومسؤولين ثقافيين، ما يجعلهم سفراء ثقافة لإيران في بلدانهم. ويرى الخبراء، أن نجاح المهرجان قد يفتح الطريق أمام تحويل شيراز إلى علامة سينمائية عالمية، على غرار مدينة «كان» الفرنسية.
شيراز تتحول إلى «هوليوود الشرق»
المخرج مسعود أحمدي وصف الخطوة بأنها «أفضل خبر للسينمائيين في محافظة فارس»، مشيراً إلى أن شيراز تتمتع بسمعة دولية جيدة وتاريخ ثقافي وسياسي يمنحها مكانة خاصة. فيما اعتبر المخرج محمدباقر خدادوست المهرجان «محركاً لإقتصاد السينما في محافظة فارس»، مؤكداً أنه سيسهم في تنشيط السوق السينمائية وخلق فرص عمل جديدة.
كما يرى فنانون أن المهرجان سيعزز البنية التحتية السينمائية، ويعيد الفنانين الغائبين إلى الساحة، ويمنح الشباب فرصة الاطلاع على أحدث الأعمال العالمية. ويُطرح أيضاً أن شيراز قد تتحول إلى «هوليوود الشرق» بفضل جمالها الطبيعي والتاريخي الذي يجذب المنتجين العالميين.
إلى جانب ذلك، أكد خبراء على ضرورة أن تكون جميع مراحل المهرجان من تحكيم ومراجعة في شيراز لضمان العدالة الثقافية واللامركزية. ويؤكد فنانون أن هذه الخطوة ستفتح نافذة جديدة أمام السينما الإيرانية، وتضع شيراز في قلب المشهد السينمائي الدولي. هذا الإنجاز الكبير أصبح اليوم حقيقة لا يمكن إنكارها، ويفتح نافذة جديدة أمام ثقافة وسينما إيران والعالم.
*أهمية عضوية المهرجان في «فیابف»
أكد محمدمهدي عسكربور، رئيس هيئة رئاسة بيت السينما، أن عضوية مهرجان فجر السينمائي الدولي في اتحاد المنتجين العالميين «فیابف» تمثل إنجازاً بارزاً للسينما الإيرانية، إذ وضعت اسم إيران إلى جانب المهرجانات الكبرى مثل برلين وكان وفينيسيا. وأوضح أن هذه العضوية، المستمرة منذ عام 2008 م، منحت إيران مقعد نائب الرئيس لآسيا في ثماني دورات متتالية، وأسهمت في تثبيت المهرجان ضمن قائمة المهرجانات التنافسية الدولية غير الموضوعية.
وأشار عسكربور إلى أن أهمية هذه العضوية لا تُقاس بالعائد الفوري، بل بترسيخ حضور السينما الإيرانية في المحافل العالمية، رغم التحديات السياسية والإدارية التي واجهت المهرجان، خاصة بعد دمج المهرجانين الوطني والدولي. وأكد أن الحفاظ على هذا الموقع يتطلب إدارة واعية وتنسيق دائم مع فیابف، حيث تُعد المدينة المضيفة عنصراً أساسياً في هوية أي مهرجان عالمي.
ويرى عسكربور أن مجرد استمرار تسجيل مهرجان فجر في فیابف يُعد مكسباً ثقافياً مهماً، يعزز مكانة السينما الإيرانية ويفتح أمامها آفاقاً أوسع للتعاون الدولي.
«آلفرد يعقوب زاده» ضيف خاص
يستضيف المهرجان، المصوّر الإيراني العالمي آلفرد یعقوبزاده كضيف خاص وعضو لجنة تحكيم قسم الصور والفيديو. يُعرف یعقوبزاده كأحد أبرز مصوري الحروب في العالم، وقد وثّق بعدسته أحداثاً كبرى مثل الحرب الثماني سنوات المفروضة، أزمات لبنان وفلسطين، وأفغانستان والشيشان، ونال جائزة World Press Photo. خلال المهرجان، يُقام معرض لأعماله يضم 47 صورة من حروب مختلفة، إضافة إلى ورشة تدريبية لعشاق التصوير.
منافسة 14 فيلماً في قسم المسابقة الدولية
أعلنت إدارة مهرجان فجر السينمائي الدولي، عن جدول عروض قسم المسابقة الدولية الذي يشهد منافسة 14 فيلماً من إيران ودول مختلفة. وتتنوع قائمة الأفلام، منها: «او نميخوابد» أي «هو لا ينام» للمخرج رضا جمالي، «آفرینش یك انسان» أي «خلق إنسان» لمراد تشري، «وقتي دوباره شكوفه ميزنیم» أي «حين نزهر من جديد» لشين كيونغسو، «كاتانه» ليوانا ميشي، «زماني در ابدیت» أي «زمن في الأبدية» لمهدي نوروزيان، «به من نكاه كن» أي «أُنظر إليّ» لوالديمير غراماتيكوف، و«بُل» أي «الجسر» لمحمد عسكري، إلى جانب أعمال عالمية من اليابان، كوريا الجنوبية، المجر، إيطاليا، فرنسا، اليونان وغيرها.
شيراز نافذة جديدة أمام السينما الإيرانية والعالمية
بهذا الإنجاز، تفتح شيراز نافذة جديدة أمام السينما الإيرانية والعالمية، وتؤكد مكانتها كعاصمة ثقافية وسينمائية. كما تعكس هذه المشاركة الواسعة حضوراً متنوعاً للسينما المعاصرة، حيث يلتقي المخرجون الإيرانيون بنظرائهم الأجانب في منافسة فنية جادة، تقدم للجمهور صورة بانورامية عن الاتجاهات الجديدة في السينما العالمية.
ويؤكد المنظمون أن هذا القسم يُعد من أبرز محاور المهرجان، إذ يمنح فرصة للتفاعل الثقافي والفني بين مختلف المدارس السينمائية، ويعزز مكانة شيراز كمركز ثقافي وسينمائي عالمي.
بهذا، يرسخ مهرجان فجر السينمائي الدولي موقعه كمنصة للتبادل الفني، ويمنح السينما الإيرانية حضوراً أوسع في المشهد الدولي.