الجُبْن صفة توجد عند الإنسان عندما يزداد الخوف وقلق النفس الذي يتجاوز فعل أو قول ما هو حق وخير وهو عكس الشجاعة، وتشير صفة الجبن إلى فشل الشخصية في مواجهة التحديات، ويُعرَف أن الإنسان تكون لديه أهداف في حياته يطمح تحقيقها أو الوصول إليها، بمعنى هنالك طريق يذهب به نحو أهدافه الخلّاقة.
هذا الطريق ليس سهلا، وليس مفروشا بالورود إذا كان الهدف كبير وصعب المنال، فكلما صعبت الأهداف زادت صعوبة ومشقّة الطرق التي تقود الإنسان إليها، وهذه الصعوبات قد تنطوي على مخاطر كبيرة تصل إلى درجة الموت، مثال ذلك هنالك مناضلون وقفوا ضد الطغاة لأنهم يؤمنون بهذا الهدف، ومنهم من فقد حياته بالإعدام أو المطاردة والقتل من قبل أجهزة نظم الحكم المستبدة، والتاريخ مليء بمثل هذه الأحداث والقضايا.
كذلك نحن نعلم أن الأهداف الصعبة متعددة وكثيرة ولا تنحصر في مواجهة الاستبداد فقط، بل حتى الأهداف المشروعة لتجعل الإنسان ناجحا تكون فيها تحديات هائلة، فالخوف غالبا ما يكون حاضرا في هذه الطرق الصعبة والشاقة، هناك من يتحداها ويمضي قُدما نحو أهدافه كونه إنسانا شجاعا وذا موقف صلب وثابت، وهنالك من هو عكس ذلك يصيبه الجُبن ويشل حركته ويجعله إنسانا مترددا ضعيفا وخوّافا.
وإذا كان الطريق صعبا، وفيه مخاطر حقيقية، فإن هناك من يصيبه الخوف بدرجات مختلفة، قد تصل إلى درجة الفزع والهلع والشعور بالرعب، وهذا سيؤدي ببعض الناس إلى التراجع بسبب الخوف، وترك الطريق كليا، والتوقف، والسكون بسبب الجبن الذي يصيب الإنسان فيغدو بلا قيمة تُذكر، لأنه سيفقد القدرة على التحدي بسبب الخوف.
أسباب الإحجام عن بلوغ الأهداف
مخاوف وأخطار الطريق التي تقود الإنسان إلى أهدافه، تجعله يُحجم عن هذا الهدف، ويترك هذا الطريق ويتوقف تماما، فيكون عبئا على عائلته ومجتمعه بل وحتى على نفسه، فالإنسان عادة يرغب بأن يكون له دور في حياته، ويكون إنسانا مهمًّا وفاعلا في محيطه المجتمعي، لكن قد يسلب الجبن منه هذا الدور، عندئذ تقترب قيمته من الصفر ويكون كائن بلا إرادة.
ومن المشاكل الكبيرة التي يتسبب بها الجُبن، إعاقة التكامل الإنساني، وهذا يؤدي بالنتيجة إلى مشكلات بنيوية تهدد المجتمع ككل، ولا تنحصر الأضرار بالفرد وحده، حيث يتأثر الآخرون بالمواقف ويستجيبون للمخاوف، وقد تغدو قضية الخوف حالة جماعية ويتصاعد الجُبن جماعيا، فينتشر بين أعداد من البشر يصابون بالخوف والسلبية القاتمة.
يحدث هذا أثناء الحروب، فيما يسمى بالحرب النفسية التي يخوضها المتحاربون ضد بعضهم، وقد أثبت نتائج الصراعات بين الدول، ان الحرب النفسية تشكل سلاحا فعالا في الصراعات، وبمجرد أن تتزعزع ثقة الإنسان بنفسه، وتتدهور وتضعف إرادته، سيكون أقرب إلى الجماد بلا إرادة ولا ثقة ولا إيمان، لهذا وُصِف الخوف بأنه نقص خطير في شخصية الإنسان وعليه أن يتلافى هذا النقص من خلال طرد الخوف تماما.
وهنالك كمالات يتحلى بها الإنسان تكوينيا وأخرى يحصل عليها بالتمرين والاكتساب، لكن الخوف يعد من أخطر الأسباب التي تدمر كمالات الإنسان، وعلى العكس من ذلك تساعد الشجاعة صاحبها على الكمالات وتجعله شخصية نموذجية، فيكون ذا مواقف ثابتة وصاحب إيمان لا يتزعزع، لذلك يجب أن يتخلص الإنسان من الخوف لأنه سوف يخسر حياته ومكانته عندما يتردد ويتوقف عن اتخاذ أي قرار، ويخشى التكلم، ويُصاب بالتردد بل سوف يخاف حتى من السير بمفرده في الظلام.
أهل البيت دروس في مواجهة الجُبن
وسوف يخشى الأصوات، ويرى في الحقائق خطرا يهدد حياته، فأية حياة هذه التي يكون فيها الإنسان عاجزا عن اتخاذ القرارات التي تجعل حياته أفضل، وأية حياة تلك التي يخاف فيها الإنسان من الحقائق التي تحيط به، إنها عبارة عن غابة من الهلع، فتتحول دنياه كلها إلى مشكلة وخطر داهم يهيمن عليه في كل لحظة من لحظات عمره، لأن حياته كلها سوف يصبغها لون الخوف، ويتحول من إنسان شجاع ومقدام إلى إنسان يخشى ظلّه.
من المشاكل الخطيرة التي يتسبب بها الجُبن أيضا، أنه يسد طرق الخير أمام الإنسان ويجعله خائفا مترددا، ويحيد ويبتعد عن الحق وتكون مواقفه باطلة، كأن يصمت على المسؤول المستبد أو الظالم، فلا يتصدى لمن يتجاوز على حقوقه بسبب الخوف، ولا يواجه من يريد أن يذلّه ويجعل منه إنسانا هامشيا في الحياة.
أمثال هؤلاء البشر يخافون الانتصار للحق لأن طريقه يتطلب التضحية والإقدام والشجاعة، والإنسان الجبان بفضّل خذلان طريق الحق، ويصطف مع الباطل لأنه يخشى التحدي والمواجهة بسبب المخاطر التي يتعرض لها، لهذا فهو مع الظلم حتى لو كان عليه أو على عائلته وأهله ومجتمعه، فالمهم عنده أن يكون سالما حتى لو أمضى حياته كلها في حاضنة الخوف.
ولذلك هنالك بون شاسع بين الإنسان الشجاع المقدام، وبين ذلك الإنسان الذي يعيش في حالة شلل مزمن للإرادة، ويفتقد لمنطق الثبات والإيمان بأن العيش مع الظلم والظالمين يجعل من حياة الإنسان بلا طعم ولا لون ولا رائحة، حياة بائسة خانعة تابعة بلا موقف ولا ثبات.
فهل يستطيع الإنسان العيش بلا خوف، وهل يمكن أن يكون شجاعا في مواجهة الظلم والفساد والاستبداد، نعم بالإمكان أن يكون شجاعا، وهذا تاريخ أهل البيت عليهم السلام حافل بمواجهة الظالمين، كما في موقف الإمام الحسين عليه السلام الذي انتصر على جحافل الظلم والباطل بقوة الإيمان والإرادة والشجاعة التي خلّدت الإمام الحسين وأمير المؤمنين وكل أهل البيت عليهم السلام، لأنهم قدوة لنا في القضاء على الجُبن بشكل تام.