على أعتاب إقامة أول عرض رسمي لها

الأوركسترا الإيرانية للآلات الموسيقية.. إحياء للهوية الموسيقية الوطنية

تأسيس الأوركسترا الإيرانية للآلات الموسيقية يفتح الباب أمام حوار ثقافي عالمي، إذ يمكن للأوركسترا أن تكون واجهة حضارية تعرّف العالم بالموسيقى الإيرانية.

تشهد الساحة الثقافية الإيرانية حدثاً نوعياً مع تأسيس الأوركسترا الإيرانية للآلات الموسيقية التابع لمؤسسة رودكي، والذي تستعد لتقديم أول عرض رسمي لها بعنوان «راهي بزن..»، تكريماً للموسيقار الكبير وعازف السنطور البارز «فرامرز بايور». هذا المشروع لا يُعد مجرد حفل موسيقي، بل يمثل خطوة استراتيجية لإعادة الإعتبار للموسيقى الإيرانية الأصيلة، وإيجاد منصة جماعية تحتضن المواهب الشابة وتعيد رسم ملامح الهوية الموسيقية الوطنية في مواجهة تحديات العصر.

بمناسبة اقتراب إقامة أول عرض رسمي لـ «الأوركسترا الإيرانية للآلات الموسيقية» في قاعة وحدت مساء الثلاثاء 9 ديسمبر»، نسلط الضوء في هذا التقرير على أهمية هذا المشروع الثقافي، الذي يُعد حدثاً بارزاً في المشهد الفني الإيراني، ويعكس وعياً متزايداً بأهمية الموسيقى كجزء من الهوية الوطنية.

 

خلفية تأسيس الأوركسترا

منذ عقود، كانت هناك محاولات متكررة لتشكيل أوركسترا تعتمد حصراً على الآلات الإيرانية، لكنها لم تكتمل لأسباب مختلفة. اليوم، ومع إصرار مؤسسة رودكي، تحقق هذا الحلم عبر دعوة عازفي القانون، التار، السنطور، الكمانجه، العود، التنبك (الدف)، والناي، للمشاركة في اختبارات دقيقة أُجريت بحضور مجلس فني متخصص. وقد تم اختيار مجموعة من الشباب والناشئين، جميعهم من خريجي الموسيقى، ليشكلوا نواة هذه الأوركسترا الجديدة.

القيادة في العرض الأول ستكون بيد «علي بهرامي‌فرد»، فيما يشارك «مجتبی عسكري» كمنشد ضيف، ليقدّما معاً أمسية موسيقية تستعيد تراث «فرامرز بايور»، الأب الروحي للعزف الجماعي في الموسيقى الإيرانية.

 

أهداف المشروع الثقافي

– إحياء التراث الموسيقي الإيراني: عبر تقديم أعمال رفيعة المستوى من روائع «بايور» وغيره من كبار الموسيقيين.

-تعزيز الهوية الوطنية: من خلال الاعتماد على الآلات الإيرانية فقط، دون إدخال آلات غربية.

-إحتضان المواهب الشابة: إذ تضم الأوركسترا مجموعة من العازفين الشباب الذين يمثلون الجيل الجديد للموسيقى الإيرانية.

-التوجه نحو العالمية: عبر تقديم عروض جماعية تضاهي الأوركسترات العالمية، ولكن بخصوصية محلية تعكس عمق الثقافة الإيرانية.

 

تصريحات الفنانين المشاركين

من جهته أكد «مجتبی عسكري» على أن الموسيقى الإيرانية بحاجة إلى أوركسترا تضم آلات محلية فقط، بعيداً عن المزج مع الآلات الغربية، وركّز «علي بهرامي‌فرد» على وجود أوركسترا للآلات الإيرانية أكثر ضرورة ملحة، موضحاً أن الدول ذات التراث الموسيقي الغني تمتلك تشكيلات أوركسترالية من آلاتها الخاصة. كما أشار إلى أن اختيار أعمال فرامرز بايور كافتتاحية يعكس مكانته كأب للعزف الجماعي في الموسيقى الإيرانية.

 

نبذة عن الآلات الموسيقية الإيرانية

الموسيقى الإيرانية تتميز بتنوع آلاتها التي تعكس عمق الحضارة والهوية الثقافية:

– السنطور: آلة وترية تُعزف بالمطارق الخشبية، وتُعد من أبرز الآلات في الموسيقى التقليدية.

-التار: آلة وترية ذات صوت قوي، تُستخدم في عزف المقامات الإيرانية.

-القانون: آلة وترية تُعزف بالأصابع أو الريشة، وتتميز بقدرتها على إنتاج أصوات متعددة الطبقات.

-الكمانجة: آلة وترية تُعزف بالقوس، وتُعتبر من أقدم الآلات الإيرانية.

-العود: آلة وترية شائعة في الموسيقى الشرقية، لها حضور بارز في التقاليد الإيرانية.

-التنبك (الدف): آلة إيقاعية أساسية تضبط الإيقاع في العزف الجماعي.

-الناي: آلة نفخ خشبية تُعبر عن الروحانية والعمق في الموسيقى الإيرانية.

هذه الآلات، مجتمعة، تشكل هوية موسيقية متفردة، وتمنح الأوركسترا الجديدة طابعاً أصيلاً يميزه عن أي تشكيل موسيقي آخر.

 

تعزيز الانتماء الوطني

تأسيس الأوركسترا الإيرانية للآلات الموسيقية يعكس وعياً متزايداً بأهمية الموسيقى كجزء من الهوية الوطنية. فالموسيقى ليست مجرد فن للترفيه، بل هي لغة ثقافية تحمل ذاكرة الشعوب وتعبر عن وجدانها. وفي حالة إيران، فإن الموسيقى التقليدية تمثل رابطاً بين الماضي والحاضر، وتُعد وسيلة لتعزيز الانتماء الوطني في مواجهة العولمة الثقافية.

كما أن هذا المشروع يفتح الباب أمام حوار ثقافي عالمي، إذ يمكن للأوركسترا أن تكون واجهة حضارية تعرّف العالم بالموسيقى الإيرانية، تماماً كما تفعل الأوركسترات الوطنية في دول أخرى ذات تراث موسيقي غني.

 

إحياء التراث الموسيقي الوطني

إن تأسيس الأوركسترا الإيرانية للآلات الموسيقية خطوة استراتيجية لإحياء التراث الموسيقي الوطني وتعزيز الهوية الثقافية. ومع اقتراب إقامة أول عرض رسمي في قاعة وحدت، يتجلى هذا المشروع كمنصة جماعية تحتضن المواهب الشابة وتعيد للموسيقى الإيرانية مكانتها محلياً ودولياً، فإن الدعم المؤسسي المستمر يمكن أن يحول هذه الأوركسترا إلى واجهة حضارية تعكس عمق الثقافة الإيرانية وتقدمها للعالم.

المصدر: الوفاق