إيران مركز ثقل التحالف التجاري بين روسيا والهند

أحدثت الهند وروسيا نقلة جديدة في تعاونهما الاقتصادي من خلال توقيع خريطة طريق 2030؛ مسارٌ يركز ثقله على تطوير ممر النقل الدولي الشمال - الجنوب؛ وهو شريان حيوي يمكنه، عبر المرور بإيران، إعادة هيكلة البنية التجارية الأوراسية وتقليل اعتماد موسكو على الطرق الأوروبية.

خريطة طريق الرؤية 2030 التي وُقعت مؤخراً بين الهند وروسيا، لا تعبّر فقط عن تعميق العلاقات السياسية بين البلدين، بل تخلق توجهات جديدة في التجارة الإقليمية والمسارات اللوجستية في أوراسيا.

 

في ظل ظروف تسعى فيها القوى الغربية باستخدام أدوات التعريفات الجمركية والعقوبات والقيود المالية إلى الضغط على موسكو، أصبح تطوير ممر الشمال – الجنوب (INSTC) أحد المحاور الرئيسية للتعاون بين البلدين؛ وهو مسار لا يمكن إنكار دور إيران فيه.

 

تم الانتهاء من هذا الاتفاق خلال زيارة ناريندرا مودي وفلاديمير بوتين في نيودلهي. وأشار قادة البلدين إلى عدم استقرار سلاسل التوريد العالمية والاضطراب في التجارة التقليدية الشرق-الغرب، وأعلنوا أن استراتيجيتهم الجديدة تقوم على إنشاء مسارات برية وبحرية مستدامة، خاصة على محور الشمال-الجنوب.

 

لماذا تتجه روسيا نحو ممر الشمال-الجنوب؟

 

بناءً على تقييم المحللين، تسعى موسكو لإبعاد هيكل تجارتها الخارجية عن الاعتماد التاريخي على أوروبا، والتحرك نحو أسواق الجنوب والشرق الأوسط وأفريقيا وشرق آسيا.

 

يعتقد أليكسي زاخاروف، الباحث في مجال أوراسيا، أن هذا الممر يوفر لصادرات روسيا، من الحبوب والمعادن إلى الطاقة والمواد الخام، مساراً مستقراً ومنخفض المخاطر.

 

ويؤكد أنه بالنسبة لموسكو، لا يُعد ممر الشمال – الجنوب مشروعاً رد فعل على العقوبات فحسب، بل جزءاً من استراتيجية طويلة الأمد لتنويع المسارات التجارية.

 

ويوضح أن هذا المسار ليس مجرد طريق اتصال بالهند فقط؛ فبعد وصول البضائع الروسية إلى ميناء بندرعباس، يمكن شحنها بسرعة إلى الخليج الفارسي أو شرق أفريقيا أو جنوب شرق آسيا؛ وهي قدرة تفتقر إليها المسارات الكلاسيكية لروسيا.

 

ثلاثة فروع لممر استراتيجي واحد

 

يتكوّن ممر الشمال – الجنوب من ثلاثة مسارات رئيسية:

 

– الفرع الشرقي عبر كازاخستان وتركمانستان؛ وهو المسار الأكثر نشاطاً حالياً بأوقات تسليم أقصر.

 

– الفرع الغربي عبر أذربيجان أو أرمينيا؛ مسار لم يكتمل بعد، وتولت روسيا تمويل خط سكة حديد رشت-آستارا.

 

– الفرع الأوسط البحري، والذي يجمع بين النقل البحري والبري ويمر عبر بحر قزوين، مكملاً للمسارين الآخرين.

 

كان التقدم في الفرع الشرقي أسرع؛ لكن روسيا تسعى من خلال إكمال المسار الغربي إلى إنشاء ممر بري بالكامل يعتمد على السكك الحديدية لتقليل الاعتماد على مسارات النقل البحري إلى الحد الأدنى.

 

أهمية ممر الشمال – الجنوب للهند

 

ترى نيودلهي أن هذا الممر أداة لتقليل تكاليف ووقت النقل. يمكن لممر الشمال – الجنوب تحويل المسار البحري التقليدي بين الهند وأوروبا عبر قناة السويس والذي يستغرق حوالي 40 يوماً، إلى مسار بري-بحري يستغرق من 20 إلى 25 يوماً. هذه الميزة ستعزز أيضاً النفوذ التجاري للهند في آسيا الوسطى وروسيا.

 

يُظهر تقدم الهند في مفاوضات التجارة الحرة مع الاتحاد الاقتصادي الأوراسي أن نيودلهي تولي أهمية كبيرة لوجود أقوى في أسواق أوراسيا وترى في ممر الشمال – الجنوب العمود الفقري لهذه الاستراتيجية.

 

آفاق المستقبل.. إمكانات عالية؛ لكنها بحاجة إلى وقت

 

على الرغم من أن هذا الممر أصبح الآن قيد التشغيل الكامل، إلا أنه يواجه قيوداً وعقبات. يعتقد زاخاروف أن دور ممر الشمال – الجنوب مازال ليس كبيراً في التجارة العالمية؛ لكن إمكاناته للنمو في العقد المقبل عالية جداً. الحاجة إلى التنسيق الجمركي والاستثمار في البنية التحتية وتوحيد معايير العمليات، تشكل التحديات الرئيسية أمامه.

 

ومع ذلك، قال حسن كريم نيا، خبير النقل والترانزيت، إنه في ضوء التغيرات الجيوسياسية وإعادة ترتيب المسارات التجارية العالمية، سيصبح ممر الشمال – الجنوب أحد الركائز الأساسية لتجارة أوراسيا؛ مسارٌ يبرز، من خلال مروره بإيران، مكانة إيران الجيواقتصادية أكثر من أي وقت مضى.

المصدر: فارس