من الجوار إلى الشراكة.. الدبلوماسية الإقليمية في قلب استراتيجية الحكومة الإيرانية

الوفاق/ تُعدّ الدبلوماسية الإقليمية واستخدام قدرات المحافظات في البلاد لتطوير وتعميق العلاقات مع الدول الجارة والصديقة في مجالات مختلفة، خاصة الاقتصادية والتجارية، جزءاً من مبادئ السياسة الخارجية للجمهورية الإسلامية الإيرانية، وتولي الحكومة الرابعة عشرة اهتماماً خاصاً بها. ومنذ السنوات الأولى بعد انتصار الثورة، كان نظر الحكومة إلى الاستفادة من القدرات المحلية، خاصة مع الجيران، نظرة خاصة وجادة ومبدئية.

إن أحد الأهداف الرئيسية للدبلوماسية الإقليمية هو تطوير المحافظات والمناطق الحدودية. عندما يُشارك سكان هذه المناطق في عملية الدبلوماسية وتتشكل أعمال تجارية جديدة، يمكن أن يلقى الازدهار الاقتصادي الناتج ترحيباً عاماً من الشعب.

 

وبسبب المصالح المشتركة، والتواصل الاقتصادي والتجاري، وقضايا الأمن الحدودي، يُعدّ استخدام قدرات المحافظات في إطار سياسة الجوار ضرورة.

 

تمتلك الجمهورية الإسلامية الإيرانية 16 محافظة حدودية، منها 9 محافظات لها حدود برّية فقط (آذربايجان الشرقية، آذربايجان الغربية، أردبيل، خراسان الرضوية، خراسان الشمالية، كرمانشاه، كردستان، إيلام وخراسان الجنوبية)، و3 محافظات لها حدود بحرية (مازندران، هرمزغان وبوشهر) مع الجيران، و4 محافظات تمتلك كلا الحدود البرية والبحرية (غيلان، غلستان، سيستان وبلوشستان وخوزستان) مع جيران إيران.

 

وبالتالي، فإن الاستفادة من 15 دولة جارة تقع في جوار 16 محافظة حدودية في البلاد، توفر فرصة قيمة ومناسبة جداً للأجهزة التنفيذية في البلاد لنمو وتطوير الظروف الاقتصادية والتجارية.

 

وفي 5 نوفمبر، أكد رئيس الجمهورية مسعود بزشكيان، خلال لقائه بمحافظ محافظة كرمان وأعضاء مجلس نواب المحافظة، على أهمية “الدبلوماسية الإقليمية”، واعتبر تفويض الصلاحيات إلى المحافظات حلاً أساسياً لرفع العقوبات الذاتية، وقال: إن المحافظات الحدودية تمتلك قدرات عالية جداً، ويمكنها، من خلال الاستفادة المناسبة من الصلاحيات المفوضة، أن تلعب دوراً فعالاً في الساحة الإقليمية والاقتصادية.

 

يمكن للمحافظات، بفضل معرفتها الأدق بحاجاتها المحلية، والحدود، والقدرات التجارية والثقافية، والقرب الجغرافي من الطرف المقابل، أن تلعب دوراً فعالاً في زيادة التبادلات وتعزيز العلاقات.

 

وأعلن وزير الخارجية عباس عراقجي، في مارس 2025، عن بدء نهج جديد في هذه الوزارة يُدعى “الدبلوماسية الإقليمية”، خاصة في المحافظات التي تشترك في حدود مع الدول الجارة، وقال: إن وزارة الخارجية تنوي إقامة تفاعلات وتبادلات دبلوماسية بين جميع المحافظات التي تشترك في حدود مع الدول الجارة وبين المحافظات المجاورة على الجانب الآخر من الحدود.

 

الدبلوماسية الإقليمية.. حلقة الوصل بين إيران وجيرانها

 

يمكن للدبلوماسية الإقليمية أن تشكل حلقة وصل بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية ودول الجوار، ذلك أن العديد من محافظاتنا الحدودية ترتبط باتصالات واسعة مع المحافظات المجاورة في الشرق والغرب والشمال والجنوب.

 

وأكد حميد قنبري، نائب وزير الخارجية للدبلوماسية الاقتصادية، على ضرورة بذل الجهود لتعويض أنشطة المنتجين الحقيقيين، وصرّح بأن نائبة الدبلوماسية الاقتصادية في الوزارة، خلال الحكومة الرابعة عشرة، تسعى إلى تطوير الاقتصاد من خلال تقديم دعم خاص للإنتاجات الموجهة نحو التصدير.

 

وأوضح قنبري أن تطوير الاقتصاد واستدامته يعزز العلاقات الدولية للبلاد بشكل مضاعف، وقال: لهذا السبب، وانطلاقاً من نهج الحكومة، تقدم وزارة الخارجية دعماً خاصاً لحل المشكلات الاقتصادية التي يواجهها المنتجون أصحاب المنتجات الموجهة للتصدير.

 

وأكدت مجموعة من نواب مجلس الشورى الإسلامي، مع التأكيد على أن تعزيز الدبلوماسية الاقتصادية وفتح مسارات جديدة لنمو التوظيف والإنتاج المحلي، أن الدبلوماسية الإقليمية تعني الاستفادة من قدرات المحافظات الحدودية لتحقيق أهداف السياسة الخارجية.

 

الأسواق الحدودية واقتصاد المناطق المحلية على جانبي الحدود

 

قال جمشيد قلاوند، نائب أهالي مدينة أنديمشك وعضو لجنة الزراعة في مجلس الشورى الإسلامي: إن الدبلوماسية لها أبعاد واسعة، خاصة في مجال الجيران والدول التي تشترك معنا في الحدود، مثل العراق وتركيا، وكذلك دول الخليج الفارسي؛ وبالنظر إلى الاشتراكات الثقافية والدينية والتاريخية لهذه الدول مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية، فإن تطوير العلاقات معها يُعد ضرورة عامة.

 

وأضاف قلاوند: في الوقت الحاضر، ما يُلاحظ في السوق هو أن دولاً مثل تركيا وبعض الجيران الآخرين لها حضور أكثر نشاطاً. لذلك، من الضروري متابعة موضوع الأسواق الحدودية، واقتصاد المناطق المحلية على جانبي الحدود، وكذلك دور المحافظات المجاورة بجدية أكبر.

 

وتابع: إننا نتمتع بعلاقات جيدة مع دول الخليج الفارسي، بما فيها السعودية والإمارات والكويت وقطر وعمان، وسنتمكن من تطوير هذه العلاقات في مجال الاقتصاد والتبادلات التكنولوجية أكثر من أي وقت مضى.

 

وقال قلاوند: إن انعكاس وتداعيات هذا النهج مهمة جداً، خاصة في محافظة خوزستان. خوزستان محافظة واسعة وشاسعة، وتلعب دوراً هاماً في الاقتصاد الوطني. وفي مجال الاقتصاد أيضاً، تحتل هذه المحافظة، بعد طهران، مكانة خاصة في البلاد.

 

وأردف قائلاً: في النهاية، مع تعزيز الدبلوماسية الإقليمية والحدودية، ستكون طبيعة التبادلات الاقتصادية بحيث تؤمن مصالح الطرفين، وتحمل آثاراً إيجابية.

 

تفعيل الدبلوماسية الحدودية سيُحدث تأثيرات بالغة الأهمية

 

من جانبه، قال عبدالغفور أمان زاده، نائب أهالي كركان وآق قلا وعضو لجنة الزراعة في مجلس الشورى الإسلامي: إن المنطقة التي نعنيها تقع ضمن شريط حدودي، وفي محافظة كلستان يوجد جمرك نشط يُدعى “إينتشه‌برون”، يرتبط مباشرة بدولة تركمانستان.

 

وأضاف: في هذا القطاع، تتشكل أيضاً منطقة تجارية حرة، وتجري حالياً الإجراءات التنفيذية لها، ويتصل هذا الجمرك بشبكة سكك الحديد والطرق البرية؛ ومن الجانب الآخر، لدينا اتصال بحري مع تركمانستان كذلك، من حيث البنية التحتية، تتوفر ظروف ملائمة لتطوير العلاقات مع هذه الدولة الجارة.

 

وتابع: إذا تم تفعيل هذا المسار، فسيسهل التواصل بين إيران والدول المجاورة في منطقة أوراسيا، وكذلك مع روسيا والصين. تعود كل هذه الأمور، في النهاية، إلى دبلوماسية قوية وتفاعل فعال بين وزارتي الخارجية في البلدين، إيران وتركمانستان.

 

وأكد أمان زاده: إننا مهتمون بتفعيل هذا الاتصال في أسرع وقت ممكن. كما شارك رئيس الجمهورية مؤخراً في قمة عقدت في تركمانستان، ونأمل أن تكون الحوارات الفعالة في مجال تطوير التفاعلات قد أجريت، لتساهم نتائجها في تنمية المنطقة.

 

وبشأن ضرورة تعزيز الأسواق الحدودية، قال أمان زاده: إذا تم إقامة هذه الاتصالات بشكل جيد وزادت التفاعلات، وتم تسهيل دخول المسافرين بحقائب السفر الذين لا يمكنهم حالياً التنقل، ولم تكن هناك مشكلة في التأشيرات بالنسبة لتركمانستان، فإن السوق الحدودي ستُفعَّل بالتأكيد.

 

وأضاف: في الوقت الحاضر، يغلب على السوق الحدودية الموجودة طابع تقليدي؛ بمعنى أنه تُعرض فيها السلع المتوفرة داخل البلاد للاستهلاك والترفيه عن الناس؛ لكن دخول السلع من جانب تركمانستان محدود جداً.

 

وتابع: إذا تم تفعيل مسار التنقل السياحي من الجانب الآخر من الحدود، وأزيلت العوائق الدبلوماسية والتأشيرية من الجانب الإيراني أيضاً، فإن هذه السوق الحدودية ستُفعَّل بالكامل دون شك، مؤكداً إن “تجارة الشنطة تتعلق أساساً بالمسافرين الحدوديين”.

 

وتابع: سابقاً، كانت تُصدر تأشيرات لمدة 10 إلى 15 يوماً للمواطنين الإيرانيين، تتيح التنقل في شريط حدودي ومنطقة حضرية محددة. ومن الجانب الآخر، كانت تُصدر تصاريح دخول إلى إيران لمواطني تركمانستان، وكانت هذه التأشيرات مختلفة عن التأشيرات الرسمية والعامة، ومخصصة حصراً لسكان المناطق الحدودية.

 

وقال: كان هذا الإجراء سارياً في السنوات الأولى؛ لكن مع انتشار كورونا، فرضت قيود على المعابر الحدودية، ويمكن أن يلعب هذا الإجراء دوراً هاماً في تحسين معيشة السكان الحدوديين. كانت هذه التأشيرات مخصصة للأشخاص الذين يعيشون في نطاق حدودي محدد، وتتيح التنقل القصير الأمد لعدة أيام.

 

وأكد نائب كركان وآق قلا: في إطار هذه الاتصالات، كان بإمكان السكان الحدوديين نقل بضائع محدودة وغير تجارية، مثل 20 أو 30 أو 40 كيلوغراماً من السلع؛ سلع لم تكن ذات طابع تجاري منظم، وكانت تساهم فقط في تحسين معيشة الأسر الحدودية، لهذا السبب، يُطلق عليها “تجارة الشنطة”، كما إن إعادة تفعيل هذه الآلية يمكن أن يكون له تأثير إيجابي على حياة السكان الحدوديين، لكن هذا الإجراء متوقف حالياً.

 

 

المصدر: الوفاق خاص / إرنا