وعقد مجلس الأمن الدولي، الأربعاء، جلسة بناء على طلب عدد من الدول الغربية الأعضاء في المجلس. وعلى الرغم من معارضة دول عديدة ومنها روسيا والصين، مما كشف بشكل أوضح من أي وقت مضى عن الانقسام العميق بين الدول الخمس الدائمة العضوية بشأن الملف النووي الإيراني.
وشدّدت روسيا والصين على أن القرار الأممي رقم 2231 قد انتهى تماماً في تشرين الأول/ أكتوبر 2025، وأنه لم يعد هناك أي أساس قانوني لعقد جلسات في مجلس الأمن حوله، أو لطلب تقارير من الأمين العام للأمم المتحدة، أو حتى لتفعيل آلية “العودة التلقائية للعقوبات”. واعتبرتا أن استمرار النقاش حول القرار يُعد خرقاً لمبادئ السيادة القانونية التي يستند اليها النظام الدولي.
الغرب يتمسّك بسياساته الإكراهية
في المقابل، واستمراراً لسياساتها الإكراهية والتعنّتية، ادّعت الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وبعض الدول الأوروبية الأعضاء في المجلس بأن القرار 2231 لا يزال سارياً، ودعت إلى الحفاظ على آلية “سناب باك”، وطالبت بمنح الوكالة الدولية للطاقة الذرية إمكانية الوصول الفوري إلى المنشآت النووية الإيرانية التي تضرّرت جرّاء الهجمات الصهيو-أمريكية في صيف 2025.
ورداً على هذه المواقف، أكد سفير إيران ومندوبها الدائم لدى الأمم المتحدة، أمير سعيد إيرواني، على أن القرار 2231 انتهى بشكل قطعي في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، مُوضّحاً: إن إيران ملتزمة تماماً بالدبلوماسية القائمة على المبادئ والحوار الحقيقي؛ لكنها لن تستسلم أبداً للضغوط أو الإملاءات السياسية. وأضاف إيرواني: الآن، تقع المسؤولية على عاتق بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة لاتخاذ خطوات عملية من أجل إعادة بناء الثقة.
من جهتها، ادّعت مندوبة الولايات المتحدة، مورغان أورتيغاس، أن إدارة ترامب مستعدة لإجراء مفاوضات “مباشرة وذات مغزى” مع إيران؛ لكنها إشترطت ذلك بعدم حدوث أي تخصيب نووي على الأراضي الإيرانية. وردّ إيرواني على المندوبة الأمريكية بالقول: منفتحون على أي مفاوضات عادلة وجدّية، لكن المطالبة بوقف كامل للتخصيب، تتعارض بامتياز مع الحقوق التي تكفلها اتفاقية حظر انتشار الأسلحة النووية (NPT)، والتي تُعد إيران دولة عضوا فيها.
وأكد سفير إيران ومندوبها الدائم لدى الأمم المتحدة أن طهران لن تخضع أبدًا للإكراه أو الترهيب أو الضغوط السياسية، وقال: لا تزال الجمهورية الإسلامية الإيرانية ملتزمة التزاماً تاماً بالدبلوماسية القائمة على المبادئ والمفاوضات الجادة، ويقع على عاتق فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة الآن مسؤولية تصحيح مسارها واتخاذ خطوات عملية وذات مصداقية لإعادة بناء الثقة”
انتهاء صلاحية القرار
وقال إيرواني: في البداية، أود أن أوضح موقف الجمهورية الإسلامية الإيرانية بشأن عقد هذا الاجتماع. إننا نتفق مع مواقف زملائنا الروس والصينيين ونعارض بشدة عقد هذا الاجتماع. وأضاف: يتضمن قرار مجلس الأمن 2231 بند إنهاء واضحاً وواعياً وذا صلاحية تنفيذية، وقد انتهت صلاحية القرار في 18 أكتوبر/ تشرين الأول 2025. ومنذ ذلك التاريخ، فقد القرار أي أثر قانوني أو تفويض تنفيذي. وتابع: إن أي محاولة لعقد مثل هذا الاجتماع تُعد انتهاكاً صريحاً للنظام الداخلي للمجلس. وبالمثل، فإن أي ادعاء بـ”مواصلة تطبيق” القرار 2231، سواء بالاستناد إلى المذكرة 44 لرئيس المجلس (S/2016/44) أو بالإشارات المبهمة إلى ما يُسمى “الممارسة الراسخة”، هو ادعاء لا أساس قانوني له ومضلل، ويُشكل إساءة استخدام واضحة لصلاحيات المجلس وإجراءاته.
وأردف ايرواني: أودّ أن أعرب عن امتنان الجمهورية الإسلامية الإيرانية للصين والاتحاد الروسي لموقفهما المبدئي والتزامهما الصادق بخطة العمل الشاملة المشتركة طوال فترة تنفيذها. كما نتوجه بالشكر إلى الجزائر وباكستان وباقي أعضاء المجلس لمواقفهم المبدئية والمستقلة.
وقال: إن ما نشهده اليوم ليس اختلافًا مشروعًا في الرأي حول التفسير، بل هو تحريف مُتعمّد للقرار 2231، ونشر مُتعمّد لمعلومات مُضللة حول البرنامج النووي الإيراني السلمي، ومحاولة ساخرة لاستغلال هذا المجلس لتحقيق مصالح سياسية ضيقة.
هجوم مباشر على النظام الدولي
وأردف: أولًا، إن جذور الوضع الراهن واضحة، ولم تظهر فجأة أو تتشكل من فراغ. هذا الوضع هو نتيجة الانسحاب أحادي الجانب للولايات المتحدة من الاتفاق النووي، وأكد أن ايران تُعدّ عضوا ملتزما ومسؤولا في معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية منذ عام 1970. وقد رفضت إيران باستمرار أسلحة الدمار الشامل لأسباب قانونية وأخلاقية وعقائدية. وعلى الرغم من هذه الظروف والانتهاكات الجسيمة، تصرفت إيران بحسن نية واستمرت في التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
الضغوط السياسية لإعادة تفتيش المنشآت المتضرّرة غير مقبولة
من جانبه، أكد نائب رئيس الجمهورية ورئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية محمد إسلامي، أن ما يجري في الملف النووي الإيراني يعكس بوضوح منطق قانون الغاب الذي تتّبعه الولايات المتحدة، مُشدّداً على أن الضغوط السياسية لإعادة تفتيش المنشآت النووية المتضرّرة غير مقبولة قبل وضع إجراءات قانونية جديدة.
وقال محمد إسلامي، في تصريح للصحفيين الأربعاء، على هامش اجتماع الحكومة، في إشارة إلى اجتماع مجلس الأمن الذي عُقد الليلة الماضية والنقاط التي طُرحت فيه: “لم يعد بإمكاننا القول إن النقاط التي طُرحت في هذا الاجتماع مؤسفة. بل ينبغي أن نكون سعداء لأن الدور والضغط اللذين مارستهما الولايات المتحدة على البرنامج النووي الإيراني على مدى السنوات الخمس والعشرين الماضية قد أصبحا واضحين تمامًا اليوم، وقد كتبوا بوضوح في وثيقة استراتيجية أمنهم القومي أنهم لن يسعوا لتحقيق المصالح الأمريكية عبر المنظمات الدولية، وأن قانون الغاب والقوة سيظلان على جدول أعمالهم”.
صلاحية القرار 2231 انتهت
وأشار رئيس منظمة الطاقة الذرية إلى أن التقرير والبيان والاستشهاد الذي صدر في اجتماع مجلس الامن الدولي كان غير مهني وغير قانوني على الإطلاق، وقال: لقد انتهت صلاحية القرار 2231، ولكن حتى لو أرادوا استخدامه، كان عليهم الالتزام ببنوده، وهو ما لم يفعلوه، وبذريعة أن إيران لم تفِ بالتزاماتها بموجب الاتفاق النووي، قالوا انه يجب إعادة فرض عقوبات مجلس الأمن الدولي السابقة، وهو أمر مرفوض تمامًا وغير مقبول بتاتًا.
وتابع إسلامي: الصين وروسيا، وهما عضوان في مجلس الأمن ولهما حق النقض (الفيتو)، رفضتا هذا الأمر رفضًا قاطعًا، وأعلنتا أن هذا المطلب من الدول الأوروبية الثلاث والولايات المتحدة، والذي يُنفذ بقيادة ودعم الحركة الصهيونية، مرفوض ولا يمكن تنفيذه.
وفيما يتعلق بخطة التعاون الإيرانية مع الوكالة، قال أيضًا: لم يتعاون أي بلد في التاريخ مع الوكالة بقدر تعاون الجمهورية الإسلامية الإيرانية ومنظمة الطاقة الذرية الإيرانية. أُجريت أشدّ وأقسى عمليات التفتيش في التاريخ على الصناعة النووية الإيرانية، ولم يُسجّل حتى الآن أيّ تقريرٍ من مفتشي الوكالة يُشير إلى عدم امتثال ايران لمعايير الضمانات أو انحرافها عنها. لذا، فإنّ هذا النهج السياسيّ وممارسة أقصى الضغوط، بهدف مضايقة الشعب الإيراني وإضعافه، أمرٌ مرفوضٌ تمامًا ولا نقبله. إنّ أنشطتنا سلميةٌ تمامًا وتُنفّذ في سبيل تقدّم البلاد.
لا جدوى من الضغوط السياسية
وأشار نائب رئيس الجمهورية إلى أنّ المادة 68 من الضمانات، فيما يخصّ التعاون بشأن المراكز التي تعرّضت للقصف، لا تُشير إلا إلى الكوارث الطبيعية والأضرار الناجمة عنها، ولا تتناول الهجمات العسكرية أو الحروب، قائلاً: إذا كانت الوكالة تُجيز الحرب والهجمات العسكرية، فعليها أن تُقرّ بذلك وتُعلن أنّ مهاجمة المنشآت النووية في ظلّ الضمانات جائزة، وإذا لم تكن جائزًة، فعليها إدانتها، وعند إدانتها، يجب أن تُوضّح الشروط المترتبة على الحرب. إذا كُتبت الشروط بعد الحرب، فعلى الوكالة الإعلان عنها حتى نتمكن من التصرف وفقًا لها، وإلا، فهذا مطلبنا الذي راسلناهم به، وهو تحديد وصياغة وتوضيح الإجراءات الواجب اتخاذها في حال وقوع هجوم عسكري على منشأة نووية مسجلة لدى الوكالة وخاضعة لمراقبتها.
وصرح رئيس منظمة الطاقة الذرية: إلى حين البت في هذه المسألة، لن نقبل ولن نستجيب لأي ضغوط سياسية أو نفسية أو مساعي غير مجدية لإعادة تفتيش المنشآت التي تعرضت للقصف أو لاستكمال عمليات العدو.