الأونروا على حافة الانهيار… تقرير حقوقي يُحذّر من عام 2025 المفصلي

 عام 2025 قد يكون العام الأخطر في تاريخ الأونروا ومفترق مصير بين الانهيار والصمود

لم يشهد تاريخ وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) منذ تأسيسها عام 1949 عامًا أشد خطورة وتعقيدًا من عام 2025. فالمؤسسة التي شكّلت لعقود طويلة الشاهد الدولي الأبرز على نكبة الفلسطينيين وحقهم في العودة، تجد اليوم نفسها في قلب عاصفة سياسية وإنسانية غير مسبوقة. الضغوط الأميركية والصهيونية تتصاعد بوتيرة حادة، الدعم الدولي يتراجع، العجز المالي يتفاقم، والبيئة الإقليمية والدولية تتغير على نحو يُهدد وجود الوكالة نفسها. وفي الوقت الذي تتعرض فيه الأونروا لمحاولات منهجية لتجريمها ونزع شرعيتها، تكشف الوقائع الميدانية في غزة حجم الكارثة الإنسانية التي تجعل استمرار عمل الوكالة ضرورة وجودية لا يمكن الاستغناء عنها.

 

ففي 24 كانون الأول/ديسمبر 2025، أكدت الأونروا أن الاحتياجات الإنسانية في غزة ما زالت هائلة رغم وقف إطلاق النار، وأن العائلات تواجه نقصًا حادًا في الغذاء ودمارًا واسعًا، فيما يواجه 1.6 مليون شخص مستويات مرتفعة من انعدام الأمن الغذائي الحاد. هذه الشهادة الميدانية لا تأتي في سياق إنساني فحسب، بل تُشكّل عنصرًا أساسيًا في فهم حجم التناقض بين الواقع على الأرض وبين محاولات تقويض الوكالة سياسيًا وماليًا.

 

 

الأونروا تحت الاستهداف المباشر

 

في كانون الأول/ديسمبر 2025، اقتحمت قوات الاحتلال مقر الأونروا في حي الشيخ جراح بالقدس المحتلة، وأنزلت علم الأمم المتحدة ورفعت علم الاحتلال، في مشهد رمزي يهدف إلى نزع الشرعية الدولية عن الوكالة. بالتوازي، ناقشت الإدارة الأميركية تصنيف الأونروا «منظمة إرهابية أجنبية»، وهو توصيف غير مسبوق يهدف إلى تجريم عملها وقطع التمويل عنها. هذه التطورات ليست معزولة، بل تأتي ضمن استراتيجية صهيونية شاملة لإنهاء دور الأونروا، عبر تشريعات في الكنيست لحظر عملها في الضفة الغربية والقدس، وربط إدخال المساعدات إلى غزة بوقف خدماتها.

 

 

تراجع الدعم الدولي وتآكل الغطاء الأممي

 

على المستوى الأُممي، شهد التصويت على تجديد تفويض الأونروا تراجعًا ملحوظًا، إذ انخفض عدد الدول المؤيدة من 165 إلى 151، وامتنعت خمس دول عن التصويت. هذا التراجع يعكس تنامي تأثير اللوبي الصهيوني في الساحة الدولية، ويكشف هشاشة الغطاء السياسي الذي طالما وفّرته الأمم المتحدة للوكالة. ورغم أن محكمة العدل الدولية برّأت الأونروا من الاتهامات المتعلقة بالحيادية والانتماء السياسي لموظفيها، فإن ذلك لم يوقف الضغوط الأميركية والصهيونية، ولم يترجم إلى دعم مالي كافٍ.

 

 

العجز المالي المزمن وتداعياته الكارثية

 

الأونروا تعاني من عجز مالي مزمن بلغ نحو 200 مليون دولار حتى آذار/مارس 2026، ما يهدد قدرتها على تقديم الخدمات الأساسية لملايين اللاجئين. هذا العجز ليس جديدًا، لكنه اليوم يتفاقم في ظل تراجع الدعم الأوروبي، وتزايد الضغوط السياسية، ما يجعل الوكالة في وضع هشّ غير مسبوق. استمرار هذا العجز يعني تراجع مستوى الخدمات التعليمية والصحية والإغاثية، وتفاقم معاناة اللاجئين في المخيمات، خصوصًا في قطاع غزة والضفة الغربية ولبنان وسوريا.

 

السيناريوهات المحتملة لمستقبل الأونروا

 

التقرير الحقوقي الأخير توقّع عدة سيناريوهات لمستقبل الأونروا، جميعها تحمل مخاطر جدية: استمرار الدعم السياسي دون ترجمة مالية، ما يعني تراجع إضافي في مستوى الخدمات؛ تصاعد الاقتحامات والتدمير في مخيمات الضفة الغربية. كما يطرح التقرير سيناريوهات أخرى لا تقل خطورة، من بينها تحويل جزء من مهام الأونروا إلى مؤسسات أُممية بديلة، أو خصخصة بعض خدماتها عبر التعاقد مع منظمات دولية، إضافة إلى احتمال تقليص نطاق عملها جغرافيًا وحصره في مناطق محددة. وفي جميع هذه السيناريوهات، يبقى العجز المالي المُزمن العامل الحاسم الذي يهدد بوقف عمل الوكالة ويدفعها نحو مرحلة وجودية غير مسبوقة.

 

ختاماً تقف الأونروا اليوم أمام أخطر تحدياتها منذ تأسيسها قبل أكثر من سبعة عقود. الضغوط السياسية والمالية والإعلامية تتكامل في محاولة لإنهاء دورها، فيما يتراجع الدعم الدولي، ويتفاقم العجز المالي. لكنّ الوكالة، لا تزال تحظى بشرعية دولية واسعة، تجعل من إنهائها مهمة صعبة، وإن لم تكن مستحيلة. المستقبل سيعتمد على قدرة الفلسطينيين وحلفائهم على إطلاق تحرك شامل لحماية الأونروا، وعلى قدرة المجتمع الدولي على إدراك أن إنهاء الوكالة يعني عمليًا إنهاء الاعتراف الدولي بقضية اللاجئين. عام 2025 قد يكون فعلًا العام الأخطر في تاريخ الأونروا، لكنه أيضًا قد يكون العام الذي يحدد مصيرها، بين الانهيار أو الصمود.

 

المصدر: الوفاق/ خاص