لم تعد محافظة همدان الإيرانية مجرد مهد للتاريخ والحضارة فحسب، بل أثبتت حضورها رسمياً وعملياً كمركز محوري لصناعة زهور الزينة في إيران، لا سيما ورد الجوري المقطوف. وبفضل مناخها شبه الجاف والبارد الذي يتميز بليالٍ صيفية منعشة، تحولت المحافظة إلى رقم صعب في معادلة الإنتاج الدولي.
ورد الجوري المقطوف في همدان ليس مجرد منتج زراعي، بل هو تجسيد للفن الطبيعي وقصيدة ملونة تُقطف بعناية لتنقل نبض الحياة إلى القلوب في أسرع وقت. وتعد هذه الزهور إرثاً حياً لرفاهية البيوت الزجاجية، حيث تُحصد في ذروة نضارتها لتبدأ رحلة جمالية طويلة عابرة للحدود.
انتقلت هذه الصناعة في همدان من النمط التقليدي إلى نمط متقدم يعتمد على التكنولوجيا الحديثة. ويؤكد خبراء البستنة أن إنتاج الورد الجوري في همدان يتميز بخصائص فنية تجعله يتفوق على المنافسين المحليين، حيث يصعب على المنتجين في المحافظات الأخرى منافسة جودة زهور همدان التي تستفيد من ساعات سطوع الشمس المثالية. هذا وتتركز هذه الصناعة بشكل أساسي في المناطق المحيطة بمدينة همدان، مستفيدة من البنية التحتية المتطورة للطاقة والنقل، ما جعلها محركاً للتنمية الاقتصادية، إضافة الى توفيرها فرص العمل الريفية وجذبها العملة الصعبة.
أرقام قياسية: نمو الإنتاج بمقدار30 ضعفاً
وكشف داوود عسكري، المدير التنفيذي لأحد أكبر وحدات إنتاج الزهور في المحافظة وعضو هيئة التدريس بجامعة «بوعلي سينا»، عن أرقام مذهلة تعكس الطفرة النوعية لهذا القطاع:
لقد زادت المساحة المزروعة بالورد في الصوبات الزراعية بهمدان بأكثر من 30 ضعفاً منذ عام 2018، حيث ارتفعت من نصف هكتار إلى 15 هكتاراً.
وقد تم تخصيص أكثر من 80% من الإنتاج للتصدير، ما يدرّ نحو 5 ملايين دولار سنوياً من العملة الصعبة، ويوفر المجمع حالياً 140 فرصة عمل مباشرة و280 فرصة غير مباشرة، مع تخصيص 30% من الوظائف للنساء المعيلات لأسرهن.
وأكد عسكري أن هذا النجاح هو ثمرة الربط بين العلم والتطبيق، حيث نجح المجمع في سد الفجوة بين الأبحاث الجامعية والإنتاج الميداني، ما أدى إلى زيادة الإنتاجية وتقليل الاعتماد على الواردات من خلال إنتاج المستلزمات الأولية محلياً.
من جانبه، صرح بهروز فروزانفر، مدير البستنة في منظمة الجهاد الزراعي بمحافظة همدان، أن المحافظة تنتج سنوياً نحو 6 ملايين غصن ورد عبر9 صوبات نشطة. هذا وتتصدر مدينة «نهاوند» المرتبة الأولى من حيث المساحة المزروعة بأربعة هكتارات، تليها همدان وبهار.
وكشف المسؤولون عن خطة طموحة لإنشاء «مدينة خاصة لنباتات الزينة» و«محطة تصديرية» باستثمارات تقدر بـ 16 ألف مليار ريـال إيراني. ويهدف هذا المشروع إلى تثبيت مكانة همدان كقطب للزهور في الشرق الأوسط وخلق أكثر من 500 فرصة عمل مستدامة وتركيز عمليات التعبئة والتغليف لمنتجات همدان والمحافظات المجاورة لغزو الأسواق الدولية.
بفضل «الليالي الباردة» والتكنولوجيا المتطورة، تضع همدان قدمها بقوة على خارطة التجارة الإقليمية. إن التحول من الاستهلاك المحلي إلى التصدير المكثف، مدعوماً ببيئة أكاديمية ومسؤولية اجتماعية، يبشر بمستقبل يفوح بعطر الجوري الهمداني في كافة أرجاء المنطقة.