أرض الصومال.. موقع استراتيجي في قلب التنافس الدولي
أرض الصومال، التي أعلنت استقلالها عام 1991 دون اعتراف دولي، تقع على خط ملاحي يمر عبره ثلث حركة الشحن العالمية. هذا الموقع جعلها محط أنظار القوى الكبرى، من الصين وروسيا إلى الولايات المتحدة وكيان العدو. بالنسبة لتل أبيب، فإن قربها من اليمن يمنحها فرصة لإنشاء قاعدة عسكرية متقدمة، تستخدم في جمع المعلومات الاستخباراتية وشن عمليات مباشرة ضد اليمنيين. أما واشنطن، فهي ترى في أرض الصومال منصة لتعزيز وجودها العسكري في مواجهة الصين التي تمتلك قاعدة في جيبوتي المجاورة.
كيان العدو.. قاعدة أمامية وأجندة اقتصادية
التحرك الصهيوني نحو أرض الصومال يتجاوز البعد الأمني المباشر. فإلى جانب فكرة إنشاء قاعدة عسكرية، هناك أهداف اقتصادية تتمثل في الاستثمار في الزراعة والطاقة والبنية التحتية. النموذج الزراعي الصهيوني، مثل الكيبوتسات، يُطرح كأداة لتعزيز النفوذ تحت غطاء التنمية، لكنه في جوهره يهدف إلى تأمين وجود عسكري طويل الأمد. الأخطر أن بعض التقارير أشارت إلى أن الاعتراف الصهيوني قد يرتبط بخطط تهجير الفلسطينيين من غزة، عبر البحث عن وجهات لإعادة توطينهم في مناطق القرن الأفريقي، وهو ما يكشف عن توظيف أرض الصومال في مشروع أوسع لإعادة هندسة الجغرافيا السكانية والسياسية في المنطقة.
تداعيات إقليمية.. تفكيك السيادة وزعزعة الاستقرار
الاعتراف الصهيوني بأرض الصومال أثار رفضاً واسعاً من دول المنطقة مثل مصر وتركيا وجيبوتي، التي ترى فيه تهديداً لوحدة الصومال وتوسيعاً لدائرة الفوضى. المحللون يحذرون من أن هذه الخطوة قد تعزز الجماعات المسلحة، وتزيد من هشاشة القرن الأفريقي، ليصبح مسرحاً مفتوحاً للتنافس العسكري الدولي. بهذا المعنى، فإن المشروع الصهيوني– الأميركي لا يهدف إلى الاستقرار، بل إلى إدارة الفوضى كأداة لإعادة تشكيل المنطقة وفق مصالحهما.
رفض جماعي ورسائل أبعد من الصومال
البيان الصادر عن 21 دولة عربية وإسلامية وإفريقية، بمشاركة منظمة التعاون الإسلامي، لا يمكن قراءته فقط كإدانة لاعتراف كيان العدو بأرض الصومال، بل كرسالة سياسية أوسع تتعلق بموازين القوى في القرن الإفريقي والبحر الأحمر. فالدول الموقعة شددت على أن الخطوة تمثل خرقاً للقانون الدولي وتهديداً لوحدة الصومال، لكنها في الوقت نفسه ربطت بين هذا الاعتراف وبين المخططات الصهيونية–الأميركية لإعادة هندسة الجغرافيا السياسية والسكانية في المنطقة، بما في ذلك الحديث عن تهجير الفلسطينيين.
هذا الموقف الموحد يعكس إدراكاً جماعياً بأن الاعتراف الصهيوني ليس مجرد إجراء دبلوماسي، بل محاولة لتثبيت نفوذ عسكري واقتصادي في منطقة حساسة تشهد تنافساً بين واشنطن وبكين، وبين القوى الإقليمية الكبرى. لذلك جاء البيان ليؤكد أن وحدة الدول وسيادتها خط أحمر، وأن أي محاولة لتفكيكها ستُواجَه بتضامن عربي–إسلامي واسع.
في المحصّلة، ما يريده كيان العدو من أرض الصومال ليس مجرد اعتراف بدولة انفصالية، بل تحويلها إلى قاعدة أمامية عسكرية واستخباراتية، وإلى منصة اقتصادية تخدم مشروعه الأمني. أمّا الولايات المتحدة، فهي ترى في هذا التحرك فرصة لتثبيت نفوذها في مواجهة الصين، مستخدمة تل أبيب كأداة متقدمة في صراع النفوذ العالمي. النتيجة هي مزيد من التفكك في شرق أفريقيا، وتحويل خليج عدن إلى ساحة جديدة للصراع الدولي، حيث تُدار الفوضى لا لاحتوائها، بل لتوظيفها في خدمة أجندات الهيمنة. بهذا، يصبح الاعتراف الصهيوني بأرض الصومال جزءاً من هندسة مقصودة للفوضى، لا خطوة دبلوماسية بريئة، ويكشف عن مشروع مشترك يعيد رسم خرائط النفوذ في المنطقة على حساب وحدة الشعوب واستقرارها.