يُعدّ الفريق الشهيد الحاج قاسم سليماني واحداً من أبرز الشخصيات التي تجاوزت حدود العمل العسكري لتتحول إلى رمز ثقافي وروحي في وجدان الأمة. فقد ارتبط اسمه بالدفاع عن حريم أهل البيت(ع) ومواجهة الإرهاب، كماارتبط بجهوده في إعادة إعمار العتبات المقدسة، ليجسّد بذلك صورة القائد الذي جمع بين الصلابة في الميدان والخدمة في ساحات الإيمان. إنّ بناء صحن السيدة الزهراء(س) في النجف الأشرف لم يكن مجرد مشروع عمراني،بل كان تعبيراً عن عشق عميق وموقف حضاري يخلّد القيم الدينية والإنسانية. ومن هنا، فإن دراسة سيرته تمثل نافذة لفهم ملامح مدرسة الإيثار والوفاء التي تركت بصمتها في الثقافة المعاصرة، وبهذه المناسبة نقدّم نبذة عن البرامج التي أقيمت في بعض المحافظات الإيرانية حتى اليوم تحت عنوان “رواية الحبيب”.
«رواية الحبيب»
إنطلقت أولى فعاليات «كاروان سرباز» أي «قافلة الجندي» التي تضم فعالية «رواية الحبيب» يوم الخميس 18 ديسمبر في مقبرة “جنة الزهراء(س)”، بمناسبة الذكرى السادسة لإستشهاد القائد الفريق الشهيد قاسم سليماني. الفعالية تضمنت عزاءً جماعياً، تلاوة القرآن، النشيد الوطني، وعرضاً مسرحياً استعرض مسيرة الشهيد سليماني منذ الثورة الإسلامية حتى معركته ضد داعش واستشهاده في بغداد. كما شارك شعراء ومداحون بقراءات تربط الماضي بالحاضر، وألقت شخصيات من ذوي الشهداء كلمات عن التضحية والإيمان. المراسم أبرزت دور الشهيد سليماني كرمز للأمن والجهاد، وأكدت أن مساره لم ينتهِ برحيله، بل يستمر في حياة الأجيال القادمة كجزء من الذاكرة الوطنية والهوية الثقافية الإيرانية.
وأكد المنظمون أن الفعاليات لن تقتصر على طهران، بل ستقام حتى منتصف الشهر الجاري في سبع محافظات أخرى، لتجديد العهد مع شهداء المقاومة ومواصلة نهج الفريق الشهيد سليماني، ومن المقرر تنظيم مراسم أخرى لإحياء ذكرى الشهيد سليماني والشهيد المهندس في مدينة البصرة يوم 3 يناير.
مشاركة إيرانية – عراقية
أُقيم الفصل الخامس من فعالية رواية الحبيب في المركز الثقافي للدفاع المقدس بمدينة خُرمشهر يوم 22 ديسمبر، لتسليط الضوء على الإيثار والتضحية التي جسّدها القائد الشهيد قاسم سليماني. حضر المراسم مشاركون من إيران والعراق، بينهم شيوخ عشائر من جنوب العراق الذين أكدوا أن استلهام محور المقاومة من الشهيدين سليماني وأبو مهدي المهندس هو سرّ نجاحه. كما أشادوا بالدفاع البطولي لإيران خلال الحرب الصهيونية المفروضة التي استمرت 12 يوماً، معتبرينه مصدر فخر للعالم الإسلامي وخاصة العرب وفلسطين. وتخللت الفعالية عروضا شعرية ومسرحية وروايات قصصية.
وسام «الجندي» الوطني
كما أقيم يوم السبت 27 ديسمبر في ساحة الشهيد رئيسعلي دلواري بمدينة بوشهر، مراسم هذه الفعالية، حيث أوضح مصطفى مشفقیان، رئيس «حوزه هنري» في بوشهر، أن الهدف من هذه المراسم هو إحياء بطولات الشهيد وتجديد العهد معه، حيث شارك فيها جمع غفير من الأهالي إلى جانب شخصيات فنية وإعلامية بارزة. تميزت الفعالية هذا العام بمنح وسام “الجندي” الوطني لعقيلة الشهيد إيمان قائدي تقديراً لجهادها الصامت. كما تضمنت المراسم سرد ذكريات مؤثرة عن سيرة الفريق الشهيد قاسم سليماني، وعرض أعمال شعرية وفنية، إضافة إلى أجنحة ثقافية أبرزت دور الفن في ترسيخ ثقافة المقاومة ونقل قيم مدرسة الفريق الشهيد سليماني إلى الأجيال القادمة.
مهد المصارعة الإيرانية
كما شهدت مدينة جویبار، مهد المصارعة الإيرانية، هذه الفعالية، حيث امتزجت الرياضة بالفن والثقافة في أجواء جماهيرية مميزة. احتضنت صالة القائد الشهيد حاجيزاده الفعالية مساء السبت 27 ديسمبر، بحضور رسمي وشعبي واسع، وقدّم البرنامج عروضاً متنوعة من الشعر والموسيقى وغيرها، إضافة إلى معرض للفنون التشكيلية والكتب. شارك في الحدث أبطال عالميون مثل حسن يزداني وأميرحسین زارع، إلى جانب شخصيات أدبية وفنية بارزة، ما أضفى طابعاً روحانياً وثقافياً خاصاً. تميزت الفعالية بطابع محلي مستوحى من تراث مازندران، حيث جرى تقديم رواية فنية لقيم مدرسة الفريق الشهيد قاسم سليماني، بعيداً عن النمط التقليدي للمراسم، كما ألقيت كلمات مؤثرة عن شخصية الشهيد، وتكريم عائلات شهداء المصارعة، في دلالة على عمق ثقافة الفتوة والإيثار.
ولتبقى «رواية الحبيب» شاهداً على أن مسار القائد الشهيد الفريق قاسم سليماني لم ينتهِ برحيله، بل يستمر كهوية ثقافية وروحية تتجدد في وجدان الشعوب.