عراقجي، مُؤكّداً أنه كان معمار محور المقاومة:

الشهيد سليماني حوّل خطاب المقاومة إلى قوّة ملموسة غيّرت معادلات المنطقة

أكد وزير الخارجية، سيد عباس عراقجي، أن الشهيد قاسم سليماني "أخرج خطاب المقاومة من حيّز المفاهيم النظرية والشعارات، وحوّله إلى قوة ملموسة غيّرت معادلات المنطقة".

وفي كلمة له خلال افتتاح مؤتمر “الشهيد قاسم سليماني؛ الدبلوماسية والمقاومة” الدولي، يوم الاثنين، بمركز الدراسات السياسية والدولية في طهران، أشار عراقجي إلى أن الشهيد سليماني لم يكن مجرد قائد عسكري، بل “معمار محور المقاومة”، مؤكداً على أن فكره يمثل جوهر “الدبلوماسية الموجهة نحو المقاومة”، التي تشكّل أساس السياسة الخارجية للجمهورية الإسلامية، وقال: الدبلوماسية وحدها لا توصل إلى نتيجة، ولا تُنتج منافع للدولة من العدم، بل تحتاج إلى قوّة وطنية حقيقية تُعبّر عنها وتُنميها وتحميها، ومن أهم مكوّنات هذه القوة ما نسميه بالقوة المعنوية، أي القدرة على صياغة الخطاب والتأثير في الوعي الجماعي.

 

وتابع في هذا السياق مُؤكّداً على أن “خطاب الثورة الإسلامية” و”خطاب المقاومة” من بين أهم الخطابات التي طرحتها الجمهورية الإسلامية الإيرانية على المستويات الوطنية والإقليمية والدولية. مُوضّحاً أن “الدبلوماسية الموجهة نحو المقاومة” تشكل أساس السياسة الخارجية للجمهورية الإسلامية الإيرانية، و”محور المقاومة” هو أحد أبعادها.

 

واعتبر عراقجي أن الشهيد القائد سليماني كان نموذج التجسيد العملي والواقعي للمقاومة، وقد ساهم وجوده الثابت والحكيم على جبهات الدفاع عن إيران والأمة بمفرده في خلق حصن قوي ضد موجات التهديدات والمؤامرات العاتية. وأكمل: لقد أدرك الشهيد سليماني ببصيرة عميقة أن الأمن الحقيقي والدائم لا يتحقق فقط في ظل الجدران العالية ومخازن الأسلحة، بل هو متجذر في إرادات ثابتة يتم تغذيتها وتعزيزها من الإيمان والتضحية، وتتمتّع بالقوة والثبات والصمود أمام كل تهديد ومؤامرة.

 

 “خطاب المقاومة” الذي رسّخه الشهيد سليماني

 

واستطرد عراقجي مُشدّداً على أن هذه الإرادة، المؤسّسة على الإيمان الراسخ والاعتقاد بالحق والعدالة، هي التي تمنح الأفراد والشعوب القدرة على التحمّل والثبات في مواجهة أي قوة ظالمة وأي مخطّط شرير. وأضاف: أن “خطاب المقاومة” الذي رسخه الشهيد سليماني أصبح اليوم قوة جيوسياسية لا يمكن تجاهلها، تحوّلت من ردة فعل إلى استراتيجية فاعلة تعيد تشكيل مستقبل غرب آسيا.

 

ونوّه وزير الخارجية بدبلوماسية الجمهورية الإسلامية الإيرانية، باعتبارها دبلوماسية موجهة نحو المقاومة، مُوضّحاً أنها بذلت دائماً قصارى جهدها لنقل رسالة العدالة، ومواجهة الاستكبار، والدفاع عن حقوق الشعوب المحرومة والمضطهدة -التي تشكّل أساس وجوهر خطاب المقاومة- إلى المجتمع الدولي بلغة دقيقة ومنطقية، وبأسلوب مقنع ضمن إطار مبادئ القانون الدولي.

 

وتابع: اليوم، في هذه المرحلة الحساسة من تاريخ العالم، حيث تحوّل النظام الدولي “القائم على القانون” إلى نظام “قائم على القوة”، وغدا التفكير القائم على “السلام عبر القوة” سائداً على “السلام عبر الدبلوماسية”؛ وبعبارة واحدة، عاد “قانون الغاب” ليتحكّم مجددا في النظام الدولي.

 

وأكد عراقجي على أن الطابع المناهض للهيمنة والداعي إلى العدالة في السياسة الخارجية للجمهورية الإسلامية الإيرانية، يقف اليوم أكثر صلابة ووضوحاً وتأثيراً من أيّ وقت مضى، مُحافظاً على نداء المطالبة بالحق والعدالة، ومواصلاً صموده بوجه القوى المهيمنة القائمة على القوة والاستكبار.

 

كما شدّد وزير الخارجية على أن المقاومة ليست فقط عسكرية، بل تمتد إلى الاقتصاد من خلال الاقتصاد المقاوم، والدبلوماسية المبنية على الثبات وعدم الخضوع للضغوط، والثقافة بالحفاظ على الهوية ومواجهة الغزو الناعم، والعلم والتكنولوجيا.

 

ولفت عراقجي إلى أن الجمهورية الإسلامية الإيرانية ستواصل دعمها الأخلاقي والسياسي لخطاب المقاومة، مُوضّحاً أنه وخلافاً للعديد من التصورات التي ترسم مستقبل المنطقة إنطلاقاً من هيمنة لا مبرر لها للكيان الصهيوني، تُظهر حقائق المنطقة والعالم أن المقاومة قد تحوّلت اليوم إلى واقع جيوسياسي لا يمكن إنكاره، وإلى أحد الأطراف الرئيسية والفاعلة في صياغة النظام المستقبلي لغرب آسيا، والذي يجب أن يستند الى إرادة الشعوب الحرة في المنطقة، واحترام السيادة الوطنية للدول، والعدالة، والتعاون الثنائي والمتعدد الأطراف، لا أن يُفرض بالهيمنة والقوة وفق مخططات القوى خارج المنطقة.

 

وفي سياق تأكيده على الدعم الإيراني الثابت لفلسطين، قال عراقجي: المقاومة الفلسطينية اليوم ليست مجرد ردّة فعل محلية، بل أصبحت لاعباً إقليمياً قادراً على كسر أوهام القوة الصهيونية، وفاعلاً حاسماً ومؤثراً يغير المعادلات الأمنية والسياسية في المنطقة بأكملها.

 

واختتم كلمته قائلاً: مسيرة الشهيد سليماني هي طريق العقلانية، والإيمان، والتخطيط الحكيم، والمقاومة الواعية، وسنمضي قدماً على هذا الدرب، بثقة من إرادة الشعب وعون الله.

 

الشهيد سليماني رمز وتجسيد لـمدرسة المقاومة

 

إلى ذلك، قال مساعد وزير الخارجية رئيس مركز الدراسات السياسية والدولية في وزارة الخارجية سعيد خطيب زاده: إن الفریق الشهيد الحاج قاسم سليماني يُعتبر رمزاً وتجسيداً لـ”مدرسة المقاومة” ولقد حول الشهيد سليماني هذه المدرسة إلى “محور المقاومة” في ساحة العمل، وأنشأ تیاراً في المنطقة لا يمكن القضاء علیه.

 

وفي كلمة ألقاها في حفل افتتاح المؤتمر، أضاف خطيب زاده: إن المقاومة ليست مجرد فكرة مثالية، وليست هدفاً؛ إنها طريقة تفكير وطريقة للتصرف بذكاء ضد المتسلطين والباحثين عن الهيمنة. وتابع: السؤال الذي يُطرح اليوم في الأوساط الدولية المتخصصة هو: لماذا لا يتم القضاء على هذا التیار من خلال تصفية قادته؟ يكمن الجواب في طبيعة هذه المدرسة، مؤکداً أن مدرسة المقاومة هي مثال يحتذى به، ومنهج تفكير، وهدف مقدس، ولا يمكن القضاء علی هذه الحقيقة بالقصف، ولا تعتمد على فرد واحد لينهار مع استشهاد قادتها. وأکد قائلاً: لا يمكن القضاء علی المثل الأعلى المقدس بالرصاص. إن السلاح الرئيسي للمقاومة هو “دم الشهداء”. هذا هو التعبير الخالد للإمام الخميني(رض) الذي قال: “الدم ينتصر على السيف”.

 

وقال نائب وزير الخارجية: إن الدبلوماسية تعد جزءاً لا يتجزأ من هذه المدرسة، ونؤمن بوجود مفهوم يُسمى “دبلوماسية المقاومة” يسير جنباً إلى جنب مع “العمل الميداني”، ويُكمّل العمل الميداني والدبلوماسية بعضهما بعضًا، ويعملان معاً ضمن إطار هدف واحد، ألا وهو ضمان المصالح الوطنية والأمن الإقليمي.

 

المقاومة استراتيجية وخطاب لن ينتهي

 

من جانبه، أكد المدير العام لوكالة الجمهورية الإسلامية للأنباء “إرنا”، خلال الندوة المتخصصة تحت عنوان “دور القائد سليماني في إعادة تشكيل النظام الإقليمي”، المنعقدة ضمن فعاليات المؤتمر الدولي “الشهيد قاسم سليماني؛ الدبلوماسية والمقاومة”، على أن المقاومة استراتيجية وخطاب لن ينتهي مادام الاحتلال قائماً.

 

وأشار حسين جابري أنصاري إلى أن الكثير من التصريحات حول “انتهاء المقاومة” تقوم على قراءات لحظية وسطحية، مُوضّحاً أن المقاومة ليست ظاهرة عابرة، بل نتاج واقع تاريخي وجيوسياسي يعود إلى فترة ما بعد انهيار الدولة العثمانية، ومشروع التوطين الصهيوني في فلسطين بدعم دولي، وقال: في كل مرة أُعلن فيها أن المقاومة انتهت -كما حدث بعد أحداث “أيلول الأسود” عام 1970، أو بعد الاجتياح الصهيوني للبنان عام 1982- عادت المقاومة أقوى وأوسع، من انتفاضة إلى انتفاضة، ومن فصيل علماني إلى حركات إسلامية مقاومة. وهاهي اليوم، بعد 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، تُظهر أن “المقاومة المنهارة” كانت مجرد وهم لدى العدو.

 

ورفض جابري أنصاري الادعاءات التي تنظر إلى المقاومة كـ”أداة” أو “ورقة ضغط” تستخدمها إيران، مُؤكّداً على أن “إيران لم تستخدم المقاومة كأداة، بل رأت في قوتها قوة للإسلام، وفي قضيتها قضية الأمة كلها”. وأضاف: المدرسة التي ينتمي إليها الشهيد سليماني -مدرسة الثورة الإسلامية- أنهت الثنائية المفتعلة بين “الهوية الإيرانية” و”الهوية الإسلامية”، ووحّدت بينهما: قدرة إيران هي قدرة الإسلام، وقوة التشيع هي قوة إيران والإسلام معاً. وأوضح: أن المقاومة لم تقتصر على مواجهة الاحتلال الصهيوني فحسب، بل لعبت دوراً حاسماً في “إنقاذ دول المنطقة من الانهيار”، خصوصاً في العراق وسورية، حين واجهت موجة التطرف المتمثلة في تنظيمات ارهابية مثل داعش، التي وصفها بأنها “ليست إسلامية، بل أداة تدمير بيد القوى الأجنبية”.

 

وخلُص جابري أنصاري إلى أن الكيان الصهيوني اليوم فرض “نظام إقليمي جديد” قائم على إجبار إيران على خوض مواجهة مباشرة باهظة الثمن، لتفريغ استراتيجية المقاومة من مضمونها عبر الإرهاق، وقال: نحن اليوم في مفترق طريق جديد. وعلى إيران، ومحور المقاومة، أن يُظهرا الحكمة والتدبير اللازمين للتعامل مع هذه المرحلة، ويواصلا الدفاع عن كرامة الأمة وحقوق الشعب الفلسطيني، لأن المقاومة بكل أشكالها خيار استراتيجي لا رجعة عنه.

 

وفي ختام كلمته، شدّد مديرعام “إرنا” على أن “الشهيد قاسم سليماني ليس مجرد رمز عسكري، بل تجسيد حي لرؤية جامعة بين الإيمان، المقاومة، والهوية، وستبقى مدرسته مصدر إلهام للأجيال القادمة”.

 

 الهدف النهائي للشهيد سليماني

 

من جهتها، قالت ابنة الفريق الشهيد الحاج قاسم سليماني السيدة “زينب سليماني”، في إشارة إلى قدرة الشهيد على تحليل القضايا الداخلية بدقّة: كان الهدف النهائي للشهيد الحاج قاسم من الدبلوماسية والمقاومة هو “الحفاظ على كرامة الإنسان”.

 

وقالت زينب سليماني، في کلمتها خلال المؤتمر، يوم أمس: إن الشهید سليماني استخدم الدبلوماسية لخلق رادع ضد التهديدات الهيكلية، وكذلك من أجل الحوار والتنسيق السياسي وإدارة الأزمات مع الجهات الفاعلة الإقليمية. وأضافت: على الصعيد المحلي، كانت إحدى السمات البارزة للشهید سليماني قدرته على تحليل القضايا بدقة وفصل التهديدات الاستراتيجية عن الخلافات والتحديات الثانوية؛هذا النهج جعله معروفاً خارج الانقسامات السياسية والحزبية كقدرة وثروة وطنية. وتابعت: إن سلوكه في مرافقة ودعم الأشخاص الذين اختلفوا معه في بعض القضايا؛ ولكنهم واجهوا في بعض الأحيان تهديدات أمنية مشتركة، أظهر فهمه العميق والاستراتيجي للأولويات والمصالح الكلية وقد اكتسب ثقة واسعة النطاق ورأس مال اجتماعي كبير على الصعيدين المحلي والإقليمي من خلال تبني هذا النهج.

 

وأکدت سليماني قائلة: كان الهدف النهائي للشهيد الحاج قاسم من الدبلوماسية والمقاومة هو “الحفاظ على كرامة الإنسان وكان يعتقد أن التهديد لم يكن موجهاً إلى حکومة أو أيديولوجية فحسب، بل استهدف حياة وأمن وكرامة البشر في سياق انهيار الأنظمة السياسية وانتشار العنف المنظم”.

 

وانطلق مؤتمر “الشهيد قاسم سليماني؛ الدبلوماسية والمقاومة” الدولي، الذي يُعقد بالتزامن مع الذكرى السادسة لاغتيال القائد سليماني، وينظّمه مركز الدراسات السياسية والدولية بوزارة الخارجية بالتعاون مع “مكتب الحاج قاسم”، بمشاركة باحثين وإعلاميين إيرانيين وأجانب، ويستعرض أبعاد التفكير الاستراتيجي للشهيد سليماني وتأثيره على التحولات الجيوسياسية في المنطقة.

 

 

المصدر: الوفاق/وكالات