من «الاقتدار في الفضاء» إلى «الرفاه على الأرض»

الوفاق/ رأى وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات الإيراني ستار هاشمي، أن التكنولوجيا الفضائية لم تعد إنجازًا تقنيًا معزولًا أو عنوانًا للقدرة العلمية فحسب، بل تحوّلت إلى أداة عملية لخدمة التنمية وتحسين حياة المواطنين، مؤكدًا أن توظيف الفضاء في إدارة الموارد وبناء أنماط حديثة من الإدارة الذكية أصبح ضرورة ملحّة في مسار التطور الوطني. وأوضح أن المرحلة الراهنة تشهد انتقالًا واضحًا من التركيز على امتلاك التكنولوجيا الفضائية إلى توظيفها المباشر في القطاعات الحيوية، بما يجعل الفضاء جزءًا فاعلًا من الحلول الاقتصادية والإدارية، لا مجالًا نظريًا أو استعراضيًا. وأضاف هاشمي في مقال له في صحيفة «إيران» الحكومية أن ما شهدته البلاد خلال العام الأخير من إجراءات ومشاريع ملموسة، يعكس انتقال الصناعة الفضائية الوطنية من مرحلة تثبيت القدرات التقنية إلى مرحلة توظيفها الصناعي وبناء اقتصاد قائم على التطبيقات الفضاءية، موضحًا أن وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات تقود تحولًا مفاهيميًا واضحًا من منطق «الفضاء من أجل الفضاء» إلى منطق «الفضاء من أجل الأرض»، حيث بات يُنظر إلى الفضاء بوصفه منظومة اقتصادية وإدارية قادرة على الإسهام في معالجة تحديات أساسية تواجه البلاد في مجالات الزراعة وإدارة الأزمات والموارد الطبيعية وسائر القطاعات الإنتاجية والخدمية.

سيد ستار هاشمي

وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات الإيراني

 

وأشار هاشمي إلى أن أحد المرتكزات الأساسية في هذه الاستراتيجية الجديدة يتمثل في تطوير منصات متكاملة لتجارية البيانات الفضائية، مبينًا أن الكفاءات العلمية والتقنية في منظمة الفضاء الإيرانية ومعهد أبحاث الفضاء، ومن خلال بناء تكامل فعّال بين واجهات الاستخدام وبنى البيانات ومحركات المعالجة، تسعى إلى تمكين الشركات الخاصة العاملة في مجال الصور الفضائية ومشغلي أنظمة الاستشعار الجوي، بما يفتح الباب أمام مشاركة أوسع للقطاع الخاص ويحدّ من الدور التنفيذي المباشر للدولة في طبقات تقديم الخدمات.

 

 

ولفت وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات إلى أن هذا التوجه يعكس خطوة جادة نحو تعميم الاستفادة من الفضاء، وتحويله من مجال نخبوّي إلى قطاع يخدم مختلف الفاعلين الاقتصاديين، موضحًا أن «منصة فراز»، وهي منصة وطنية لتجميع ومعالجة البيانات الفضائية، تتيح تحويل صور الأقمار الصناعية إلى أدوات عملية تدعم اتخاذ القرار في قطاعات الزراعة وإدارة الموارد والأزمات، باتت تمثل اليوم المحور الرئيسي لهذا المسار، إذ وفرت عبر دمج طبقات البيانات والمعالجة والتكنولوجيا بيئة عمل تسمح للشركات المعرفية وفرق تطوير خوارزميات تحليل الصور بالاعتماد على البنية التحتية السيادية لإنتاج خدمات ذات قيمة مضافة، في إطار منظومة واحدة تجمع بين الدولة والقطاع الخاص.

 

 

وأوضح هاشمي أن تطوير البنى الرصدية وتقنيات مراقبة الأرض وأنظمة الاستشعار عن بُعد، أتاح إمكانية توظيف البيانات الفضائية بشكل مباشر في مواجهة قضايا واقعية تمسّ حياة المواطنين، مشددًا على أن التكنولوجيا الفضائية باتت تلعب دورًا حاسمًا في التعامل مع تحديات وطنية وعالمية مثل التغيرات المناخية، وإدارة الموارد المائية، والأمن الغذائي، والزراعة، والبيئة، والاتصالات، حيث توفر البيانات الفضائية وتحليلات الاستشعار عن بُعد أدوات دقيقة وسريعة وذات كلفة معقولة لدعم اتخاذ القرار لدى المسؤولين وصنّاع السياسات.

 

 

ونوه هاشمي إلى أن أهمية هذه التقنيات تتجلى بوضوح في مجال إدارة الأزمات، إذ تتيح الأنظمة الفضاءية رصد الحرائق والفيضانات والعواصف الغبارية وتلوث الهواء والجفاف بصورة مستمرة وشاملة، كاشفًا عن تصميم وتنفيذ تسعة أنظمة وطنية للرصد باستخدام الاستشعار عن بُعد، تشمل متابعة التغيرات في الغابات والمسطحات المائية، ورصد المساحات المزروعة للمحاصيل الاستراتيجية المرتبطة بالأمن الغذائي مثل القمح والأرز والشعير والذرة وبنجر السكر، في خطوة تعكس انتقالًا منظمًا نحو إدارة ذكية قائمة على البيانات الدقيقة.

 

 

وبيّن أن الزراعة الدقيقة، باعتبارها من أولويات البلاد الاستراتيجية، لا يمكن تحقيقها من دون الاعتماد على التقنيات الفضائية، إذ يوفّر الاستشعار عن بُعد رؤية شاملة ودقة مناسبة وكلفة اقتصادية، ما يجعله أداة أساسية لرفع الإنتاجية وتقليل استنزاف الموارد وتعزيز الأمن الغذائي. وأضاف: أن قطاع التعدين والجيولوجيا يشهد بدوره اعتمادًا متزايدًا على البيانات الفضائية في تحديد المناطق الواعدة، ومراقبة عمليات الاستخراج، وتقييم الآثار البيئية المترتبة على النشاطات التعدينية. وتابع: أن الاستراتيجية الفضائية الوطنية لا تقتصر على تنمية القدرات الداخلية فحسب، بل تشمل أيضًا تفعيل دبلوماسية تكنولوجية هادفة تتجاوز الحدود، مشيرًا إلى أن توسيع التعاون مع الصناعة الفضائية الروسية، والاطلاع على إمكاناتها الصناعية والبحثية، وتوقيع مذكرات تفاهم تمهّد لعقود تنفيذية، أسهم في فتح آفاق جديدة للتطوير المشترك للأقمار الصناعية والأنظمة الفرعية، والمشاركة في مشاريع فضائية كبرى، ولا سيما المنظومات المدارية الثابتة والمنخفضة.

 

 

وأوضح وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات أن تبادل البيانات وصور الاستشعار عن بُعد، بما في ذلك تسويق صور القمر الصناعي «خيام» وتلبية احتياجات البلاد من مصادر دولية موثوقة، يأتي ضمن هذا الإطار، بما يعزز موقع إيران في سوق البيانات الفضائية ويكرّس حضورها كشريك فاعل في هذا المجال.

 

 

وأكد هاشمي أن الاستثمار في العنصر البشري يمثل الضمانة الأساسية لاستدامة هذه الصناعة الاستراتيجية، لافتًا إلى أن معهد أبحاث الفضاء الإيراني، بوصفه الذراع العلمية والتنفيذية لوزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، يركز حاليًا على استكمال سلسلة القيمة الكاملة للتكنولوجيا الفضائية، بدءًا من نشر الوعي والتثقيف العلمي، وصولًا إلى التطبيقات الصناعية والاقتصادية والخدمات العامة.

 

 

ولفت هاشمي إلى أن إنشاء المركز الوطني لترويج علوم الفضاء يندرج ضمن هذا التوجه، بهدف تعريف الأجيال الجديدة بالعلوم والتقنيات الحديثة، وتعزيز الفهم العام لأهمية الفضاء، وتحويل الاهتمام بالفضاء إلى ثقافة مجتمعية راسخة، مشددًا على أن مستقبل هذه الصناعة لا يمكن تصوره من دون استقطاب كفاءات بشرية واعية ومبدعة وقادرة على الابتكار.

 

 

واختتم وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات بالتأكيد على أن رؤية الحكومة الرابعة عشرة ووزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات للتكنولوجيا الفضائية تقوم على أسس تطبيقية واقتصادية، وتهدف إلى تقديم خدمات مستدامة للمواطنين وللقطاعات التنفيذية والخاصة والصناعية، رغم ظروف الحصار القاسية، مع الاعتماد على التخطيط الذكي وتوظيف القدرات الوطنية. واعتبر أن تشكّل شبكة واسعة من الشراكات المؤسسية، وازدياد الطلب من مختلف الجهات الرسمية على الخدمات الفضاءية، يشكّل مؤشرًا واضحًا على دخول البلاد مرحلة الاستفادة الفعلية من هذه التكنولوجيا، مؤكدًا أن مستقبل التنمية في إيران مرهون بالترابط العميق بين العلم والتكنولوجيا والإدارة الذكية، وأن الفضاء يشكّل أحد أعمدة هذا الترابط ومحركات الاقتصاد الرقمي وحل القضايا الكبرى في البلاد.

 

 

المصدر: الوفاق

الاخبار ذات الصلة