الندوة التخصصية المعنونة «تبيين الروايات والرد على الشبهات حول حرب الأيام الاثني عشر للجمهورية الإسلامية الإيرانية والكيان الصهيوني»، عُقدت اليوم الثلاثاء (30 كانون الأول/ديسمبر)، في جامعة الدفاع الوطني العليا، وذلك بمناسبة الذكرى السادسة لاستشهاد الفريق الشهيد الحاج قاسم سليماني.
وشهدت الندوة مشاركة جمع من أساتذة الجامعات والمفكرين والخبراء في شؤون المقاومة والإعلام، وهدفت إلى تبيين الأبعاد الاستراتيجية لحرب الروايات، ودراسة الحرب الإعلامية والإدراكية التي يشنها العدو ضد الجمهورية الإسلامية الإيرانية.
وفي كلمته خلال الندوة، قال العميد إسماعيل أحمدي مقدم، رئيس جامعة الدفاع الوطني العليا، إن الولايات المتحدة برزت بعد انهيار الاتحاد السوفياتي بوصفها القوة الكبرى، ودخل العالم مرحلة الأحادية القطبية، حيث وسّعت واشنطن تدخلاتها من دون الالتزام بالقواعد الدولية، بل وتجاوزت حتى قرارات الأمم المتحدة ولم تلتزم بالأعراف الدولية. وأضاف أن أحداث 11 أيلول/سبتمبر وما تلاها من غزو للعراق انتهت في المحصلة بانسحاب الولايات المتحدة من المنطقة وقبولها الهزيمة بصورة أشبه بالفرار.
وأشار إلى أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب نفسه يقرّ اليوم بأن بلاده أنفقت آلاف المليارات من الدولارات في المنطقة من دون تحقيق أي إنجاز، مؤكداً أن ما بدا في البداية انتصارات شكلية، تحوّل مع مرور الزمن إلى إخفاقات استراتيجية.
وبمناسبة قرب ذكرى استشهاد الحاج قاسم سليماني، قال أحمدي مقدم: نحيّي ذكرى القائد الشهيد الذي شكّل محوراً أساسياً في مواجهة الهيمنة الغربية في المنطقة، حيث نجح في إفشال مخططاتهم وعملياتهم.
وأضاف أن المنطقة شهدت منذ السابع من أكتوبر تحولات كبرى، وأصبح تراجع القوة الغربية أمراً واضحاً. وتابع أن الحرب الروسية ـ الأوكرانية تمثل نموذجاً آخر، إذ تمكّنت روسيا من الصمود وتحقيق التقدم في مواجهة أوروبا بأكملها، مستشهداً بوثيقة الأمن القومي الأميركي التي تصوّر أوروبا كقارة هرِمة وضعيفة تعاني أزمات متعددة، في حين ظهرت روسيا، التي كان يُتوقع فشلها، بوصفها الطرف المتقدم في الميدان.
وأوضح أن مرحلة أفول ونهاية القوى الكبرى تُعد من أخطر المراحل، لأن القوى المتراجعة تميل إلى سلوكيات أكثر عدوانية في محاولة للحفاظ على نفوذها. ولفت إلى أن وثيقة الأمن القومي الأميركي تشير إلى الرغبة في إنهاء الحروب الممتدة منذ 80 عاماً في المنطقة، موضحاً أن الطاقة، التي كانت السبب الرئيسي للحضور الأميركي، لم تعد تشكّل أولوية، ما يدفع واشنطن إلى السعي لإنهاء النزاعات.
وبيّن أن الوثيقة نفسها تتطرق إلى إيران، مؤكدة أن الولايات المتحدة لن تسمح بأن تتحول القدرات الصاروخية والنووية الإيرانية إلى تهديد لها.
وأشار أحمدي مقدم إلى أن الصراعات بعد السابع من أكتوبر لم تقتصر على فلسطين، بل امتدت إلى مناطق أخرى. وقال إنه بعد الهجمات على لبنان وغزة وفلسطين، ومع التطورات اللاحقة في سوريا، شعر الصهاينة بنشوة نصر مؤقتة، وتوهموا أن الهجوم على إيران سيحقق لهم الانتصار، إلا أن أسطورة «الكيان الذي لا يُهزم» سقطت عند أول مواجهة مباشرة مع إيران.
وأكد أن الهدف الأول للعدو كان تصفية القضية الفلسطينية، إلا أنه فشل في ذلك رغم الدعم الأميركي وعمليات القتل والتدمير الواسعة. وأضاف: كانوا يعتقدون أن الهجوم على الجمهورية الإسلامية سيؤدي إلى انهيارها، لكنه أدى إلى تعزيز الوحدة الداخلية، وتمكنت إيران من العودة إلى ما قبل الهجوم، بل أقوى مما كانت عليه.
وتابع أن مسار التطبيع، الذي كان يشهد تقدماً، لم يتوقف فحسب، بل تحوّل إلى سباق تسلح، حيث أفسح المسار السياسي المجال أمام المقاربات الأمنية.
وأشار رئيس جامعة الدفاع الوطني العليا إلى أنه بعد عامين من المقاومة، لا تزال قوى المقاومة في ذروة قوتها، وأن القضية الفلسطينية مستمرة، في حين تعرض اقتصاد الكيان الصهيوني لضربات قاسية، وارتفعت نفقاته العسكرية، مؤكداً أن كياناً كان يطمح إلى التمدد «من النيل إلى الفرات» بات اليوم محصوراً في هاجس البقاء.
وأضاف أن محور المقاومة في العراق حقق انتصاراً سياسياً بارزاً من خلال الانتخابات، مشدداً على أن الحرب لا تمثل نهاية المطاف، بل إن العالم يشهد اليوم نمطاً من «الحرب المركبة» التي توظف أدوات القانون والإعلام والاقتصاد إلى جانب القوة العسكرية لتحقيق الأهداف، حيث لم تعد القوة العسكرية هي الوسيلة الأولى. واعتبر أن الأسلوب الأميركي في التعامل مع إيران وفنزويلا يقوم على الضغوط الاقتصادية والحرب الإدراكية والضغوط القانونية، وصولاً إلى عمليات عسكرية محدودة واستعراضية، مثل الهجوم الذي استهدف المنشآت النووية الإيرانية.
وأكد أحمدي مقدم أن حرب الروايات باتت اليوم أكثر تأثيراً من السلاح العسكري، موضحاً أن حقيقة المنتصر لا تتضح إلا بعد انقشاع غبار المعركة. وأضاف أن تراجع القوة الأميركية مذكور بوضوح في وثيقة الأمن القومي الأميركي نفسها، مشيراً إلى أن الموقف الإيراني كان منذ البداية دفاعياً، وأن البلاد تخوض اليوم غمار حرب مركبة.
وفي ختام كلمته، أشار إلى أن بنية القوات المسلحة الإيرانية لم تشهد تغييرات جذرية، إلا أن إيران أعادت بناء قدراتها بعد الحرب، وعالجت نقاط الضعف، وأصبحت قادرة على تقديم ردود أكثر حسماً وقوة مقارنة بما قبل حرب الأيام الاثني عشر.