نكبة فلسطين: مأساة شعب وتآمر الغرب وتخاذل العرب

2023-05-17

لندن- د. احمد الزين

يصادف يوم الاثنين في 15 أيار/مايو، مناسبة حزينة وأليمة على أمتنا العربية والإسلامية، هي الذكرى السنوية الـ75 لنكبة فلسطين عام 1948، ذكرى قيام الكيان الصهيوني الغاصب واحتلاله أكثر من 85% من اراضي فلسطينية عام 1948، على اثر المجازر الوحشية التي ارتكبتها عصاباته الصهيونية الارهابية ( أهمها: “الهاغاناه”، و”الأرغون”، و”شتيرن”)، وراح ضحيتها عشرات آلاف الفلسطينيين، وأدت الى تشريد شعب فلسطين ولجوئه الى دول مجاورة عربية وغربية.. ضمن المؤامرة والخطط المعدة سلفا عن سبق الإصرار والتي تجلت بأبشع صور الإرهاب الصهيوني بتدمير 420 قرية وتخويف أهلها وطردهم بالقوة، أو لاذوا بالفرار نتيجة المذابح ونشر الرعب بين الفلسطينين، والذي قُدّر عددهم بـ 800 الف هارب أو لاجىء، والتي كانت بأوامر مباشرة من “بن غوريون” الإرهابي رئيس الوزراء ووزير الحرب آنذاك، وهو ما أكده نورمان فنلكشتاين في كتابه “صعود وأفول فلسطين”.

ودليل آخر ما نقله دومينيك فيدال في كتابه “خطيئة إسرائيل الأصلية” وهي وثيقة تاريخية وشهادة يهودية بأن تلك العصابات الإرهابية ارتكبت أكثر من 90 مذبحة على غرار مذبحة دير ياسين، تحقيقا لنهج دموي قام على سرديّة “أرض بلا شعب لشعب بلا أرض”.

فقد عايش العرب “النكبة”، وما تبعها من حروب ونكسات وهزائم وضياع القدس والضفة وحلّ مكانها ”دولة اسرائيل” اليهودية العنصرية جراء شعور ملوك وأمراء الخليج وقادة العرب في ذلك الزمن المرير والبائس بالجبن والضعف والعجز واليأس وروح الهزيمة والانكسار.. وإلا كيف نفسّر هزيمة كل الجيوش العربية عام 1948 وفي حرب حزيران 1967 على يد جيش تعداده بضعة ألاف بينما الجيوش العربية كانت تُقدر بمئات الألاف في ذلك الوقت..

طبعا هناك جانب من الحقيقة المرّة تتمثل في حبك المؤامرات الخبيثة ولعبة الامم وتقاسم المصالح والغنائم ودعم الدول الغربية والقوى الاستكبارية الكبرى لـ “إسرائيل”، ولعبت الدعاية الغربية والاعلام الصهيوني التضليلي دورا كبيرا في تعظيم قوة “إسرائيل” الكبرى الذين زرعوا في عقول العرب وحكامهم بان جيش الاحتلال الصهيوني هو “الجيش الذي لا يقهر”، وأن دولة “إسرائيل” هي من أقوى وأعتى دولة في منطقة الشرق الأوسط لانها تستحوذ على التفوق التكنولوجي والعسكري والامني والدعم الامريكي والغربي ولا يمكن الانتصار عليها أو هزيمتها ولو اجتمعت كل جيوش الدول العربية.. بينما في واقع الميدان والساحات ثبت بأن هذا الكيان الصهيوني المحتل هو “أوهن من بيت العنكبوت” لانه خسر ست حروب مع العرب (بعد عام 1967) وهي حرب التحرير في لبنان عام 2000، وحرب تموز عام 2006، وحروب غزة عامين 2014 و 2018، ومعركة “سيف القدس” عام 2021، ومعركة “ثأر الأحرار” عام 2023.. بفضل رجال المقاومة وحركات التحرر في لبنان وفلسطين الذين أمتلكوا قوة الايمان والارادة والصبر والعزيمة وتحققت الانتصارات تلو الانتصارات وقُهر الجيش الصهيوني الذي زعموا يوماً أنه لا يُقهر.

عودٌ على ذي بدء، نقول بان نكبة فلسطين ليست حدثا عابرا او خبرا تاريخيا حدث واندثر في حينه، بل هي نكبة ومأساة قائمة وتداعياته مستمرة، ولا تزال فلسطين والامة العربية تعاني حتى يومنا هذا من آثاره ومفاعيله التي انغرست كالخنجر في جسد الوطن العربي.. ولا تزال قادة وملوك العرب، وانظمتهم الخليجية القبلية غارقون بمزيد من التواطؤ والعمالة والتخاذل والتراجع والانكفاء.. والانغماس في مشاريع التطبيع و”صفقة القرن”، والدين الإبراهيمي.. من أجل تصفية القضية الفلسطينية، والتخلي عنها.. في مقابل أماني وطموحات الشعوب الحرّة ومطالباتهم بإتخاذ خيارات وطنية في ممارسة حقوقهم في تقرير المصير التي من شأنها ان تؤدي الى التحرر والاستقلال وما يتبعها من متغييرات وتحولات نحو التكامل الإنساني وارتقاء المجتمعات للوصول نهاية المطاف الى قيم الديمقراطية والحرية والعدالة والمساواة والامن والسلام.

ومما زاد الطين بلة هو حدة الانقسامات والاختلافات والفتن والحروب بين القوى الفلسطينية وقادة الدول العربية التي باعدت آمال العودة واحلام التحرير والنصر من خلال اتفاقيات السلام المزعوم في اوسلو وكامب ديفيد ووادي عربة.. والتي مكنت العدو الصهيوني من تنفيذ مشاريعه التوسعية ومخططاته الاستيطانية وتهويد القدس الشريف وقضم الاراضي العربية بعد نقض كل الاتفاقيات المبرمة، وأدت تداعياتها الكارثية الى إلغاء الهوية العربية والفلسطينية بهدف تغيير التكوين الديموغرافي وطمس حضارة فلسطين العربية. ولا يزال المجتمع الدولي ينكر على الفلسطينيين حق اقامة دولتهم ما لم تقبل دولة الاحتلال بها، وما لم يعترف الفلسطينيون بدولة يهودية عنصرية. ولا تزال فلسطين تشهد النكسة وراء النكسة بسبب تخلي القادة العرب عن القضية الفلسطينية، والتماهي مع المشروع الصهيوني بإقامة دولة إستيطانية عنصرية يهودية على أرض فلسطين، وبناء المستوطنات، وتهويد القدس، ومصادرة الأراضي وهدم البيوت واضطهاد الفلسطينيين، وحرمانهم من أبسط حقوقهم ومقوماتهم والعيش بكرامة من خلال وسائل الاعتقال والقمع والتعسف والإرهاب العسكري من قتل وإغتيالات وإعتقالات، وسنّ التشريعات الصهيونية غير القانونية، وإقامة الجدار العنصري العازل الذي يلتهم 60% من أراضي الضفة الغربية، ومحاصرة قطاع غزة.

ورغم ضبابية المشهد، فان انتفاضات الشعب الفلسطيني في اراضي 48 والضفة الغربية وتعزيز المقاومة في غزة والمناصرين في الشتات تحمل البشرى بالتحرير والانتصار، خصوصا مع قيام الصحوة الشبابية بتكثيف تنفيذ عمليات فدائية بطولية في قلب “تل أبيب” والمدن المحتلة، من اجل إستعادة حقوقهم المغتصبة، وتجدد الامل بالتحرير والنصر بعد معركة “سيف القدس، وإطلاق معادلة “الضفة الغربية درع القدس”، وتفعيل وحدة الساحات، وترابط الجبهات، ومعركة “ثأر الاحرار”.. وتصعيد المقاومة والنضال والكفاح المسلح من أجل تذكير قادة العرب والعالم أجمع بأن مأساة الشعب الفلسطيني ومظلوميته ومعاناته لم تنتهِ بعد منذ اليوم الاول من النكبة عام 1948، يوم سمحت القوى الاستعمارية الغربية بقيام دولة “إسرائيل” الغاصبة على أنقاض أراضي شعب عربي مسالم تم تهجيره قسرا منها، وتشتيته في كافة بقاع الأرض، وللتاكيد على حق العودة غير القابل للتفاوض والمساومة باعتباره حق مقدس لا يسقط مع المعاهدات ولا بالتفاوض ولا بالتقادم! ومن أجل قرع كل الابواب المشرعة للدول الحليفة والصديقة الداعمة في العالم للمساعدة والبحث عن حلول عادلة مستدامة للقضية الفلسطينية تحقق قيم الإنصاف والعدالة والمساواة والسلام الحقيقي مكللة بقيم الإنسانية التي اُغتيلت مع اول كلمات وبنود “وعد بلفور” البريطاني المشؤوم الذي اعطى ما لا يملك لمن لا يستحق، وشرد شعبا في شتات الارض، وحلّ محله مرتزقة مجرمون وشذاذ الافاق من اليهود والصهاينة المستعمرين الذين يحملون معهم عقلية إجرامية متوحشة والتي هي إمتداد جيني لتلك العقلية المتأصلة التي ملكها أجدادهم والذي أخبر عنها الله تعالى في القرآن الكريم القائمة على منهجية القتل والغدر والطعن ونقض العهود والمواثيق وعدم الالتزام بالنصوص والاتفاقيات المبرمة.

ولا يزال الفلسطينيون يدفعون ضريبة الدم وسقوط مئات الشهداء وآلاف الجرحى، نتيحة اعتداءات قوات الاحتلال ‏الاسرائيلي التي لا تتوانى يوميا من اقتحام أحيائهم السكنية وتدنيس المسجد الاقصى وكنيسة القيامة، وتغتال شبابهم وقادتهم وآخرها جريمة إغتيال غادرة أدت الى إستشهاد قادة المقاومة الثلاث مع عائلاتهم، فجر الثلاثاء 9-5-2023، في غزة من خلال قصف منازلهم السكنية الآمنة بالطائرات والمسيرات رغم وجود اطفال ونساء في عملية عسكرية جبانة غير مسبوقة.. بغية إعتقاد حكومة الكيان الصهيوني الخاطىء بان هذه الجرائم التخويفية قد تعيد رد الاعتبار المفقود لديها أو قد تصل الى تقويم صورتها وهيبتها المهشمة وإلتأم رتق بيئتها المنقسمة وترميم معادلة تآكل قوة الردع المنهارة لدى جيشها المؤزوم والمهزوم..

هذه الجريمة المروعة بقتل الاطفال والنساء تندى لها جبين الانسانية وقد ترقي الى جرائم حرب وابادة جماعية وجرائم ضد الإنسانية وإنتهاك جليّ لكل الاعراف السماوية والمقاييس الدولية.. والتي تثبت عن طبيعة العقلية التوحشية للصهاينة وحكومتهم التي تقوم بتنفيد سياسات التصفية والاغتيالات الهمجية والفاشية والعنصرية دون مراعاة أي قيم دينية وإخلاقية وإنسانية.. والتي تظهر عن مدى تعطشهم للقتل بدم بارد وسفك الدماء البريئة وارتكابهم مجازر إرهابية بقتلهم النساء والاطفال والمدنيين عن سبق الاصرار والترصد والتخطيط المسبق.. والتي تكشف عن انتهاكات جسيمة لحقوق الانسان والمرأة والطفل.. والتجرؤ السافر بتحدّي المجتمع الدولي وارتكابهم مخالفات واضحة لقواعد القوانين الدولية ومعايير المواثيق الاممية التي تنص على حماية المدنيين في زمن الصراعات والتوترات والنزاعات.

هذه الطبيعة ‏الإجرامية الصهيونية الكامنة في نفوسهم الخبيثة، تفضح إدعاءاتهم الكاذبة والمضللة بانهم شعب الله المختار، وقد دمغتها الأدلة والبراهين والصور الموثقة لتلك الاعتداءات الاسرائيلية والهجمات ‏الارهابية المتواصلة والمستمرة ضد الشعب الفلسطيني طيلة 75 عاماً، والذي يحاول الكيان الصهيوني وإعلامه المسيس طمسها وإخفائها عبر استهدافهم المقدسيين المرابطين والاعلاميين وقنوات الاعلام المقاوم وإخفاء الصوت الحرّ وتصفية القادة والناشطين والباحثين..

‏ لقد اخذت هذه الجريمة النكراء بعدا إقليميا ودوليا، ولا بد من المطالبة القانونية عبر المنظمات الحقوقية الدولية ومؤسسات الأمم ‏المتحدة بإدانة “إسرائيل” في المحافل الدولية لردعها ومنعها من ‏التعرض للسكان المدنيين الآمنين ووقف الاغتيالات.. لحماية الشعب الفلسطيني في الداخل وفي بلاد الشتات.‏ وأيضا، لا بد من الإلحاح بالمطالبة بتطبيق قرارات الأمم المتحدة الخاصة بالقضية الفلسطينية، ولا سيما القرار الاممي رقم 194، وبالاعتراف الكامل بالدولة الفلسطينية الحرّة القوية المستقلة، ومطالبة المجتمع الدولي بتحمل كافة مسؤولياته السياسية والقانونية والاخلاقية والإنسانية إزاء الشعب الفلسطيني المظلوم، الى حين انتظار اليوم الموعود الذي يُساق فيه المجرمون الصهاينة إلى المحاكم الجنائية الدولية لينالوا القصاص العادل جزاء ما ارتكبوه من اعمال اجرامية ومجازر دموية.

فالزمن لا يُنسي الأوطان، وإن طال الزمان، لأن الأجيال والشباب التي تحمل زمام المقاومة اليوم، وواجب التصدي، والتي اسقطت كل الطروحات المتهاونة والمتخاذلة والمتنازلة، هم من احفاد الجيل الاول من ابناء النكبة الذين هُجروا قسرا من بيوتهم واراضيهم، بالاكراه والارهاب والمذابح التي يتوهم الصهاينة بان قضية تحرير فلسطين ستنتهي وتذوب مع زوال وغياب أجيال النكبة عملا بقاعدة “بن غوريون” المجرم، مؤسس الكيان الصهيوني: “الكبار يموتون والصغار ينسون”.

ان هذه المذابح التي اُرتكبت والجرائم التي وصمت هذا الكيان الارهابي ستبقى حية ونابضة في وجدان الاجيال القادمة وحاضرة في ضمائر الشعوب العربية، الذين لن يقبلوا بأي بديل عن عودة اللاجئين الى ديارهم المغتصبة.. والذين لن يتهاونوا في وأد كافة مخططات التوطين والتهجير والتعويض بديلا عن العودة.. وبدون ذلك لن يكون هناك امن ولا استقرار ولا سلام.. لا لإسرائيل ولا للمنطقة ولا للعالم. والتاريخ شاهد بان الصفقات والمفاوضات لا تعيد حقا ولا ترد أرضا (لان ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة).

والمنطق يحكم ويحتم على جميع الفصائل الفلسطينية العمل الجاد لتوحيد الجهود والمواقف السياسية والرؤى المستقبلية وتعزيز الصمود والثبات على الخيار الاستراتيجي والتحلي بالصبر الاستراتيجي وتبني طريق الكفاح المسلح والمواجهة المفتوحة والمقاومة المستمرة، والتوكل على الله تعالى اولا واخيرا، والارتباط الإيماني مع الله العلي القدير لاكتساب منه قوة الارادة والعزم والعزيمة، والاعتماد على الطاقات الذاتية والخبرات المتراكمة.. والتنسيق والتكامل مع محور المقاومة والممانعة وتوحيد الموقف والساحات والجبهات والاستعداد التام لخوض غمار الحرب الكبرى المنتظرة والتي من ِشأنها إستعادة كامل تراب فلسطين المحتلة..

ولحين ذلك اليوم الموعود بالتحرير والنصر، علينا ان نعلم ونثقف الاجيال الناشئة الجديدة على الالتزام والتمسك بالثوابت اللاءات الثلاثة التي تبناها العرب سابقا في قمة الخرطوم الخاص بجامعة الدول العربية والتي عقدت في عاصمة السودان عام 1967: لا سلام ولا اعتراف ولا تفاوض مع العدو الصهيوني المحتل، وان تترسخ هذه المفاهيم في ذاكرتهم، وان تتبنى الشعارات الثلاث المعاصرة في أدبياتهم وتحركاتهم واعلامهم: “المقاومة الفلسطينية خير مطلق”، و”إسرائيل شرّ مطلق”، و”إسرائيل حتما الى زوال”.

واخيرا، نعتقد يقينا بان السنن الالهية والتاريخية والتجارب البشرية تحتم حكما سقوط أنظمة الظلم والاستبداد والعدوان والاحتلال والطغيان والاستعباد، ولذا نعتقد إيمانا بالوعد الإلهي بحتمية زوال دولة ”إسرائيل“ المعتدية الغاصبة المجرمة من الوجود والى الأبد إن شاء الله.