منذُ بداية العدوان من قبل تحالف العدوان السعودي الإماراتي على اليمن أولت حكومة الإنقاذ الوطني في الداخل اليمني اهتماماً كبيراً لقضية الأسرى، حيث أعلنت اللجنة الوطنية لشؤون الاسرى في اليمن مرات عديدة أنه على الرغم من وجود استعداد يمني لاتمام صفقة تبادل شاملة لجميع اسرى الحرب مع السعودية، إلا أن تعنت الرياض وغرورها يمنعها من الموافقة على عملية من هذا النوع.
وفي هذا السياق فقد سبق وأن صرح عبد القادر المرتضى، رئيس اللجنة في وقتٍ سابق بأن السعودية تحاول بأي طريقة الافراج عن مرتزقتها الموجودين داخل اليمن عبر الوساطات والمنظمات الدولية، مشيراً في الوقت نفسه إلى وجود اسرى اجانب من صفوف المرتزقة داخل اليمن وأن التحالف قام ببيع اسرى يمنيين للسعودية في اكثر من مناسبة وندد المرتضى بالانتهاكات الجسيمة التي يقوم بها التحالف بحق الاسرى وفي مقدمتها عمليات الاعدام والتصفيات الميدانية وعمليات السلخ والذبح الموثقة في وسائل الاعلام والتي لا يستطيع احد انكارها .
من جهةٍ اخرى لطالما أكدت حكومة الإنقاذ الوطني تمسكها بالتنفيذ الكامل لاتفاق تبادل الأسرى، مؤكدة أن الأسرى السعوديين لدى حكومة الإنقاذ الوطني لن يخرجوا إلا بصفقة شاملة، حيث قال رئيس لجنة شؤون الأسرى ، إن “السعودية تتحمل مسؤولية الجمود الذي دخلته صفقة تبادل الأسرى الأكبر منذ بداية العدوان (في إشارة إلى التحالف)”.واتهم المرتضى السعودية بـ”تعطيل تنفيذ صفقات تبادل أسرى محلية”، ” وطالب الأمم المتحدة “بممارسة مزيد من الضغط على السعودية والتحالف لتنفيذ صفقة تبادل الأسرى.
تعنت سعودي
ما زال ملف الأسرى يواجه الكثير من التعقيدات والاتهامات المتبادلة بعرقلة التوصل لتقدم شامل لحل هذا الملف، بينما يستمر المحتجزون وعائلاتهم بتحمّل مزيد من المعاناة والانتظار للم الشمل عاماً بعد عام. وفي هذا السياق تُطرح العديد من التساؤلات هل يمكن أن يشهد هذا العام 2023 انفراجة في هذا الملف ؟ هل يدرك تحالف العدوان أن ملف التبادل الذي يتم التلاعب به هو قضية إنسانية ، وليس قضية سياسية؟ وفي السياق نفسه هل تتحمل الأمم المتحدة والمجتمع الدولي مسؤولياتهم ويطالبون بالضغط للإفراج عن جميع الأسرى والمختطفين وأن يكثفوا جهودهم هذا العام لإخراج جميع الأسرى دون شرط أو قيد؟
في الحقيقة لقد أدت سنوات الحرب المستمرة في اليمن، إلى وقوع الآلاف في دائرة الأسر أو الاحتجاز، ولا يوجد حتى الآن إحصائية رسمية دقيقة بخصوص الأسرى حاليا، ومع ذلك، ما يزال الملف يواجه الكثير من التعقيدات، حيث استمر الآلاف رهن الاحتجاز، وسط اتهامات متبادلة بشأن عرقلة التوصل إلى تقدم شامل لحل هذا الملف. ومن بين العوائق التي أدت إلى عرقلة حل هذا الملف بشكل كامل، هو تسليم كشوفات لأسماء أسرى يقول الطرف الآخر المتمثل بتحالف العدوان بأنها غير موجودة لديه.
ملف الأسرى
حققتْ صفقة تبادل الأسرى الأخيرة، التي تم تنفيذها على ثلاث مراحل خلال الفترة 14-16 نيسان/ابريل، نتائج جيدة على صعيد إمكانية التفاهم على صفقة أخرى، ولاسيما في ظل ما لحقها من مبادرة أحادية واتفاق جانبي بوساطة قبلية، و إطلاق سراح 104 محتجزين يمنيين، وما تلاه من تبادل 14 أسيرًا في محافظة الجوف بين القوات التابعة للتحالف السعودي وحكومة صنعاء بعد يوم واحد من إتمام صفقة تبادل الأسرى التي جرت برعاية المبعوث الأممي الخاص لليمن وإشراف اللجنة الدولية للصليب الأحمر.لقد كان للصفقة نتائج إنسانية؛ إذ تم لم شمل مئات العائلات اليمنية بذويها بعد سنوات طويلة قضاها المحتجزون في الأسر، علاوة أن هذه الصفقة تمثل ثاني أكبر صفقة تبادل أسرى منذ بدء الحرب بعد صفقة تمت في تشرين الأول/اكتوبر عام 2020؛ وتم خلالها إطلاق سراح 1056 أسيرا.مثل نجاح الصفقة الأخيرة خطوة متقدمة تفتح نافذة الأمل لإطلاق سراح جميع الأسرى لدى طرفي النزاع؛ و لاسيما مع اتفاق الطرفين على جولة مفاوضات أخرى في ايار/مايو؛ للاتفاق على صفقة أخرى.
اسهم الاتفاق السعودي الإيراني لاستئناف العلاقات، الذي تم برعاية صينية في العاشر من آذار/مارس في الدفع بقنوات التواصل بين طرفي النزاع في اليمن، وفي مقدمة ذلك توقيع طرفي النزاع على اتفاق تبادل 887 أسيرا في نهاية جولة مفاوضات استمرت عشرة أيام في مدينة بيرن السويسرية خلال اذار/مارس..كما أكد الطرفان موافقتهما على تنفيذ الصفقة المقبلة بناءً على قاعدة الكل مقابل الكل، وعلى الرغم من أن الطرفين يتراشقان المسؤولية إزاء رفض العمل بهذه القاعدة في الصفقة السابقة، إلا أن الأمر ما زال مرهونا بتنفيذ ما تم الاتفاق عليه في الجولة السابعة من مفاوضات ملف الأسرى، على صعيد تبادل زيارات السجون لدى كل منهما للتأكد من وضع الأسرى، وهي خطوة تمثل اختباراً حقيقيًا لمدى الجدية في المضي في استكمال تبادل الأسرى.
أما فيما يتعلق باستكمال المفاوضات بناء على قاعدة الكل مقابل الكل، فالأمر تعوقه إشكالات كثيرة، أبرزها عدم توافر حصر شامل وبيانات كاملة للأسرى لدى كل طرف، وخاصة لدى الحكومة التابعة للجانب السعودي حيث تتعدد فيها السلطات؛ ولدى كل سلطة سجون، كالمجلس الانتقالي مثلا؛ فسجونه لا تخضع لسلطة الحكومة، إلا أنه يبقى تنفيذ تبادل كل الأسرى مقابل كل الأسرى متاحا ومرهونا بصدق النوايا لدى جميع الأطراف بدءاً من أن يشارك في المفاوضات ممثلون لكل السلطات على الأرض أو أن تسلم كل سلطة كشوفات شاملة وحقيقية لجميع أسرى الحرب والمحتجزين لديها لممثلها في المفاوضات؛ علاوة على ضرورة توافر حاجة حقيقية لدى الطرفين لإغلاق ملف الأسرى في سياق حرص حقيقي لطي صفحة الحرب، لأن عدم تقديم بيانات شاملة وحقيقية للأسرى يؤكد أن الرهان على الحرب ما زال قائما جراء انعدام الثقة بين الطرفين، وفي هذه الحالة، لن يتم الوصول إلى صفقة تبادل بناءً على قاعدة الكل مقابل الكل، وسيستمر تراشق المسؤولية حول ذلك بين الطرفين كما في الجولة السابقة؛ لأن السلام ما زال لا يمثل حاجة ملحة لطرفي الصراع، لأن استمرار المراهنة على الحرب ينعكس في توفر رغبة حقيقية لدى كل طرف في استغلال الأسرى ورقة مساومة وضغط سياسي؛ وبالتالي سيحرص كل طرف على ابقاء سجونه مليئة بالأسرى بموازاة عدم إعطاء معلومات شاملة ودقيقة عن واقعهم، ما يجعل مأساة الأسرى قائمة ومستمرة
المفقودون
يتشابك ملف الأسرى في اليمن بملف المفقودين؛ إذ تسببت الحرب في فقد عدد كبير من اليمنيين مدنيين وعسكريين، فهؤلاء لا تعرف عائلاتهم مصيرهم مطلقا، ولم تعترف السلطات بوجودهم في سجونها؛ مع استمرار استخدام الإخفاء القسري جزءا من العقوبة التي تفرضها السلطات التابعة للرياض على عائلات وذوي المفقودين، علاوة أنه ربما قد تم قتلهم سواء في السجون أو غيرها، كما أن كل طرف يعتبر اختفاء مقاتلين من فصيله في ساحة الحرب أنهم صاروا أسرى لدى الطرف الآخر أحياءً أو جثامين، وقبل ذلك الوصول إلى كل المناطق، ما يجعل من ملف المفقودين معاناة أخرى تضاف لملف الأسرى. يضاف إلى ذلك ما يعانيه المحتجزون في السجون التي تمثل وجها آخر من وجوه معاناة المحتجزين في اليمن.
ما يمكن التعويل عليه أن تشهد الأيام المقبلة تطورًا في ملف الأسرى والمحتجزين على صعيدين: الأول تبادل زيارات الجانبين للسجون بناء على اتفاق سابق، والثاني انعقاد الجولة الثامنة من المفاوضات، التي تم الإعلان أنها ستكون في شهر ايار/مايو. وبناء على تحقق الخطوتين يمكن القول إن ثمة تطورا يمكن البناء عليه ولا سيما في حال توقف التصعيد الإعلامي بين اللجان المسؤولة عن الأسرى في الجانبين، كمؤشر يمكن أن نقيس من خلاله مدى صدق النوايا في الانحياز للسلام، فحينها سنفهم أن ثمة نية لاتفاق حقيقي على إنهاء المعاناة الإنسانية للأسرى والمحتجزين، ولاسيما عندما يعلن كل طرف موافقة الطرف الآخر على العمل على إطلاق الأسرى بناء على قاعدة الكل مقابل الكل؛ فالموافقة عليها بشهادة الطرف الآخر تمثل خطوة متقدمة لإطلاق أكبر عدد من الأسرى؛ ما سيمثل نجاحًا يمكن البناء عليه سياسيًا على صعيد المضي في فتح آفاق جديدة لحلحلة الوضع في البلد، وهو الوضع الذي يعاني من التعقيد الذي يتجلى مبتدأ طريقه في اتفاق طرفي النزاع على أن يطلق كل منهما ما لديه من أسرى ومحتجزين دفعة واحدة معلنين كشوفات كل الأسرى في وسائل الإعلام. حتى وإن بقي أسرى مخفيون لدى كل طرف، وما يمثله هذا من إضعاف للثقة بين الطرفين، الا أن إطلاق أكبر قدر من الأسرى، سيمثل خطوة دفع للأمام في سبيل تعزيز اليقين بين الطرفين على صعيد تشكيل لجان تفاوض لحلحلة القضايا الأخرى كالهدنة وما تتطلبه من رفع الحصار وفتح الطرق وصرف المرتبات واستكمال معالجة ما تبقى من ملف الأسرى والمحتجزين مثلاً، وهو ما يتطلب التوقف أمام محادثات صنعاء بين حكومة الانقاذ الوطني والسعودية التي استمرت ستة أيام خلال الفترة 8-13 نيسان/ابريل، وما يمكن أن تسفر عنه على صعيد الجولة التالية منها
في الختام لا يخفى على أحد أن التحالف السعودي الإماراتي ارتكب العديد من قتل وتعذيب الأسرى في سجون العدوان السعوديّ ومرتزِقته وهذا يُعد انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي الإنساني والأعراف الدولية والاتّفاقيات والمعاهدات الدولية التي تنظم شؤون الأسرى وحقوقهم، ومنها اتّفاقية جنيف بشأن معاملة أسرى الحرب المؤرخة في 12 آب/ أغسطُس 1949م، التي تحظر “الاعتداء على الحياة والسلامة البدنية للأسير، وخَاصَّة القتل بجميع أشكاله، والتشويه، والمعاملة القاسية، والتعذيب، وَالاعتداء على كرامته الشخصية، وعلى الأخص المعاملة المهينة وَالحاطة للكرامة “وتبقى هذه الأفعال بحق الأسرى محظورة في جميع الأوقات والأماكن”. فخلال السنوات الماضية رصدت العديد من المنظمات الحقوقية والإنسانية سلسلة من الانتهاكات والجرائم التي يتعرض لها الأسرى في سجون أدوات العدوان ، ولا يمكن تبريرها لانها منهجٌ تسير عليه قوى التحالف وتنفذه ميليشياتها بحق جميع الأسرى.