في بغداد

لوحات لفنانين عراقيين رواد تثير اهتمام المزورين وطمعهم

تُعتبر أعمال رواد الفن العراقي الحديث أولى ضحايا الاتجار والتزوير، التي تعود إلى أربعينيات القرن العشرين وخمسينياته وستينياته.

كحال الآثار القديمة، لم يسلم الفن العراقي الحديث والمعاصر من النهب بعد الغزو الأميركي، ومن التقليد والتزوير كذلك، ما أثّر على سمعة هذا الفن، الذي يُعَدّ من الأفضل والأغلى في المنطقة.

في المتحف الوطني للفن الحديث في بغداد، تُعتبر “الموت للاستعمار” إحدى اللوحات النادرة الأصلية لشاكر حسن آل سعيد، والتي نجت من الفوضى التي اندلعت في العراق بالتزامن مع الغزو الأميركي وبعده، والتي شكّلت فرصة لتعزيز أعمال التقليد والاتجار غير الشرعي بلوحات منهوبة.

وتُعدّ هذه اللوحة، التي أُنجِزت في سبعينيات القرن الماضي، بدرجاتها الغامقة التي تتراوح بين الرمادي والأزرق، إحدى جواهر الفن العراقي، وهي تشهد على العقود المزدهرة للفنون التشكيلية العراقية، عندما كان شاكر حسن آل سعيد مع جواد سليم ومجموعة أخرى من الفنانين يعملون ضمن مجموعة بغداد للفن الحديث.

تشرح الكاتبة تمارا الجلبي، مديرة مؤسسة “رؤيا” للفن المعاصر أن “لأعمال شاكر حسن آل سعيد أهمية كبيرة بالنسبة إلى الفن العراقي الحديث، وحتى بالنسبة إلى الفن في الشرق الأوسط”.

في غرف المزاد، تصل أسعار لوحات الرسام، الذي توفي عام 2004 عن عمر ناهز 80 عاماً، إلى 100 ألف دولار في بعض الأحيان.

وقال نجله، محمود شاكر حسن آل سعيد، لوكالة “فرانس برس” إنّ العائلة، وحرصاً منها على حماية تراث الرسام الراحل، “أدرجت أرشيفاته كاملةً، التي تُقدَّر بنحو 3 آلاف عمل إجمالاً، وهي في صدد إصدار كُتيِّب جديد بالتعاون مع مؤسسة حسنين الإبراهيمي في عمَّان”، معتبراً أنّ هذه الخطوة تُعتبر “حصانة ضد محاولات التزييف”.

ويقول الطبيب الذي يعيش في العاصمة بغداد: “بعد العام 2003 حصلت فوضى في العراق على الصعد كافة، وطالت الفنون طبعاً، وقد أتاحت هذه الظروف الفرصة لبعض ذوي النفوس الضعيفة لمحاولة تقليد الأعمال والإفادة منها مادياً”.

يؤكد الطبيب الخمسيني الذي يتواصل بشكل دائم مع دور المزادات والمعارض الدولية أنّه قام بإيقاف الكثير من محاولات بيع لأعمال مزورة. ويضيف أنّه تمّ رصد عمل مزور في إحدى قاعات العرض في بغداد مؤخراً، وجرى التواصل معها لمطالبتها بإزالة اللوحة، ولكن من دون جدوى.
لوحات بمئات آلاف الدولارات

تُعتبر أعمال رواد الفن العراقي الحديث أولى ضحايا الاتجار والتزوير، التي تعود إلى أربعينيات القرن العشرين وخمسينياته وستينياته، والتي اختفت مع سرقة آلاف القطع من المتاحف والمؤسسات العراقية في العام 2003.

في مجال فني صغير، حيث يعرف الجميع بعضهم بعضاً، تبدو أفضل طريقة لتجنّب عمليات الاحتيال هي التواصل مع عائلة الفنانين أو أصدقائهم، أو حتى الفنان نفسه إذا كان مازال على قيد الحياة، أو مع الأكاديميين والخبراء، للتأكد من أصالة اللوحات.

يقول سلطان سعود القاسمي، جامع التحف في الإمارات العربية المتحدة، إنّ “الفن العراقي الحديث أو المعاصر من أهم مصادر الإنتاج الفني في الوطن العربي”.

وتُعتبر الأعمال العراقية من حيث ثمنها من ضمن “المرتبات العشر للأعمال الأعلى ثمناً في المنطقة”، على ما يؤكد مؤسس مؤسسة “بارجيل” للفنون، وهو متحف في الشارقة يعرض فيه أكثر من ألف عمل من العالم العربي.

ويقول القاسمي لوكالة “فرانس برس” إنّ “بعض الأعمال الفنية العراقية تُباع اليوم بمئات الآلاف من الدولارات”، مستشهداً بأعمال كاظم حيدر وضياء العزّاوي. ويشير إلى أن “المقلدين يلاحظون نتائج المزادات، التي تُشكّل حافزاً لصنع أعمال مزورة بحرفية أعلى وأعلى”.
سمعة الفن العراقي

لا يزال المتحف الوطني للفن الحديث في بغداد، التابع لوزارة الثقافة العراقية، يبحث حتى اليوم عن أعمال مسروقة، بحسب المدير السابق للمؤسسة علي الدليمي.

يقول الدليمي: “قبل العام 2003 كان لدينا 8 آلاف عمل، واليوم يوجد نحو 2000”. ويشير إلى أنّ “التحديات ما زالت كثيرة. فقبل 2003 لم تكن لدينا تقنية في حفظ الأعمال، كان التوثيق كتابياً فقط، ولذلك لا نستطيع حالياً أن نطالب بتلك الأعمال لأنها غير موثقة لدينا”.

وفي العام 2017، وبسبب “خلاف حول الملكية”، أعلنت دار “كريستيز” أنها ستسحب من المزاد في دبي لوحة رسمها فائق حسن عام 1968، ورغم ذلك لم تتمّ إعادة اللوحة إلى العراق. أوضحت نائبة عراقية حينها أن هذه اللوحة ربما عرضت في نادٍ تابع لوزارة الدفاع قبل تهريبها إلى الخارج.

ويطالب الناقد الفني صلاح عباس المؤسسة الحكومية الثقافية باللجوء إلى قضاة وقانونيين لِسَنّ القوانين لمواجهة ظاهرة تقليد الأعمال الفنية وتزويرها. ويقول: “في العراق نعيش صخب السياسة، لا توجد أية حماية للعمل الفني، مما حجب سَنَّ قانون يحدّ من ظاهرة التزوير”.

في معرضه الأنيق، يأسف حيدر هاشم ناجي من “كثرة تزوير الأعمال الفنية”، ملاحظاً أنّ هذه المسألة “أثّرت سلباً على سمعة الفن العراقي”.

ويؤكد صاحب المعرض البالغ 54 عاماً، أنّ “المزورين يختارون أحياناً عملاً قديماً ويرسمون عليه، أي أنّ الخشبة مثلاً تكون قديمة، والقماش أيضاً”.

وعُرِضَ على حيدر هاشم ناجي أخيراً أن يعرض لوحة منسوبة إلى الرسام المشهور حافظ الدروبي، المتأثّر بالتكعيب، كان صاحبها يأمل في بيعها بـ40 ألف دولار، لكنّ صاحب المعرض رفض بكل ديبلوماسية من دون الإفصاح عن دوافعه الحقيقية للرجل.

ويروي ناجي أنّه “كان عملاً مزوَّراً بتقنية عالية”، مشيراً إلى أنّه اعتذر عن عدم تسلّمه.

المصدر: الوفاق/ وكالات