أثار قرار البنك المركزي التركي رفع أسعار الفائدة للشهر الثاني على التوالي بنسبة 2.5 نقطة مئوية ليصل إلى 17.5٪ قلقًا بين المحللين حيث يبدو أن صناع السياسات يفضلون تحقيق النمو الاقتصادي على حساب مكافحة التضخم، و كانت التوقعات الشائعة بين الشركات المحلية أن ترتفع الفائدة إلى 20٪، وذلك وفقًا لاستطلاع أجراه البنك المركزي قبل اتخاذ قراره الخميس الفائت.
*إشارة للإلتزام التقليدي في مكافحة التضخم
تشكل هذه الزيادة في معدل الفائدة إشارة أخرى لتجديد سياسات تركيا الاقتصادية بعد إعادة انتخاب الرئيس رجب طيب أردوغان في مايو/آيار الفائت، حيث أعلن وزير المالية الجديد محمد شمشيك عزمه على استعادة السياسات “المنطقية” بعد سنوات من التدابير الغير تقليدية التي اتبعها أردوغان، بما في ذلك الإصرار على الحفاظ على أسعار الفائدة منخفضة، مما أدى إلى زيادة التضخم بشكل متسارع وتكبير العجز التجاري. وتم اختيار حفيظة أركان التي عملت سابقا في وول ستريت لتولي قيادة البنك المركزي في يونيو/ حزيران و التي قامت سريعًا برفع معدلات الفائدة من 8.5٪ إلى 15٪، وأعلنت يوم الخميس الماضي أن البنك المركزي قرر أيضًا “اتخاذ قرارات بشأن التشديد النقدي و التشديد الائتماني لدعم سياسة النقد”
*تغيير في سياسات تركيا الإقتصادية
وعلى الرغم من أن رفع معدل الفائدة يعتبر خطوة في الاتجاه الصحيح، إلا أن العديد من المحللين أعربوا عن قلقهم من أن صناع السياسات يتحركون ببطء شديد، خصوصاً أن معدل التضخم يتجاوز ما يقرب من 40٪، و الذي يثير القلق أيضا أن أردوغان الذي يعتبر معارضًا مستمرًا لأسعار الفائدة المرتفعة، و قد يتدخل قبل الانتخابات المحلية الهامة في وقت مبكر من العام المقبل للحد منها، حيث قال “ليام بيتش” من “كابيتال إيكونوميكس” في لندن: “من غير الممكن التباطؤ في الإجراءات كما فعلوا، و لا يزال هناك فجوة كبيرة بين معدلات الفائدة ومعدلات التضخم وهو ما يقرع جرس الإنذار”
* خطورة التضخم وضعف الليرة
مع هذه الخطوات يعتقد بعض المحللين أن البنك المركزي يسعى إلى “تشديد تدريجي لتجنب الركود قبل انتخابات المجالس المحلية في مارس/ اذار 2024″، و ذلك حسبما قال فاتح أكشليك المحلل في بنك “جي بي مورغان”، و توقع أيضا البنك الأمريكي “بنك أوف أميركا” الآن أن ينمو الاقتصاد التركي 4٪ هذا العام، مقارنة بتوقعاته السابقة التي كانت تبلغ 3.2٪. منذ مدة قصيرة، حيث اتخذت تركيا سلسلة من التدابير الأخرى تهدف إلى تبريد الطلب المحلي وإعادة ملىء خزائن الحكومة التي تم استنفادها بسبب العطايا الكبيرة التي قدمتها قبل الانتخابات وجهود إعادة بناء المنطقة الواسعة في جنوب البلاد التي دمرها الزلزال في فبراير/شباط الفائت ،و كذلك قامت الحكومة بمضاعفة ضرائب البنزين مؤخرًا بعد زيادة ضرائب القيمة المضافة على مجموعة واسعة من السلع والخدمات، كما اتخذت أنقرة خطوة إلى الوراء في الدفاع عن الليرة التركية، مما أدى إلى استنفاد احتياطيات العملة الأجنبية للبلاد، و تراجعت قيمة الليرة مقابل الدولار منذ بداية يونيو/حزيران لتصل إلى مستوى قياسي منخفض يبلغ 27 ليرة تركية مقابل الدولار، و يتوقع الاقتصاديون أن تؤدي الليرة الضعيفة، التي تجعل الواردات أكثر تكلفة، بالإضافة لإرتفاع الضرائب إلى تفاقم التضخم. و وفقًا لاستطلاع أجراه البنك المركزي، يتوقع رجال أعمال محليون ارتفاع معدل التضخم من حوالي 38٪ في يونيو إلى 45٪ بنهاية هذا العام. وقال “بنك أوف أميركا” هذا الأسبوع إنه يتوقع أن يصل التضخم إلى 65٪ بحلول مايو/آيار 2024.
*اردوغان يتوجه للخارج
وفي إطار سعيه لإنقاذ الإقتصاد التركي و دعم الليرة المتهاوية وجذب المزيد من الاستثمارات، قام أردوغان بزيارة عدة دول في منطقة الخليج الفارسي، و قد نجح في إبرام اتفاقات تجارية ومالية مع عدة دول كالإمارات و السعودية، كما أبدى مؤخرا استعداده لإصلاح علاقاته مع الولايات المتحدة و الغرب أيضا. و يهدف هذا التوجه إلى تحسين صورة تركيا كشريك اقتصادي وسياسي، بهدف تأمين مصادر جديدة للتمويل والتبادل التجاري، خصوصًا في ظل انخفاض احتياطات بلاده من العملات الأجنبية والضغط على قطاعها المصرفي.