محور التعاون الأوروبي مع آسيا الوسطى
يرى محللون أوروبيون أن هناك تغيرًا لا يُستهان به في المنطقة، يُقدم للغرب وأوروبا فرصة نادرة، لذا في الأشهر والسنوات المقبلة، يمكن للاتحاد الأوروبي أن يخطو خطوات كبيرة نحو تحقيق جميع أهداف سياسته الخارجية، لأن تعميق العلاقات مع شعوب آسيا الوسطى سيعزز الدور الأوروبي في مواجهة نفوذ القوى الكبرى ، حيث تسعى بعض الجمهوريات السابقة للاتحاد السوفيتي في آسيا الوسطى لإيجاد تحول في التوجهات الإقليمية،و تعتبر الطاقة أحد المحاور الهامة في التعاون بين أوروبا آسيا الوسطى، وقد توصلت القارة الخضراء إلى استنتاج أن المنطقة ليس لها مكانة في أي هيكل أو منظمة أوروبية أو غربية كمتعاون رئيسي في المشاريع الجيوسياسية الكبرى، وأن أي استراتيجية لزيادة نفوذ أوروبا في المنطقة يجب أن تستند إلى المصالح المتبادلة وبشكل أساسي من خلال التعاون الاقتصادي، وأن أوروبا يجب أن تنظر إلى المسألة من منظور عملي وأن تكون الشريك الأكثر جاذبية للمنطقة.
و أحد المجالات التي تثير اهتمامًا متبادلاً بحسب المحللين الأوروبيين، هي الطاقة، وفي المدى القصير، و من وجهة نظرهم، يجب على الأوروبيين زيادة قدرتهم على استيراد النفط والغاز من المنطقة، وهذه المنطقة يمكن أن تصبح مزودًا ذا قيمة محتمل للطاقة غير الروسية، على الرغم من أن هذه الفرصة محدودة حاليًا بسبب اعتماد المنطقة على البنية التحتية التابعة للاتحاد الروسي.
التحولات في آسيا الوسطى وتأثيرها الإقليمي
لطالما لعبت دول آسيا الوسطى دورًا مهمًا في منطقة أوراسيا والتفاعلات بين قارتي آسيا وأوروبا العتيقتين، وكانت واحدة من الممرات الحيوية للتبادلات التجارية بين شرق آسيا والعالم. وأدت أزمة أوكرانيا إلى فصل جديد في تحولات هذه المنطقة، حيث كان قادة خمس دول في المنطقة نسبيًا متماسكين في امتناعهم عن دعم العدوان على أوكرانيا، وكان لديهم نهج موحد، وعلى الرغم من أنهم حاولوا تجنب أي انتقاد لروسيا، إلا أنه لم يعلن أحد منهم علانية عن دعمه للحرب. بالإضافة إلى ذلك، لم يصوّت أي من الخمس دول بالسلب على قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة الذي يدين “العدوان” على أوكرانيا، وذهب بعضهم إلى ما هو أبعد من ذلك، وأرسلوا مساعدات إنسانية إلى أوكرانيا، وسمحوا باحتجاجات مناهضة للحرب وروسيا. لكن الأمر المهم كان أن قاسم جومارت توكائف، رئيس كازاخستان، رفض بشكل مدهش، في حضور فلاديمير بوتين، الإعتراف باستقلال جمهوريات دونتسك ولوغانسك.
الفرص و التحديات
لا يخفى على أحد أن بعض الجمهوريات السابقة في الاتحاد السوفيتي في آسيا الوسطى تتحرك باتجاه إيجاد تحالفات جديدة و تحول في السياسات، على الرغم من أنها كانت موطنًا لنفوذ روسيا، حيث كانت روسيا ضامنًا للأمن في المنطقة إلى حد ما من خلال منظمة معاهدة الأمن الجماعي، ولعبت العلاقات الاقتصادية التقليدية دورًا مهمًا أيضًا، لكن بعد الهجوم على أوكرانيا، تم التشكيك في هذا الدور، وأصبح اقتصاد روسيا، الذي يخضع لعقوبات غير مسبوقة، أقل جاذبية.
و من جهة أخرى تدرك بكين أيضًا الأهمية الكبرى لهذه المنطقة بالنسبة للصين، حيث أعلنت الصين أن آسيا الوسطى هي المنطقة الوحيدة للتعاون الاستراتيجي حول الصين، و وصف التعاون مع كازاخستان قد بأنه رسمي و دائم منذ عام 2019، و من المحتمل أن تكون الصين تفكر في المستقبل وتحاول التأثير ليس فقط على القادة الحاليين لجمهوريات آسيا الوسطى، بل أيضًا على أولئك الذين سيحلون محلهم. بالطبع، فهو جيل جديد لم يكن لديه علاقة وثيقة بروسيا، وفي كثير من الحالات هم قوميون جدًا، يتحدثون بلغتهم الأم، ومن المحتمل أن يكونوا أكثر اهتمامًا بالاستماع إلى طموحات تركيا والرئيس أردوغان من المحافظة على أي نوع من العلاقات مع روسيا. لذلك يجب القول إن منافسة بكين على النفوذ في آسيا الوسطى لم تعد مع روسيا، بل مع النفوذ التاريخي والثقافي لإيران وتركيا. وهذه الدولتان لديهما نفوذ ثقافي وديني أكبر بكثير من الصين؛ على الرغم من أن الصين لديها نفوذ مالي واقتصادي لا يقارن بصرف النظر عن التكتيك.