المشهد الحسيني في القاهرة موضع التقاء عشاق آل البيت (ع)

المصريون يتفردون في إحياء ذكرى نقل الرأس الشريف للإمام الحسين (ع)

أصبح الإمام الحسين(ع) بكرامة الشهادة وكرامة البطولة وكرامة الأسرة النبوية معنى يحضره الرجل من صدره وهو قريب أو بعيد من قبره، وأنّ هذا المعنى موجود في القاهرة و عسقلان ودمشق والرقة وكربلاء والمدينة وكل أرجاء العالم

2022-11-29

الوفاق/ خاص

عبير شمص

كيف وصل رأس الإمام الحسين (ع) إلى مصر؟ تعددت الآراء حول المكان الذي دفن فيه رأس الإمام الحسين (ع) ما بين بلاد الحجاز والعراق والشام وبيت المقدس ومصر، وتأرجحت بين المدينة وكربلاء والرقة ودمشق وعسقلان والقاهرة، إلاّ أن المصريين تفردوا بإحياء تلك الذكرى كل عام فى الأسبوع الأخير من شهر ربيع الثانى.

نقل الرأس الشريف إلى القاهرة

يقول المقريزي في كتابه (الخطط المقريزيّة) : “نقلت رأس الحسين(ع) من عسْقلان إلى القاهرة سنة 548 هـ (1153 م ) وكان الذي وصل بالرأس الشريف من عسْقلان الأمير سيف المملكة “تميم” واليها من قبل الخليفة الفاطميّ، وذلك خوفاً من الحملات الصليبية على بلاد الشام، فبعد محاصرتهم مدينة عسْقلان  خشي الفاطميون على الرأس الشريف فنقلوه إلى مصر وكان ذلك  قبل دخول الصليبيين واستيلائهم على مدينة عسْقلان.

أمر الخليفة الفاطمي بحفْظ الرأس الشريف في أحَد سراديب قصر الزمرد، إلى أن تمّ بناء مشهد لها بالقرب من الجامع الأزهر الشريف وذلك في عام 1154 م / 549 هــ، وهو المشهد الحسيني الموجود حالياً، وهو يقع في حي الحسين بالقاهرة الذي سمي بهذا الإسم نسبةً إلى الإمام، ويتمتع الحي بشهرة فريدة في قاهرة المعز، حيث يلجأ إليه من كل دول العالم عشاق التراث الإسلامي، إضافةً إلى أن المسجد وما استمده من عبق التاريخ جعله ذو مكانة فريدة في مصر، ويوجد بالقرب من المسجد  “الجامع الأزهر” وهو أول جامع بناه الفاطميون في مصر، وبالقرب منه شارع المعز لدين الله الفاطمي الذي يحتوي على آثار فاطمية ومملوكية وعثمانية تمثل كنزًا من فن العمارة الإسلامية ويُعد مزاراً للسائحين من الجنسيات المختلفة.

استقبال المصريين للرأس الشريف

ذهب الأمير الأفضل ابن قائد الجيوش بدر الدين الجمالي إلى عسقلان ووقف على قبر الإمام الحسين(ع) حتى استقر عند الرأس الشريف فحمله على صدره من عسقلان في يوم الأحد الثامن من جمادى الآخرة ليصل يوم الثلاثاء العاشر من نفس الشهر الموافق العام 548 هجرية الموافق 31 أغسطس عام1153 ميلادياً، وقد سار به في موكب مهيب تقشعر له الأبدان ويعتز به كل فخور فرحاً بنقل الرأس الشريفة إلى مصر المحروسة التي كانت وستظل إلى أبد الآبدين كنانة آل بيت رسول الله في الأرض.

وفي اليوم المشهود خرج السلطان الفاطمي الفائز بصحبة وزيره الصالح طلائع بن زريك لاستقبال الرأس الشريف عند مدخل مدينة الصالحية وقد اتخذت مصر زينتها وتهيأت وتعطرت وارتدت ثوب الفرحة واكتست بوشاح السرور وعلى كل باب أضيأت المصابيح استقبالاً لشرف الرأس الحسيني وابتهاجاً بتشريفه الديار المصرية ..

وما مرت الرأس الشريفة بقريةٍ أو بلدة إلا واستقبلها المصريون بالورود والعطور والفرح والبشر والسرور، ومن كرامات وصول الرأس الشريفة انتشار رائحة المسك منها في كافة الأرجاء التي مرت بها حتى أن الحارة المجاورة لمسجد الصالح طلائع والتي مرت بها الرأس الشريفة لتدخل ساحة المسجد التي دفنت بها، استنشق أهاليها عبير المسك فى بيوتهم وأمتعتهم، ومنذ تلك اللحظة وحتى يومنا هذا يطلق عليها الجميع حارة المسك.

بناء المقام الشريف

تمّ بناء مقام الرأس الشريف بالحجر المنحوت، وهو يضمّ ثلاثة أبواب مبنيّة بالرخام الأبيض، يطلّ أحدها على “خان الخليلي”، ويوجد باب آخر بجوار القبّة ويعرف بــ”الباب الأخضر”. في بداية الأمر لم يكن هناك مسجد بجوار الضريح، ولكن الأمراء والحكّام تسابقوا في عمارة الضريح وما حوله حتى تحوّل إلى مسجد وزادوا في مساحته حتّى وصل إلى شكله الحالي، فنمَت عمارته وزَخرفته، وأُضيئت قاعاته وطرقاته وممرّاته، وفُرشت أرضيّاته بالسجاجيد النفيسة.

يوجد الآن داخل الضريح حجرة التابوت التي بها الرأس الشريف، ولقد وضع الرأس داخل التابوت على كرسي من خشب ” الأبنوس” ، وهي في برنسٍ أخضر، و حولها نصف أردب(مكيال مستخدم في مصر منذ زمنٍ طويل) من الطّيب لا تنضب رائحته. أمّا التابوت فهو مصنوع من الخشب السّاج الهندي… حالياً لم يتبقَّ من المشهد الفاطمي للإمام الحسين(ع) سوى أحد أبوابه وهو المعروف باسم “الباب الأخضر” ويقع بالقرب من الركن الجنوبي للضريح، وهو يعدّ أقدم أجزاء البناء ويرجع تاريخه إلى تاريخ بناء المشهد الشريف في العهد الفاطمي.

وقد اهتم حكام مصر من بعد الفاطميين بمرقد رأس الإمام الحسين(ع)، بدايةً من الأيوبيين الذين هدموا قصور الفاطميين وأقاموا من حول المرقد المدارس والتكايا، ونهاية بالخديوي اسماعيل حفيد محمد علي الألباني الذي هدم المدارس وما حول المرقد وأقام المسجد الحالي الكبير الذي تمت توسعته في عهد عبد الناصر ليصبح بصورته الحالية.

  الروضة والمسجد

لقد وصف الرحالة ابن جبير المشهد الشريف سنة 578هـ/1182م فقال «إنّ هذا المشهد العظيم الشأن الذي بمدينة القاهرة حيث رأس الحسين بن علي بن أبي طالب (ع )، هو في تابوت من فضّة مدفون تحت الأرض قد بنيَ عليه بنيان جميل يقصُر الوصف عنه ولا يحيط الإدراك به، مجلّل بأنواع الديباج محفوف بأمثال العمد الكبار شمعاً أبيض….. قد وُضِع أكثره في أنوار فضّة طالعة ومنها مذهّبة، وعُلّقت عليه قناديل فضّة، وحُفّ أعلاه كلّه بأمثال التقاحيح ذهباً في مصنع شبيه الروضة يقيّد الأبصارَ حُسناً وجمالاً، فيه من أنواع الرخام المُجزَّع الغريب الصَّنعة البديع الترصيع ممّا لا يتخيّله المتخيّلون، والمدخل إلى هذه الروضة على مسجد مثالها في التأنّق والغرابة، وحيطانها كلّها رخام على الصفة المذكورة، وعن يمين الروضة المذكورة وشمالها، وهما أيضاً على تلك الصفة بعينها، والأستار البديعة الصنعة من الديباج معلّقة على الجميع».

احتفال خاص بأهالي المحروسة

كما أشرنا يقيم المصريون احتفالين بالامام الحسين (ع) الأول بميلاده الموافق 3 شعبان من العام الهجري، والثاني في ربيع الثاني، وتمتد تلك الاحتفالات لمدة أسبوعين، ويفد الآلاف من أحباء آل البيت إلى القاهرة قادمين من جميع محافظات مصر.

أجواء الاحتفالات في مصر تبدأ قبل اليوم المحدد بحوالي عشرة أيام يبدأ خلالها أصحاب الطرق الصوفية والمحبين بإقامة الخيام والولائم (الخدمات)، لاستقبال وإطعام ضيوف الإمام، حيث لا يقتصر تقديم الطعام على أبناء القاهرة، بل يشارك فيه مواطنون جاؤوا من أقاليم االبلاد المختلفة ، لتقديم ما يستطيعون، حسب قدرة كل منهم، ابتغاءً لرضى الله، ومحبةً لآل بيت رسوله الكريم.

يكتظ في ليلة الاحتفال حي الحسين في القاهرة الفاطمية بمريدي الإمام(ع) ومحبيه الذين يأتون من كل ربوع مصر، بمختلف طبقاتهم الاجتماعية والعمرية، ويجمعهم عشق الحسين وآل بيت الرسول في وسطية لا تعرف التشدد ولا الغلو.
ويرجع تاريخ هذه الاحتفالات في مصر إلى العصر الفاطمي، حيث كان للخلفاء الفاطميين أعياد ومواسم على مدار العام، وهي مواسم رأس السنة، وأول العام، ويوم عاشوراء، ومولد النبي محمد، ويتم إحياؤها بالاجتماع وأكل الطعام وتعليق الزينة وإظهار الفرح والسرور.
وأقيمت الموالد للمرة الاولى في خلال في العام 922 هجرية، وذلك في عهد السلطان المملوكي قانصوه الغوري، ولكن أُلغيت في العام التالي عندما دخل العثمانيون مصر، قبل أن تعود مرة أخرى.

للحسين (ع)، ومسجده، وضريحه، ومشهده، منزلةً خاصة ًفي نفوس المصريين، يَسعون إليه من القرى النائية، والمدن القريبة والبعيدة، تَنتظم حوله الحياة في أجمل مشاهدها، يفيض المكان بالطمأنينة، والسكينة، والرضا. حيث يلجأ الناس إليه للدعاء، وكثيراً ما نرى داخل المسجد(المشهد الشريف) مَن يقوم بإيقاد الشموع لـ«سِيدنا الحسين» بعد شفاء مريض له، أو بعد خروجه من أزْمة ما.

ختاماً يقول الكاتب عباس العقاد: “للتاريخ اختلافات كثيرة نسميها بالاختلافات اللفظية أو العرضية لأن نتيجتها الجوهرية سواء بين جميع الأقوال،  ومنها الاختلاف على دفن مكان دفن الرأس الشريف، فأياً كان الموضع الذي دفن به فهو في كل موضع أهلٌ للتعظيم والتشريف، وإنّما أصبح الإمام الحسين(ع)  بكرامة الشهادة وكرامة البطولة وكرامة الأسرة النبوية معنى يحضره الرجل من صدره وهو قريب أو بعيد من قبره، وأنّ هذا المعنى لفي القاهرة وفي عسقلان وفي دمشق وفي الرقة وفي كربلاء وفي المدينة، وفي غير تلك الأماكن سواء..”.

الاخبار ذات الصلة