هذه النتائج الاقتصاديّة والسياسيّة الضّخمة، والمُتّفق عليها مُسبقًا بين الرئيس الأمريكي وحُلفائه القُدامى والجُدد، جاءت لتصبّ في مصلحة الولايات المتحدة، ومُحاولة لإنقاذ، أو وقف تدهور حُظوظ زعامتها للعالم، ولجم الصّعود الصيني على الصّعد كافّة، والتّحشيد لجبهةٍ جديدةٍ مُوسّعةٍ ضدّ روسيا في حرب أوكرانيا.
غِياب الرئيسين الصيني تشي جين بينغ، والروسي فلاديمير بوتين عن هذه القمّة كان مدروسًا بعنايةٍ فائقة، لأن الحُضور يعني إعادة تتويج بايدن رئيسًا لأمريكا في الانتخابات الرئاسيّة المُقبلة، وإعادة تعزيز زعامة القُطب الواحِد للعالم التي تآكلت في الأعوام القليلة الماضية، لمصلحة الثّنائي الصيني الروسي. واستِثناء العِراق وسورية ومِصر وتركيا وإيران من مُرور هذا الكوريدور الاقتِصادي من أراضيها لم يكن عشوائيًّا، واستِبعادها كان مُتعمّدًا، لأن مُعظمها أقرب إلى المحور الصيني الروسي، وتملك مُعظمها تاريخًا عميقًا للعداء للغرب، بحُكم العقيدة الإسلاميّة، والإرث الامبراطوري التاريخي المُمتَد لعدّة قُرون.
الرئيس بايدن كان مُحِقًّا عندما قال إن الاتفاق على إنشاء هذا “الكوريدور” سوف يُغيّر قواعد اللّعبة، لأنّه سيُؤدّي إلى إنشاء خُطوط سكك حديد، وربط الموانئ البحريّة لتعزيز التّبادل التجاري، وتسهيل مُرور البضائع، ودعم جُهود تطوير الطّاقة النظيفة، ولكنّه لم يقل، أيّ بايدن، في الوقتِ نفسه، أنه سيُتوّج كيان الاحتِلال زعيمةً لمِنطقة الشرق الأوسط، ويُخرجها من جميع أزماتها الرّاهنة والقادمة.
الرئيس التركي رجب طيّب أردوغان الذي كان حُضوره “مُهمّشًا” في قمّة العشرين الأخيرة، قال بعد عودته إن تركيا هي الخط الأكثر مُلائمة لحركة المُرور من الشرق إلى الغرب، في مشروع الممر الاقتِصادي بين الهند وأوروبا عبر الشرق الأوسط، وربّما يقف هذا الوعي التركي المُتأخّر لخُطورة هذا المشروع خلف اللّقاء الحار بينه وبين الرئيس المِصري عبد الفتاح السيسي على هامِش القمّة. ومِصر ومُعظم دول الشرق الأوسط والاتحاد المغاربي، والجزائر خصّيصًا، ناهِيك عن الشعب الفِلسطيني، ستكون المُتضرّر الأكبر من هذه المنظومة الاقتصاديّة السياسيّة الجديدة التي تتزعّمها الولايات المتحدة، وبالتّنسيق مع دولة الاحتِلال. وقناة السويس التي تدرّ أكثر من عشرة مِليارات دولار سنويًّا على الخزينة المِصريّة ستكون أبرز الضّحايا، وستَفقِد 22 بالمِئة من حجم التجارة عبرها مُنذ اليوم الأوّل لتدشين هذا المشروع الذي سيمرّ من فوقها باتّجاه ميناء حيفا.
د.ح