تعرض بعض الأعمال الدرامية طرائق التعليم التي كانت سائدة في أزمنة سابقة، فمنذ سنوات بعيدة نسبياً كان الطلاب الذكور حصراً يتحلَّقون حول الشيخ في الجامع ليعلِّمهم حفظ القرآن والقراءة والكتابة بطريقة التلقين، وفي يده عصا تلوِّح للمقصرين بعواقب تقصيرهم، ثمَّ مع تطوُّر أساليب الحياة حظي التعليم بنصيبه من التطور أيضاً، فأُنشِئَت مراكز مُخصَّصة لنشر العلم، وظهر أشخاص متخصصون بتقديم المادة التعليمية، وبدل التهديد والعصي أصبح لدينا تحفيز وتشجيع وروح تنافسية عالية.
اليوم في عصر التكنولوجيا ووسائل الاتصال الحديثة نالت العملية التعليمية أيضاً نصيبها الوافر من الاهتمام، والذي كان سبباً في زيادة التحصيل العلمي للطلبة، وتحبيبهم بالعلم، وتشجيعهم على نيله، والأهم من ذلك مراعاة الفوارق الفردية بين الطلبة من خلال طرائق التدريس الحديثة، التي كانت نقلة نوعية في عالم العلم والتعلم، فما هي طرائق التدريس الحديثة إذاً؟ تعرفوا معنا إليها في هذا المقال.
ما هي طرائق التدريس الحديثة؟
يمكن تعريف طرائق التدريس الحديثة على أنَّها الاستراتيجيات الجديدة المُتَّبعة في إيصال المادة التعليمية من المعلم إلى الطلبة، والتي اعتُمدت بوصفها واحدة من طرائق التدريس الحديثة بعد أن أثبتت فاعليتها في تحقيق الأهداف التعليمية، فهي أداء غير تقليدي يقوم به المعلم؛ إذ يقدِّم من خلاله المادة التعليمية للطالب من خلال مجموعة من الأساليب التي يختارها المعلم بما يتوافق مع طبيعة المادة التعليمية واستجابة الطلاب، ويحقِّق بذلك الأهداف التربوية المنشودة.
يكمن جوهر طرائق التدريس الحديثة في خروجها من الأدوار النمطية والتقليدية لكل من المعلم والطالب، ففي الأساليب القديمة كان المعلم مُقدِّماً للمعلومة وكان الطالب مستقبلاً سلبياً لها، كما كان الكتاب المدرسي المصدر الوحيد للمعلومات، أمَّا في طرائق التدريس الحديثة فقد أصبح دور المعلم مُيسِّراً للعملية التعليمية، وأصبح دور الطالب أكثر تفاعلاً واشتراكاً في عملية التعلم، ويقع على عاتقه في كثير من الأحيان البحث عن المعلومة قبل اكتسابها، وأصبحت مصادر المعلومات متنوعة، مثل المكتبات الرقمية، والإنترنت، والأبحاث المنشورة عليها وغيرها، وهذا ما أظهر نتائج إيجابية واضحة في عملية التعلم.
أشهر طرائق التدريس الحديثة:
نفرد لكم فيما يأتي أشهر طرائق التدريس الحديثة المستخدمة في تحقيق الأهداف التعليمية والتربوية:
1. طريقة حل المشكلات:
تعدُّ طريقة حل المشكلات من أكثر طرائق التدريس الحديثة شيوعاً، وترتكز من حيث المبدأ على تحفيز الطلاب نحو إيجاد حلول للمشكلات التعليمية التي تواجههم؛ وذلك من خلال القيام بإعمال الفكر والتعاون مع الزملاء، وغالباً ما تُستخدَم من أجل تشجيع الطالب على توظيفه المهارات التي تعلمها دراسياً في حل مشكلات حياته الواقعية، من أجل الخروج بحلٍّ إبداعي منطقي مبني على أسس علمية.
هذا ينمِّي لديه مهارة حل المشكلات، فيعتاد على استخدامها في كافة نواحي حياته، ويعزِّز ثقته بنفسه وقدرته على ابتكار حلول وافية وفعَّالة للمشكلات، وتحوِّل التعلم إلى شكله العملي التطبيقي، بدلاً من بقائه بصورة أكاديمية محايدة، ويكون دور المعلم في هذا النوع من طرائق التدريس الحديثة مُنظِّماً مُوجِّهاً للخبرات التعليمية والأفكار المتواردة.
2. طريقة التعليم الإلكتروني:
تعدُّ طريقة التعليم الإلكتروني واحدة من طرائق التعليم الحديثة، وتُوظَّف فيها التكنولوجيا ووسائلها في عملية التعليم من حواسب، وشبكة إنترنت، وشاشات العرض، وغيرها من الأدوات التي تساهم في إيصال المادة التعليمية للطلبة في وقت وتكلفة وكفاءة أفضل.
يمكن الاعتماد على طريقة التعليم الإلكتروني اعتماداً منفصلاً وقائماً بحدِّ ذاته، أو إلى جانب العملية التعليمية التقليدية التي تحدث في الفصول الدراسية، ليتشكَّل ما سُمِّيَ بالتعليم المدمج، ولعلَّ أهم الميزات التي تضيفها هذه الطريقة من طرائق التدريس، هي المرونة من ناحية الزمان والمكان؛ إذ إنَّ وصول المادة التعليمية للطالب ليس منوطاً بوقت ومكان محدَّدَين، وهذا يسمح للطالب بإعادة الاطلاع على المادة التعليمية لمرات عديدة حتى يستوعبها جيداً، ويجنِّبه مشكلة الخجل والتردد التي قد يعاني منها بعض الأشخاص، كما يخفِّف عنه أعباء الذهاب إلى المدرسة وتكاليفها.
3. طريقة التعليم التعاوني:
فيها يُقسَّم الطلاب إلى مجموعات، ويتفاعل أفراد كل مجموعة منها لتحقيق الهدف الذي وضعه المعلم، ومن أهم ميزات طريقة التعليم التعاوني أنَّها تنمِّي لدى الطالب حب التعاون مع الآخرين، ومهارة العمل ضمن فريق، وتعزِّز الروح التنافسية الإيجابية العالية بين الزملاء، وتساعدهم على رفع تحصيلهم الأكاديمي، كما أنَّها طريقة مثالية للطلبة بطيئي التعلم ومُشجِّعة لهم كونها تتطلَّب منهم الانخراط مع رفاقهم، وهذا من شأنه أن يُكسبهم مهارات وخبرات اجتماعية إضافة إلى المهارات الدراسية.
4. طريقة التعلم باللعب:
تعدُّ طريقة التعلم باللعب من أهم طرائق التدريس الحديثة، وقد أثبت اللعب بوصفه وسيلة تعليمية كفاءته من خلال منهج الدكتورة “ماريا مونتيسوري”، وعندما اعتُمد بوصفه واحداً من طرائق التدريس الحديثة حقَّق نجاحاً باهراً كونه يراعي الطبيعة النفسية والميول للمتعلمين، ويساهم في تحقيق أهداف العملية التعليمية والأهداف التربوية في تنمية شخصية الطفل وصقل خبراته، وتتميَّز طريقة التعلم باللعب بإضافتها عنصري التشويق والمتعة إلى عملية التعلم.
إنَّ الألعاب التعليمية تعلِّم الأطفال الاستمرار والمثابرة وتحمسهم نحو الفوز في اللعبة، ومن ثمَّ بلوغ الهدف التعليمي، كما أنَّها طريقة تعزِّز التآزر البصري والحركي، وتنشِّط جسد الطفل، وتحفِّز نمو عضلاته، وتخفِّف أعراض الأمراض النفسية التي من الممكن أن يكون مصاباً بها، كالتوتر، والانطواء، والقلق.
من ميزات طريقة التعلم باللعب أنَّها تحفِّز تفكيرهم الإبداعي، وتنمِّي خيالهم، وتعزِّز مشاركة الطلبة السلبيين في عملية التعلم من خلال تفاعلهم الإيجابي في اللعبة.
شاهد بالفيديو: 7 وصايا للوالدين للتعامل مع صعوبات التعلم عند الأطفال
5. طريقة العصف الذهني:
تركِّز على توليد أفكار إبداعية جديدة من أجل حل المشكلات، أو تقديم الاقتراحات المتعلقة بموضوع ما، وتتميَّز هذه الطريقة بأنَّها تحفِّز الذهن، وتضعه في أقصى درجات التفاعل والعمل، كما أنَّها تشجِّع الطلاب على التفكير وتحفِّزهم نحو ابتكار أفكار إبداعية، وتمكِّنهم من التعبير بحرية عن آرائهم وما يدور في أذهانهم، وتعلِّمهم تقبُّل وجهات النظر المختلفة، وتزيد ثقتهم بأنفسهم من خلال تقديم الاقتراحات أمام زملائهم.
6. طريقة التمثيل:
يمثِّل فيها الطلبة أدواراً تقدِّم حوارات معيَّنة تحاكي الواقع من أجل الوصول إلى النتيجة المرجوَّة وتحقيق الأهداف التعليمية، ومن مزايا طريقة التمثيل التعليمية أنَّها تعلم الأطفال مهارات التحليل والتفكير والتعاون والعمل بروح الفريق، وترفع من دافعية التعلم لديهم، كما أنَّها تعوِّدهم على النظام واحترام الدور والالتزام بآداب الحديث والإنصات، إضافة إلى كونها طريقة فعَّالة في علاج بعض المشكلات النفسية التي قد يعاني منها الطلبة مثل الخجل الاجتماعي.
7. طريقة المشروع:
يُكلَّف الطالب بالبحث عن معلومات محدَّدة، والوصول إلى نتيجة معيَّنة بعيداً عن تدخُّل المعلم المباشر؛ إذ يقتصر دوره هنا على الإرشاد والتوجيه، ومن فوائد هذا الأسلوب أنَّه ينمِّي لدى الطالب مهارات البحث المُنظَّم والاجتهاد وتحمُّل المسؤولية، إضافة إلى التدريب على التعامل مع المشكلات التي تواجهه في أثناء البحث والإنجاز والتغلب عليها.
8. طريقة الاكتشاف:
تركِّز هذه الطريقة على جعل المتعلم يُعمِل تفكيره في المعطيات، وينظِّم خبراته السابقة، ويوظِّفها في سبيل الوصول إلى ماهية العلاقات والحقائق التي يُراد منه اكتشافها، ومن ميزات هذه الطريقة أنَّها تنمِّي لدى الطلبة الاعتماد على أنفسهم، وتزيد من متعتهم خلال عملية الاكتشاف والتعلم، فضلاً عن زيادة فاعليتهم في الفصل الدراسي، ومن فوائد هذه الطريقة أيضاً أنَّها تنمِّي لدى الطالب مهارات التحليل والتركيب والتصحيح.
9. طريقة التعليم المتمايز:
التعليم المتمايز هو أسلوب مندرج ضمن طرائق التدريس الحديثة، يركِّز على الخصائص الفردية للمتعلمين، ويأخذ في الحسبان قدراتهم المتفاوتة ومواهب كل منهم، والتفضيلات الخاصة بكل متعلم في عملية التعلم؛ وذلك من أجل الوصول إلى أهداف العملية التعليمية من خلال طرائق مختلفة.
إنَّ تركيز هذه الطريقة على خصائص كل فرد متعلم يزيد من فاعليته في أثناء عملية التعلم، كونها تتيح للمعلم معرفة الأسلوب الأنسب في إيصال المعلومة لكل متعلم، ومن ثمَّ حصول جميع الطلبة على المعلومات الموجود في الخطة الدرسية.
إقرأ أيضاً: صعوبات التعلم عند الأطفال وأهم الطرق لتحسين قدراتهم العقلية
10. التعليم بالحقيبة التعليمية:
يُترك للطالب في هذه الطريقة حرية اختيار النشاطات التعليمية التي يفضِّلها في تحقيق الهدف المنشود، وهذا ما يضفي عنصراً من الإثارة على عملية التعلم، ويجعلها أكثر فاعلية، وتقوم طريقة التعليم بالحقيبة التعليمية على تقسيم المادة التعليمية إلى وحدات متسلسلة، ومنح الطالب النشاطات والمصادر اللازمة ليعتمد على نفسه في عملية التعلم.
من أهم ميزات هذه الطريقة هو إشراك عديد من الحواس في عملية التعلم بفضل البدائل المتنوعة الموجودة فيها، وهذا ما يعزِّز من تشرُّب الطالب للمادة التعليمية، كما أنَّها تراعي الاختلافات الفردية بين الطلاب، وقابلة للتطبيق في حال وجود عدد كبير من المتعلمين وعدد قليل من المعلمين.
في الختام:
طرائق التدريس الحديثة هي مجموعة من الاستراتيجيات التي يجب اتباعها من أجل ضمان وصول المادة التعليمية إلى الطلاب بالشكل الأفضل، ومن ثمَّ تحقيق الأهداف المرجوة من عملية التعلم، وتشترك طرائق التدريس الحديثة فيما بينها بكونها تمنح الطالب مساحة واسعة في عملية التعلم، وتجعل دوره فاعلاً تترتب عليه مهام البحث والتفكير والاكتشاف والتفاعل، وليس مجرد متلقٍّ سلبي كما الحال في أنظمة التعليم التقليدية، وهذا ما يزيد متعته وفائدته من عملية التعلم.