إسماعيل مسلماني.. الخبير في الشؤون الإسرائيلية للوفاق:

أسرلة التعليم في القدس هدف الاحتلال لطمس الهوية الفلسطينية

خاص الوفاق: في السنوات العشر الأخيرة وتحديداً في عام 2017م سعت وزارة المعارف الصهيونية بالشراكة مع بلدية القدس المحتلة عبر محاولات عديدة إلى فرض المنهاج الإسرائيلي على مدينة القدس كأحد وسائل أسرلة التعليم ومن أجل كسر الوعي المقدسي وكسر الهوية والانتماء والتاريخ والجغرافيا الفلسطينية

2023-09-17

عبير شمص

عملية التهويد الممنهجة التي ينتهجها الاحتلال الإسرائيلي تجاه مدينة القدس، لم تقتصر فقط على أن تطال كل شكل أو رمز عربي وإسلامي بهدف هدمه أو تزويره أو طمسه، بل امتد الأمر إلى محاولات تهويد الوعي وإعادة صياغته بما ينسجم مع الرواية الإسرائيلية. فبعد محاولات تغيير التركيبة السكانية وأسرلة أسماء الشوارع وتهويد المعالم التاريخية العربية بشقيها المسيحي والإسلامي، بدأ الاحتلال في مشروع استهداف التعليم كآلية من آليات الأسرلة والدمج ضد سكان القدس وذلك لخلق جيل مقدسي جديد يتشرب من الاحتلال معلوماته المُزيّفة التي تعتمد على تضليل الحقائق لتغيير عقليته وتفكيره، عبر فرض المناهج “الإسرائيلية” في مدارسها، الذي يتنافى بالأساس مع القانون الدولي؛ لأنّ القدس تُعدّ أرضًا محتلّةً، ومن حق الشعب المحتل أن يختار المنهج التعليمي المناسب، إلّا أنّ الاحتلال يفرض سياسةً كبيرةً من الابتزاز وسحب التراخيص وإغلاق المدارس؛ لأنّ الهدف الأساس تحريف المناهج الفلسطينيّة وتغييرها، وهذه سياسة ممنهجة بدأت منذ عام 1967.

وفي هذا الإطار، تحدث  الخبير في الشؤون الإسرائيلية والناشط المقدسي إسماعيل مسلماني لصحيفة الوفاق عن حرب الاحتلال المتصاعدة في القدس ضد المنهاج الفلسطيني والمحاولات المتكررة لفرض المنهاج الإسرائيلي وصمود الأهالي في مواجهة هذا الفرض في إطار سعيهم الدؤوب للحفاظ على الهوية الأصيلة للقدس وسكانها.

 

تعدد المرجعيات التعليمية

بدأت محاولات الاحتلال لأسرلة التعليم الأساسي في مدارس مدينة القدس منذ العام ١٩٦٧، فأصدر قانوناً خاصاً يُخضع التعليم لسلطاته، ووفق مسلماني فقد قاوم المقدسيون في ذلك الوقت تلك السياسة عبر إخراج أبنائهم من المدارس العامة الخاضعة لسلطة دولة الاحتلال، متوجهين إلى المدارس الخاصة والأهلية، التي تتبع إدارياً للكنائس والجمعيات الخيرية والأفراد، وتوجهوا كذلك لمدارس الأوقاف الإسلامية، التي تتبع وزارة الأوقاف الأردنية، وأيضاً لمدارس وكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين “الأونروا”، والتي كانت جميعاً تلتزم بمنهج التعليمي الأردني، فتراجعت سلطات الاحتلال وفشلت مخططاتها في ذلك الوقت، وقبلت باستمرار التدريس في المدارس العامة وفق المنهج الأردني. ولم تتوقف مساعي الاحتلال لأسرلة التعليم في القدس بعد توقيع اتفاق أوسلو عام ١٩٩٣، بعد أن باتت مدارس الأراضي الفلسطينية المحتلة بما فيها الضفة الغربية وغزة والقدس تلتزم بمنهج التعليم الأساسي الفلسطيني.

في العام ٢٠١١ م بدأت سلطات الاحتلال بأسرلة مناهج التعليم الفلسطينية في مدارس المدينة الابتدائية والاعدادية العامة الحكومية وشبه الحكومية، وذلك بتبديل أو حذف المواد المنهجية والمعلوماتية التي ترسخ الهوية الفلسطينية العربية، واستبدالها بموادٍ أخرى تُروج للرواية الصهيونية وتسوغ سياسة الاحتلال. كما قامت سلطات الاحتلال في بعض من تلك المدارس بتدريس المنهج الإسرائيلي، الذي يُدرس للفلسطينيين في أراضي العام ١٩٤٨، والذي يحمل طابعاً صهيونياً سياسياً ويهودياً دينياً بامتياز.

 

حرب إسرائيلية بلا هوادة على الوعي المقدسي

ويلفت مسلماني إلى أنه في السنوات العشر الأخيرة وتحديداً في عام 2017م سعت وزارة  المعارف الصهيونية بالشراكة مع بلدية القدس المحتلة عبر محاولات عديدة إلى فرض المنهاج الإسرائيلي على مدينة القدس كأحد وسائل أسرلة التعليم ومن أجل كسر الوعي المقدسي وكسر الهوية والانتماء والتاريخ والجغرافيا الفلسطينية.

كل هذا يأتي لاسقاط  كامل ما يتعلق بالإنتماء والهوية والدين والتاريخ، علماً لو تكلمنا قانونياً فلا يحق للدولة الصهيونية وفقاً للمواثيق الدولية  التدخل في مدينة القدس التي تقع ضمن أراضي 1967 إحداث أي تغيير في المنطقة التي تحتلها لا على مستوى البنية التحتية  ولا على مستوى المسجد الأقصى ولا على  مستوى المقدسات الإسلامية والمسيحية وحتى الإنسان المقدسي نفسه، فعملها هذا يتناقض مع الاتفاقيات الدولية، علماً أن جماعة “الحريديم” الصهيونية المتشددة والتي تعيش داخل الكيان المؤقت وتشكل 18 بالمئة من السكان الصهاينة لا تتدخل  وزارة المعارف الصهيونية في حياة أفرادها في الجانب التعليمي، فلماذا يفرض المنهاج الصهيوني على السكان الفلسطينيين في المناطق المحتلة؟ الجواب واضح وهو سعي العدو لبسط سيطرته على مدينة القدس بشكلٍ كامل على اعتبار أنها العاصمة الأبدية لدولة العدو الصهيوني، وهو ما سعى الرئيس الأمريكي السابق ” ترامب” لتكريسه عندما أعلن ان القدس ستكون العاصمة الأبدية للكيان المؤقت مقدماً هذا الإعلان لرئيس الوزراء الصهيوني ” نتنياهو”  هدية ، واجه وسيواجه المقدسيون هذا الإعلان والسعي لأسرلة النظام التعليمي في القدس وشوارعها ومقدساتها ونظامها التعليمي بكافة السبل المتاحة لإبقاء التعليم فلسطيني بامتياز.

وقد دفع هذه الخطر المحدق بمدينة القدس المحتلة وفق مسلماني إلى إعلان النفير العام وبروز حراك مقدسي بالإضافة إلى وقوف للمرجعيات الدينية والأوقاف الإسلامية والوطنية إلى التوجه نحو التعاون والتنسيق في سبيل حماية القدس وطلابها ووعيها وهويتها، وخاصةً في مواجهة الخطر الذي يحيط بالمسجد الأقصى فقبل حكومة نتنياهو الفاشية سعى وما يزال المستوطنون عبر جمعية “أمناء الهيكل” وغيرها من المنظمات العنصرية الإسرائيلية وبإيعاز من الحكومة الصهيونية التي عقدت إحدى اجتماعاتها في “المسجد الأقصى” وبدعم من أعضاء الكنيست الصهيوني ورصد أموال طائلة لمشروع بناءالهيكل المزعوم على أنقاض قبة الأقصى المشرفة.

 

حملة صهيونية ممنهجة ضد المدارس الفلسطينية

شهدنا في الأونة الأخيرة  وفق مسلماني حملةً ممنهجةً ضد المدارس الفلسطينية المقدسية وخاصةً  على مدرسة “الإيمان الإبراهيمية” ومدرسة “الأقصى” ومدارس أخرى حيث يتعرض طلاب هؤلاء المدارس للتفتيش في حقائبهم عن الكتب التي تحوي العلم الفلسطيني وتُصادر منهم، يأتي كل هذا في سياق الخطة الخماسية التي وضعها الكيان الصهيوني لأسرلة مدينة القدس المحتلة في عام  2024 م وتنتهي في عام 2028 م برصيدٍ مالي يبلغ أكثر من مليارين ومئتي مليون شيكل منها 450 مليون شيكل لأسرلة التعليم والتي تبدأ من رياض الأطفال لتنتهي في الجامعات الصهيونية.

 

الحرب الصامتة في القدس

منذ بداية العام الدراسي الحالي أخذ اتحاد أولياء الأمور الفلسطينية على عاتقه توزيع كتب المنهاج الفلسطيني على الطلاب، وقام بإتلاف لكتب المنهاج المحرفة وقاموا كذلك وفق مسلماني بتأليف كتاب يقارن بين الكتب التعليمية الفلسطينية والكتب المُحرفة والتي وضعها الصهاينة باللغة العربية لفرضها على الطلاب الفلسطينيين في مدينة القدس المحتلة، وذلك عبر لجنة تضم أربعة أشخاص عملت في هذا الموضوع لمدة تسعة شهور عبر فحص كل كتب الصفوف المدرسية من الصف الأول إابتدائي حتى الصف العاشر.

وقد حاول الصهاينة في هذه الكتب فصل القدس عن الهوية الفلسطينية وحذف كل ما يتعلق بكونها عاصمة لفلسطين، كما حاولوا استهداف جغرافي لفلسطين التاريخية عبر ترسيخ حدود الضفة الغربية وغزة على أنها فقط حدود فلسطين، فاستبدلت الخرائط الموجودة في المنهاج الفلسطيني  بخرائط أخرى تشمل فقط مناطق الضفة والقطاع ، مع تجاهل تام للقرى والمدن في مناطق الداخل الفلسطيني في اراضي 1948.

كذلك  جرى في هذه الكتب استهداف مباشر للتاريخ الفلسطيني  القديم والمعاصر، وتجلى ذلك في غياب كامل لمبدأ حق العودة في رغبة واضحة لتغييب هذا الحق من عقول الطلاب الفلسطينيين والذي يسعى الفلسطينيون  دائماً في كل مواقفهم وفي مناهجهم التعليمية على إبقائه حياً في نفوس الشعب الفلسطيني صغاراً وكباراً.

كذلك حذف الكيان الصهيوني في كتبه المُحرفة الكثير من الأحاديث المتعلقة بمعان القوة والعزة والجهاد والاحكام الشرعية للحرب والأسرى  واستعمال بعضها في معانٍ تناسب أهواءهم  والقضايا التي يرغبن في إيصالها للجيل الفلسطيني الجديد.

هذا وسعى الكيان الصهيوني في كتبه كما يقول مسلماني على التعتيم على عدوانيته وأعماله الإجرامية وإبراز صورته  على أنه بلد التعايش والسلام ، وقام بتغييب القدوات التاريخية والإسلامية الفلسطينية والمقدسية وتغييب التاريخ  المقاوم الفلسطيني العريق من الكتب بهدف محيها من ذاكرة الطفل المقدسي ومحو كل ما يتعلق بهؤلاء الأبطال الذين ضحوا من أجل البلد والمواطنين الفلسطينيين والقدس.

وقد حاولوا كذلك في كتبهم كما يوضح مسلماني طرح فكرة حل الدولتين  فلسطين وإسرائيل وترسيخها في أذهان الأطفال والطلاب المقدسيين، في حين أنهم يدرسون في مدارسهم  في الكيان المؤقت فكرة دولة واحدة خاصة باليهود الصهاينة وطرد كل العرب من فلسطين، فهم يسعون  جاهدين وخاصة ًفي مواد التاريخ والمدنيات وحتى اللغة العربية على محاولات ترسيخ أفكارهم في أذهان الأطفال المقدسيين وسلخهم عن هويتهم العربية والإسلامية وتقديم إسرائيل على أنها بلد السلام والتعايش عبر استعمال مفردات للتدليل على سلمية العدو الصهيوني، وتعليم الأطفال في الصفوف الإبتدائية والإعدادية عن مظلومية اليهود عبر تعريفهم بما جرى عليهم في المحرقة اليهودية كما يدعون (الهولوكوست) في الحرب العالمية.

ووفق مسلماني فإنّ أسرلة التعليم ليست هي الطريقة الوحيدة التي يتبعها الاحتلال لمحاربة الإنسان الفلسطيني وهويته في القدس وضواحيها، ففصل أحياء المدينة وحدودها بالحواجز العسكرية وقطع الطرق التي تحول دون وصول  الأطفال المقدسيين إلى مدارسهم بأمان، خصوصاً بعد بناء جدار الفصل العنصري وفصل القرى والبلدات المقدسية عن مدينة القدس المحتلة، والاعتداءات والإغارات الممنهجة على مدارس المدينة، واعتقال وإبعاد الطلبة والمدرسين، ووضعهم تحت الإقامة الجبرية، وعدم منح تراخيص البناء والترميم للمدارس لزيادة عدد الفصول فيها، بما يتناسب مع الزيادة السكانية الطبيعية، وتقليص عدد الأساتذة وتدني أجورهم مقارنة بمستوى المعيشة في المدينة وبنظرائهم في مدارس القدس العامة، ورفض الاعتراف بشهادة الثانوية العامة الفلسطينية، كلها وسائل يحقق بواسطتها الاحتلال مخططاته.

ويختم مسلماني بالقول بأن العدوّ الصهيونيّ ماضٍ في سياساته بحقّ فلسطين بشكلٍ عام، والقدس بشكلٍ خاص، فلا منجى من مواجهتها إلّا بمواجهتها، وهنا واجبات متراكمة؛ على السلطة بدايةً عبر وضع الخطط الجديّة للحفاظ على هُويّة القدس مهما كانت وكلّفت، وختامًا بالأهالي وأبنائهم عبر التوعية من مخاطر أسرلة ثقافتهم وضرورة مواجهة ذلك والتصدّي له.

المصدر: الوفاق/ خاص