وفي كلمة له خلال الندوة، أشار المستشار الثقافي للجمهورية الإسلامية الإيرانية في لبنان كميل السيد باقر إلى أنَّ: “إساءة أي مجرمٌ حقيرٌ إلى القرآن الکریم هي بسبب عجزه عن مواجهة منطق القرآن، لمعاداته للقيم التي يروّجها القرآن، ولحقده تجاه حاکمية القرآن، ولخوفه من عالمية القرآن واتساع نفوذه المعنوي”.
ورأى أنَّه “بالرغم من کلّ ذلك، فإنّ حادثة إهانة القرآن الكريم، على مرارتِها، تحمل في باطنها بشارةً كبری، وهي أنّ شمس القرآن الساطعة تزداد رفعة وتألقًا يومًا بعد يوم. سلسلة الأحقاد ضد الإسلام والمقدسات ناجمة عن أنّ نور الإسلام والقرآن ازداد تألقًا وسطوعًا منذ عدة عقود، وبالتحدید منذ انتصار الثورة الإسلامية في إیران. إذ إنّ هذه الثورة أثبتت فاعلية القرآن في تأسیس النظام وإدارة الدولة وبناء المجتمع وصناعة الحضارة، وحطّمت فلسفات فصل الدين عن الدولة، وقدّمت نموذجًا راقیًا ومتقدمًا للسيادة الشعبیة الدينیة، فاتسع نفوذُ القرآن في قلوب الناس في العالم الإسلامي أكثر من أي وقت مضی، والأمة الإسلامية ازدادت صحوةً ويقظةً أكثر من أي وقت آخر، والشعوب الإسلامية عزمَت على تحطيم أغلال قرنين من استعمار المستكبرين واعتداءاتهم، تأسیًا بتعالیم القرآن واقتداءً بالشعب الإيراني المؤمن الثوري. فمثلُ هذه المؤامرات وكذلك مرتكبيها أحقر من أن يستطيعوا منع هذا السطوع المتزايد لنور القرآن وحاکمية الإسلام”.
وأضاف السيد باقر: “يجب أن نعلم جميعًا أنّ الحدث الأخير -کما الأحداث التي سبقته من الإساءة للقرآن وللرسول الأعظم- لا صلة له بالمسيحية والمسیحيين، فالنزاع بين المسلمين والمسيحيين هو ما يريده الأعداء والمخططون لهذه المسرحية الجنونية، أمّا درس القرآن لنا يقف في الجهة المعاكسة تمامًا لمخطط الأعداء، ونحن المسلمون لن نبادر إطلاقًا إلی أعمال مماثلة ضد مقدسات الأديان الأخری”. وأكَّد أنّ: “الید الخفيّة وراء کوالیس هذه الخطوات الشریرة هي السیاسات العدوانیة للصهیونیة وأميرکا وسائر زعماء الاستکبار العالمي الذین یریدون- بحسب أوهامهم الباطلة- الهبوط بالمقدسات الإسلامیة عن منزلتها الرفیعة في أعین الأجیال الشابة في العالم الإسلامي، وإطفاء مشاعرهم الدینیة”.
وتابع: “کشفت وزارة الاستخبارات الإیرانیة، في بیانها بحسب المعلومات المؤكدة، عن علاقة المجرم الذي قام بحرق القرآن في السوید بـ”الموساد” الإسرائيلي. کما أنّني سمعت من كبار رجال الدین المسیحیین في لبنان خلال زیاراتي الأخیرة لهم أنّهم استنکروا بقوة هذه الجریمة البشعة، ورفضوا بشدة علاقة هذا المجرم الخبیث بالدیانة المسیحية، وأکّدوا لي قائلين: “حتی لو ادّعی هذا المجرم أنّه مسیحي، فنحن لن نعترف بمسيحيّته””، فثمنّ السيد باقر هذه المواقف الصریحة والشجاعة، مطالبًا کلّ المؤمنین والأحرار في العالم وأتباع كل الأديان الإبراهيمية أن يقفوا إلی جانب المسلمين في مواجهة سياسة محاربة الإسلام القذرة.
وشدَّد المستشار الثقافي للجمهورية الإسلامية على ضرورة العمل على تبيان الحقیقة وفضح مخططات الأعداء، كلٌّ من موقعه وبلغته وأسلوبه، مبينًا أنَّ: “معرض الیوم تحت عنوان “صراع النار والنور” یُعدّ نموذجًا من ردّ الفنانین الإیرانيين على الهجمة الأخیرة علی القرآن، بلغة الفنّ دفاعًا عن القرآن والمقدسات وسعیًا لتبیان الحقیقة وفضح مخططات الصهاینة التي تبثّ الفتنة والتفرقة بین المسلمین والمسیحیین”. آملًا “الإفادة من سلاح الفنّ في معرکتنا الثقافیة والحضاریة هذه مع الثقافة والحضارة المنحطة الغربیة أکثر وأکثر”.
وأشار إلى أنَّ: “الفنّ لیس مجرد أداة للتسلية والترفيه، وإنما هو سلاح فعّال وأسلوب ناجح في المواجهة”، مستشهدًا بکلام للأمين العام لحزب الله سماحة السید حسن نصر الله: “لا نطلب الفنّ للفنّ، الفنّ بالنسبة إلینا طریق حیاة، الفنّ بالنسبة إلينا طریق صنع حياة للأمة، الفنّ بالنسبة إلینا سلاح لا نقذفه في الهواء، وإنما نقذفه في صدر العدوّ”.
هذا، وفي الختام، وشكر السيد باقر الحضور علی تلبیة الدعوة والمتحدثين في هذه الندوة ووزير الثقافة علی رعایته للندوة والمعرض، وعلی حکمته وبصیرته وشجاعته وصموده واستقامته وجهده وجهاده وقیادته لهذه الجبهة الثقافية.
الأب أبو كسم
بدوره، قال مدير المركز الكاثوليكي للإعلام الأب عبدو أبو كسم: “يشرّفني، اليوم، مشاركتكم في هذه الندوة النبيلة التي تندرج تحت رعاية الوزير المرتضى، لأتكلّم عن موضوع يتعلّق باحترام المقدّسات؛ لأنّ في احترامها احترامًا لمن يعتقدون بها، وفي احتقارها احتقارًا لهم”. وتابع”: إنّ لقاءنا اليوم هو دليل حضارة؛ لأننا نمثّل جميع الأطياف في لبنان: لبنان الرسالة، لبنان القيم، لبنان الإنسان، لبنان القداسة. اجتمعنا لنؤكّد أن تقديم الإجلال للّه – سبحانه وتعالى – هو ما يجمعنا وأنّ أي تصرّف يهين مقدّسات أيّ منا يصيبنا جميعًا، ويطالنا في العمق والصميم. وهنا لا بدّ لنا أن نستحضر موقف قداسة البابا فرنسيس تجاه حرق المصحف في السويد، إذ قال إنّ الأمر مرفوض ومدان، وشدّد على أهميّة احترام الاختلافات بين الناس”.
وأردف: “أيّها الأصدقاء يجب علينا أن نتعلّم احترام الإختلافات بيننا، وعدّها غنى” وليس خطرًا”، وليكن الدين عاملًا” من عوامل السلام والتعايش والأخوّة، وليس “عاملًا” من عوامل التصادم والكراهية والعنف إطلاقًا. من هذا المنطلق؛ نرى أن علينا مسؤوليّة كبيرة، كوننا لبنانيّين، أن نعمل على بناء ثقافة التلاقي، أن نثمّر المشترك من القيم الإنسانيّة والدينيّة لنظهّر من خلالها الأخوّة الإنسانيّة التي تبني المجتمعات”.
وتابع أبو كسم: “وبالعودة إلى ما حدث في العالم من حروب وانتهاك للمقدّسات الدينيّة والإنسانيّة، أعني تلك الانحرافات التي تهدم المجتمع، فانتهاك المقدسات يشعل حربًا وانتهاك القيم يدمّر مجتمعًا، والنتيجة واحدة –
مزيد من الحقد والدمار، أيّها الأخوة إنّ دعوتنا الأساسيّة تكمن في أن نبقى مستعدين لمواجهة الأخطار التي تسعى إلى تشويه وجه اللّه في خليقته، وأدعوكم جميعًا إلى مواجهة الشر بالخير، وهكذا نبطل النوايا الخبيثة ونقطع الطريق على كل من يحاول أن يزرع بذور الفتنة والتفرقة فيما بيننا”.
المطران صليبا
أما المطران جورج صليبا فتحدث عن تجربته الشخصية في مدينة الموصل، وكيف كانوا يستظلّون كطلاب بفي المأذنة الحدباء التي دمرها تنظيم “داعش” الإرهابي، وكيف كانت العلاقة مع جيران الكنيسة في الموصل، مذكرًا أنّ من يدمر مئذنة بيت الله لا يمكن أن يكون له علاقة بالإسلام.
أما راعي الحفل فشدّد على أنّ المعركة التي تشنّ؛ إنما تُشنّ على الله وعلى القيم التي وضعها لخلاص البشرية وهي معركة حضارة تريد تدمير كلّ ما هو مرتبط بالقيم في الحضارة الإنسانية القائمة على هدي الأديان، مستغربًا كيف يرفض عاقل لغة الحوار في هذا الزمن.
مفتي بعلبك والهرمل
الكلمة الأخيرة كانت لمفتي بعلبك والهرمل الشيخ الدكتور بكر الرفاعي، والذي شدد على أن الإنسان هيكل الله المقدس، وقدسيته إنما تأتي من منحة ربانية وهو أقدس من كل الأشياء، وأن من يريد المسّ به إنما يكون بإمرة الشيطان، وكل من يريد إعمار هذا الهيكل فقادته هم الأنبياء والمرسلون، مؤكدًا أنّ اتباع الأنبياء لن يفرطوا بقيمهم ولا بمقاومتهم مقابل من يريدون تدمير الانسان