أزمة التعليم بالعالم العربي في غاية الخطورة

التعليم أحد أعمدة تكوين الدولة الناجحة

حدَّدت منظمة اليونسكو مشكلةَ التعليم في الوطن العربي عبر برنامج التعليم وقد وضع البرنامجُ هذه المشكلات في تقرير أوضح فيه أن المشكلات تختلفُ من دولةٍ لأخرى وتتمثل تلك الفروق في إمكانات الدول المادية؛ والأوضاع الامنية والسياسية المعقدة كما هي الحال مع لبنان وسوريا وفلسطين

2023-09-26

يُعاني التعليمُ في العالَم العربي من أزمةٍ غاية في الخطورة، وهي في الحقيقة ليست خَطِرةً فقط، ولكنها مزمنة أيضًا ويصعب حلُّها، بسبب تفشِّي أسباب الأزمة وتوغُّلها في كل المؤسسات العلمية الموجودة في كل الدول؛ فقد أشارت التقاريرُ أن الوطن العربي هو أكبرُ بؤرةٍ للأمِّيَّة في العالَم، وأن الجامعات العربية لم يكن لأيٍّ منها مكانٌ في الجامعات الـ100 الأعلى نجاحًا في العالم، في حين أن العدو الصيهوني قد تم إدراجُه على هذه القائمة بجامعة القدس المحتلَّة في المركز الـ70 بين 100 جامعة، ومن هذه النسبةِ يتَّضِحُ لنا اهتمام العدوِّ الصيهوني بالتعليم كبنية أساسية وكعامود أساسي من عواميد تكوين الدولة الناجحة.

وقد حدَّدت منظمة “اليونسكو” مشكلةَ التعليم في الوطن العربي عبر برنامج التعليم في العالَم العربي لدى منظمةِ الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة، وقد وضع البرنامجُ هذه المشكلات في تقريره موضحاً أن مشكلات التعليم في الوطن العربي تختلفُ من دولةٍ لأخرى، تتمثل تلك الفروق في إمكانات تلك الدول المادية؛ ويضاف إليها ببعض الدول أوضاع أمنية وسياسية معقدة كما هي الحال مع لبنان وسوريا وفلسطين الذين ستتحدث عنهم هذه المقالة.

 

التعليم في سوريا: خسائر حرب لا تُعَوَّض

يتَّفق السوريون على أهمية قطاع التعليم في مرحلة ما بعد الأزمة، سواء لجهة معالجة وتجاوز ما أفرزته من آثار اقتصادية واجتماعية ونفسية عميقة، أو لجهة إعادة بناء مستقبل البلاد، كما فعلت دول أخرى مرت في أزمات مشابهة واستطاعت، بفضل اهتمامها بالتعليم، التحولَ من دول مدمَّرة الى دول ناهضة، لكن، يبدو أن مهمة السوريين في هذا السياق، لن تكون سهلة نتيجة عدة أسباب، من أبرزها طبيعة الخسائر التي تعرّض لها القطاع وحجمها، وارتباط عملية إعادة بناء القطاع بتطوّرات جهود الحل السياسي، واستعادة البلاد السيطرة على جميع أراضيها.

وقد خطا التلاميذ السوريون هذا العام في الرابع من سبتمبر (أيلول) أولى خطواتهم نحو مدارسهم، فتوجه ثلاثة ملايين وستمئة ألف تلميذ وطالب إلى مقاعد الدراسة، وفق ما أعلنت عنه وزارة التربية، وهذا الرقم يتوزع على مدارس تقع تحت سيطرة السلطة ومناطق خارج سيطرتها.

يُعد البناء المدرسي وتجهيزه أبرز تحديات التعليم، إذ بلغ عدد الأبنية المدرسية غير المستثمرة ما يناهز 8700، منها ما يفوق 450 بناءً متضرراً بشكل كلي، وفق ما أعلنه وزير التربية.

 

إعادة تأهيل المدارس في سوريا

ومع أن الحكومة السورية تمكّنت، خلال الفترة التي أعقبت استقرار الأوضاع الأمنية في مناطق شتى، من إعادة تأهيل مدارس كثيرة وإصلاحها، فمثلاً وصل عدد المدارس التي تمّ تأهليها خلال الفترة 2016-2018 إلى نحو 7372 مدرسة، إلاّ أن صعوبة عودة النازحين إلى مناطقهم، ورغبة آخرين في البقاء في المناطق التي نزحوا إليها نتيجة أسباب اقتصادية، تسبّبان ضغطاً مستمراً على البنى المدرسية في مناطق حافظت على استقرارها طوال سنوات الأزمة.

 

التسرب المدرسي

مخاطر هذه الظاهرة مستقبلاً تتمثّل بمواجهة البلاد مستقبلاً تركةً صعبة، قوامها جيل كامل من غير المتعلمين، وتالياً، فإنّ الأمر لا يتعلق فقط بخسارة عقود من الجهود التنموية التي بُذلت وحققت نتائج جيدة، وإنما أيضاً بتحمّل تبعات تلك الخسارة في مرحلة تتطلّب أفضل استثمار لرأس المال البشري من أجل إنجاح عملية إعادة البناء. والأخطر هو ما خلَّفته سنوات الحرب الطويلة من تدهور كبير، اقتصادياً ومعيشياً، هذا في وقت ازدهرت الأنشطة الاقتصادية غير المشروعة، وأفقدت شريحة ليست قليلة من الأطفال ومن الشبان الحافز على التعليم، وشجعتهم على الانخراط باكراً في سوق العمل.

فمنذ السنوات الأولى للأزمة، كانت هناك محاولات للتنبيه من خطورة ظاهرة التسرب المدرسي، فتبين التقارير أن متوسِّط سنوات الدراسة “سجّل تراجعاً هائلاً منذ بداية الأزمة. وتشير التقديرات الأولية عن دائرة التعليم الأساسي التابعة لوزارة التربية إلى أن نسب التسرب المدرسي تصل إلى 12 في المئة.

 

ظاهرة تعدد المناهج الدراسية

هناك خسائر ناجمة عن ظاهرة تعدد المناهج الدراسية المطبَّقة فعلياً، بحكم تعدد القوى المسيطرة، ومستوى جودة تلك المناهج. فإلى جانب المناهج الرسمية المعتمَدة عالمياً، والتي تُدرَّس في مناطق سيطرة الحكومة، تفرض “الإدارة الذاتية” في بعض المناطق غير الخاضعة للسيادة الوطنية نظامها التعليمي على الطلاب مما يخلق تباعداً ممنهجاً بين طلاب البلد الواحد، لا تزال هذه الظاهرة حاضرة أيضاً في مخيمات اللجوء في الدول المجاورة، والتي لا تجد فيها الأُسر خياراً في مشروعها لتعليم أبنائها، سوى قبول تعليمهم المنهج المطبَّق في كل دولة، سواء تم قبولهم في المدارس الرسمية، أو كان التعليم عبر أنشطة تقام داخل المخيمات.

 

فلسطين: تحديات يفرضها واقع الاحتلال الصهيوني

أعلنت وزارة التربية والتعليم، التحاق أكثر من مليون وأربعمئة ألف طالب بمقاعد الدراسة، من هؤلاء الطلبة 915 ألفا و327 طالباً في المدارس الحكومية، موزعين على ألفين و364 مدرسة، و342 ألفاً و955 طالباً في مدارس وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “الأونروا”، موزعين على 384 مدرسة، و149 ألفاً و870 طالباً في المدارس الخاصة، ويبلغ عددها 487 مدرسة.

يعاني النظام التعليمي في فلسطين من مشاكل مشابهة في الدول العربية ولكنه يواجه بمفرده مجموعة من التحديات الخاصة به والتي فرضها واقع الاحتلال الصهيوني لأراضيه ومنها:

الحواجز سلاح الكيان الصهيوني ضد التعليم

يعاني أكثر من عشرة آلاف طالب مقدسي، من حواجز عسكرية إسرائيلية قطّعت أوصال أحياء المدينة المحتلة، وهو ما أسفر عنه زعزعة سير العملية التعليمية في جميع مدارس البلدة الواقعة جنوب المسجد الأقصى، ويبلغ عدد الحواجز الإسرائيلية في بلدات وقرى مدينة القدس المحتلة، نحو 32 حاجزاً إسرائيلياً تم نصبها قرب المدارس والمشافي.

سياسة تجهيل الفلسطينين

يواجه الطلاب الفلسطينيون مشكلة حقيقية في تخطي حدود الوطن بقصد إكمال الدراسة والتعليم خارج فلسطين، يحتاج الفلسطيني إلى السفر سواء للسياحة وقضاء الإجازات وزيارة الأرحام والأقارب، والأهم من ذلك للعلاج والتعليم، فيتعرض الطالب لاستفزازات جنود وضباط الاحتلال، إذ يساومونه على كل شيء، ويعرضون عليه العمل معهم كمخبر مقابل السماح له بالمرور والتنقل بحُرية، ويغرونه بالمال الكثير مقابل موافقته على ذلك، لا يسمح لهم بالمرور ويؤمرون بالرجوع ، فيرجع الطالب على أمل تكرار المحاولة مرة أخرى فيما بعد. فالاحتلال لا يريد للفلسطينيين ممارسة حياتهم اليومية بحرية وإكمال دراستهم الجامعية وتحصيلهم الشهادات العليا، فيقلقه حملة الشهادات والمتعلمون والمبدعون منهم في كافة المجالات، فهو على معرفة تامة أن الصراع معه هو صراع عقول وكفاءات تبني الأوطان وتكون عقبة حقيقية أمام مخططاته التهويدية.

أسرلة التعليم في القدس

في القدس المحتلة تتنوّع المدارس، التي يدرس داخل فصولها ما يقارب 90 ألف طالب وطالبة، وفق مرجعيتها،  التي تتراوح بين وزارة التربية والتعليم، وكذلك المدارس الخاصة التي تنقسم إلى قسمين، الأول لا يتلقى دعماً من بلدية الاحتلال، وعددها 12 مدرسة، فيما تتلقى 82 مدرسة خاصة دعماً من البلدية، وكذلك تتولى وزارة المعارف الإسرائيلية الإشراف المباشر على 53% من مجمل مدارس قطاع التعليم في القدس، وعددها 70 مدرسة، هذه التقسيمات التي فرضتها إسرائيل أفرزت معاناة طويلة لقطاع التعليم في القدس، فالمدارس التي تتبع وزارة المعارف وبلدية الاحتلال لها مناهج خاصة، وإضافات وشروط على الكتب التي يدرسها الطلبة داخل فصولها، إضافة إلى فرض المناهج الإسرائيلية.

 

لبنان: تفاقم خطورة العملية التعليمية

يواجه نظام التعليم في لبنان عدداً من التحديات والقضايا، التي تفاقمت بسبب الأزمات الاقتصادية والسياسية في البلاد، ومن أجل مواجهة هذه التحديات، تكافح مجموعة من المدارس والمعاهد والجامعات الرسمية والخاصة، للبقاء مفتوحة بسبب الصعوبات المالية، كما أن ارتفاع معدل التضخم جعل من الصعب على العائلات تحمّل الرسوم والمستلزمات المدرسية والجامعية وكان العام الدراسي 2022-2023 تعرّض إلى اضطرابات شتى أثّرت على مسار التعليم وعلى أكثر من 450.000 طفل من روضة الأطفال،

تترتّب تداعيات الأزمة الاقتصادية أيضًا على العائلات والأُسَر التي لم تعد قادرة على تحمُّل الأقساط أو تكاليف المواصلات من وإلى المدرسة، وخصوصًا في المناطق الريفية. فيُقال إنَّ بعض المعلّمين يُبادِرون إلى تقديم المواد المدرسية على نفقتهم الخاصّة، رغم التدهور الكبير لقيمة رواتبهم، مثل القرطاسية والكتب والمواد الأخرى للطلّاب الذين يُعانون من ضائقة اقتصادية. وأدّى ارتفاع كلفة المعيشة في لبنان إلى تحويل الضروريات الأساسية مثل التعليم إلى ميزة غير متاحة بشكل متزايد للأُسَر الفقيرة، ونشرت مؤخراً “يونيسف” في حسابها أن نحو 700 ألف طفل هم خارج المدرسة في لبنان.

 

هجرة الكفاءات العلمية

وفيما يتعلق بوضع المعلّمين، تُبيّن أن المشكلة تكمن في عدم الانتظام بدفع المستحقات والرواتب في مواعيدها واختلاف في سعر صرف الدولار وارتفاعه بشكل خيالي ما انعكس سلبًا على حُسن سير العملية التعليمية والحياتية لدى الاهل والمعلمين الذين يأملون برفع رواتبهم  لتحسين الوضع العيشي للمعلم في ظل الوضع الاقتصادي المتأزم”

ولقد أدّت الأزمة المُطوَّلة والضائقة الشديدة التي يُعانيها المعلّمون إلى ارتفاع مستويات الهجرة، فأكثر من 15 في المئة من معلّمي المدارس الخاصّة غادروا البلد بحثًا عن عملٍ. أمّا المعلّمون الذين ظلّوا في لبنان فيضطرّون غالبًا إلى تحمُّل مسؤوليات إضافية جرّاء تقلُّص عدد الموظّفين، رغم الانخفاض الكبير في الأجور، والأعباء اليومية الناتجة عن الانهيار الاقتصادي.

نظرًا للحالة الحرجة لقطاع التعليم في لبنان، لا مجال للإصلاحات السطحية أو المؤقّتة. كما أنَّ المساعدة الظرفية لقطاع التعليم لن تكفي ليبقى قادرًا على الصمود لفترة طويلة، فما من قطاع تربوي فعّال ومستدام من دون معالجة نموذج الحكم في البلد وأزمته الاقتصادية الشاملة.

ونختم بالقول إنّ التعليم يمكن أن يشكل خط الدفاع الأول في مواجهة التحديات المستقبلية. رغم أن السياسيين لا يتجاوبون مع نداءات المربين وخبراء التعليم في الوطن العربي، بإجراء الإصلاحات التربوية الضرورية والمشاركة في بناء القرار التربوي لأن اتخاذه مهمة اجتماعية متكاملة وهو أخطر من أن يترك للسياسيين وحدهم.

المصدر: الوفاق/ وكالات