في الذكرى السنوية الواحدة والأربعون لإستشهاده

الشهيد دستغيب واجه الهجوم الثقافي الأجنبي وكرّس الثقافة الإسلامية

كان للشهيد مكانةً كبيرة عند الناس أسسها عبر جهاده ومنبره ومسجده وجماعته وصوته وحركته وأخلاقه وزهده وعلمه ومعارفه وبركاته

2022-12-14

الوفاق/ خاص/ عبير شمص

يُصادف اليوم الذكرى السنوية الواحدة والأربعون لإستشهاد المرجع الديني والعالم الرباني آية الله السيد عبد الحسين دستغيب، وفي هذا الجانب أجرت جريدة الوفاق لقاءً مع الباحث والمفكر الإسلامي اللبناني الشيخ أحمد المالكي، وكان الحوار التالي:

تعريف بالشهيد  السيد من الناحية الأخلاقية والثقافية والاجتماعية؟

بالحديث عن السيد الشهيد عبد الحسين دستغيب من الناحية الأخلاقية والاجتماعية والثقافية لا بد أن نشير إلى ولادته المباركة التي ساهمت في هذه النشأة، فهو ولد في مدينة شيراز وكانت ولادته بين أحضان تلك الأسرة العلمائية المباركة وشارك أيضاً في صُنع هذه الشخصية أخلاقياً وثقافياً بالإضافة للأسرة كانت الولادة في ليلة عاشوراء في عام 1913م، فطبعت مأساة سيد الشهداء(ع) على جبينه الشهادة وسُمي بخادم سيد الشهداء (ع) عبد الحسين وكان والده السيد محمد تقي ابن الميرزا هدايت الله هو العالم والمرجع الأكبر في محافظة فارس وكان يومها لا يزال في كربلاء لمّا ولد له مولوده الطاهر والمبارك وشاءت الأقدار أن تُصنع هذه الشخصية عندما فقد والده وهو لا يزال في الثانية عشرة من عمره ليتعهد من حينها بأمه وأخواته الثلاث وأخويه. ينتمي السيد من الناحية الاجتماعية إلى عائلةٍ عريقة ضاربة بأطنابها في جذور التأليف في محافظة فارس وشيراز وقد برز منها العلماء الكبار والأدباء والخطباء وهي تنتمي للإمام زين العابدين(ع)، ومن الناحية الأخلاقية ينتمي إلى مدرسة “وإنك لعلى خلقٍ عظيم” ومن الناحية الثقافية ينتمي إلى بيتٍ زقوا العلم زقاً، قام الشهيد بدور المعلم والمربي والكادح لأسرته  الصغيرة منذ نعومة أظفاره وشبابه ولعل هذا ما صاغ شخصيته الأخلاقية والثقافية وهذا كله لم يمنعه من الدراسة إذ كان له ذكاءً خارقاً وامتلك فطنةً عجيبة يشهد له بها جميع من عايشه، دفعت كل هذه الصعوبات الحياتية والاقتصادية الشهيد إلى مراحل ثقافية رفيعة ومراحل علمية كبيرة على مستوى درس السطوح وأصبح إماماً لمسجد باقر خان فيما بعد.

ما هي أساليب وطرق التبليغ المعتمدة من قبل الشهيد دستغيب وما هي أهم المبادئ التي كان يسعى  لنشرها بين الناس؟

مارس الشهيد الخطابة والمنبر عبر الحديث السهل الممتع بين الناس موضحاً من خلاله دور الإسلام والدين في قيادة الحياة والدولة لأهمية ذلك في عصره في مقابل سلطة الشاه، كما بيّن دور المسلم وتكليفه في غيبة المعصوم وأظهر دور الأمة في احتضان الإسلام والعلماء والمراجع والاستفادة منهم والعمل بكلامهم باعتبارهم ورثة الأنبياء، وقام بتعريف الظالمين عبر منبره وخطاباته ومسجده ولقاءاته وزيارته، إذ كان يزور الناس ويتفقدهم ويلتقي بهم سائلاً عن حاجاتهم ولم يكن مثل بقية علماء عصره بل كان يعيش مع الناس ويحمل همومهم وآمالهم ويقضي حوائجهم، أقلقت هذه الأساليب في حركة السيد دستغيب النظام إذ وجدوه متميزاً عن بقية العلماء متصدياً بمنبره بواقعه بأخلاقه بسلوكه بفكره على أرض الميدان مقدماً نموذجاً متميزاً جداً من العلماء والمبلغين الرساليين، والميزة الأهم كانت تفاعل الناس معه واحتضانهم لتوجهاته إذ كان يسعى لمواجهة الظلم والقهر والاستبداد عبر شعار هيهات منّا الذلة ومجالس العزاء التي كان يقيمها دائماً، عندما شخّص النظام خطره عليه سعى لاعتقاله فطارده وسجنه، ولعل هذا هو السبب الرئيسي الذي  دفعه للهجرة إلى مدينة النجف الأشرف، فتحت له  خه الهجرة منابع جديدة من العلم والمعرفة أوصلته إلى مصاف المجتهدين على مستوى الاستنباط الفقهي والأصولي،  فهو درس هناك على أيدي نخبة من العلماء الكبار أمثال آيات الله السيد كاظم الشيرازي وأبي الحسن الموسوي الأصفهاني، والميرزا علي آقا القاضي الطباطبائي الذي كان من أعاظم أهل المعرفة والسير والسلوك. ونال ثمانية إجازات اجتهادية. بعد عودته من النجف الأشرف، أخذ يقيم صلاة الجماعة في المسجد الجامع العتيق ويقوم على دعوة الناس وإرشادهم، وأخيرا،ً من خلال مرافقته لسماحة آية الله نجابت استطاع تحطيم قيود الدنيا في نفسه كاملاً ولم يبق له أمل فيها سوى قرب الله تعالى ووصاله. كانت الفضائل الخلقية للشهيد السعيد هي حديث العامة والخاصة؛ كتب المرجع آية الله محمد كاظم الشيرازي عندما أعطاه درجة الاجتهاد: “أنه منزه عن كل دنيّة ومزيّن بكل فضيلة”. والإمام الخميني الكبير(قدس)  يصور لنا ببيانٍ واضحٍ خُلق وسجايا شهيد المحراب ويقول: “مرشد المحرومين”، “هادي الناس”، “معلم جليل”، “عالم عامل”، وفوق كل ذلك “ملتزم للإسلام” و “شخصية كريمة”.

ما هو الدور والأنشطة الثقافية والتبليغية والسياسية التي قام بها الشهيد دستغيب لمواجهة نظام الشاه وكيف واجهت السلطة نشاطاته ومواقفه؟ 

بدأ الجهاد السياسي للشهيد منذ أن وجد أساس الدين في خطر بتولي رضا خان للحكم؛ ولهذا كان يعمل على توعية الناس عبر منبر الخطابة، حيث تجلى ذلك بشكلٍ خاص في اعتراضه الشديد على نزع الحجاب الإجباري للنساء الذي كان أول خطة استهدفت ضرب الإسلام وفتح الباب أمام المفاسد والمنكرات في المجتمع ليتزايد بالتالي نفوذ الأجانب في جميع شؤون البلد الإسلامي. وعندما راح رضا خان يواجه علماء الدين، منع جلاوزته السيد من ارتقاء المنبر والخطابة، فكان يجلس على الأرض ويعظ الناس. ربطته علاقة متينة بالإمام الخميني (قدس) فكان يقول دائماً “كل وجودي في خدمة الإسلام” وفي خدمة الإمام، وكان ينسق حركته السياسية والثقافية المباركة مع حركة الإمام الخميني(قدس)، فزار بيوت العلماء بيتاً بيتاً ليقنع الساكتين منهم ويدب النشاط في قلوب الخائفين والمترددين، كان يخطب في  المجلس الأسبوعي العام في ليالي الجمعة في مركز الجهاد (المسجد الجامع في شيراز)، وكان يفضح في خطبه النظام ويوعي الناس ويعدهم لمواجهة الظلم. كان شريط خطبه يوزع في أنحاء البلاد، وكان بعض خطبه على درجة من التأثير والفائدة بحيث كانت تستنسخ بأمر الإمام وتوزع بأعدادٍ كبيرة، كان يقول أن الإسلام في خطر ويصعد من كفاحه إلى حد أنه في أيام المرجعية العليا للسيد الحكيم في النجف وكان السيد دستغيب وكيلاً له طلب الشهيد مرتين من السيد الحكيم إعلان الجهاد والثورة على النظام، ولكن السيد رفض ذلك.

كذلك لمّا كانت سياسة دعم الثقافة الأجنبية المبتذلة تدفع بالبلد نحو الهاوية، كان اعتماده الأساس في مواجهة الهجوم الثقافي الأجنبي هو تكريس الثقافة الإسلامية وكان يُصرح في خطبه ” يريدون أن يسلموا البلد إلى اليهود، نحن أحياء وندع إسرائيل وجواسيسها يتحكمون بثقافة البلد الإسلامي؟! كلاّ، هذا لن يحصل، ويضيف نحن في حرب ضد المناوئين للإسلام .

بعد اعتقال الإمام الخميني(قدس) حضر رجال الساواك من طهران إلى شيراز ليهاجموا داره، لكنه كان على علم مسبق بخطتهم فانتقل إلى دارٍ أخرى، وتجمع الناس في الأزقة دفاعاً عنه وكانت شبه ثورة، استشهد فيها عدداً منهم وجرح آخرين رجالاً ونساءً منهم ابن أخت الشهيد السيد خليل دستغيب، واعتقل نحو خمسمئة شخص من أقربائه وأتباعه من قبل السلطات العسكرية في المدينة، فأعلن عن قبوله بتسليم نفسه مقابل إطلاق سراح كل المعتقلين، فسلم نفسه ليدخل سجن قزل قلعة، وبعد إطلاق سراحه حل ضيفاً على الإمام الخميني(قدس) مدة ثلاثة أيام تكريماً له.

كيف ساعد الشهيد على تثبيت دعائم الثورة الإسلامية عبر الأنشطة الدينية والثقافية والسياسية والاجتماعية المختلفة وما هي أبرز هذه الأنشطة؟

دعم الشهيد دستغيب مواقف الإمام الخميني(قدس) فهو يراه نائب المعصوم الذي يجب طاعته، وكان الشهيد يقف بوجه الثقافة الغربية لذلك ألف ١٤٠٠ كتاب أهمها القصص العجيبة والقلب السليم والثورة الحسينية مروراً بكتب العقائد والتهذيب النفسي والتفاسير المتعددة انتهاءً بكتابه عن السيدة الزهراء(ع)، كما كان له دورٌ بارز في الحرب المفروضة إذ شجع الشباب للذهاب للجهاد في سبيل الله لمواجهة نظام صدام ، ودعم قوات التعبئة والمجاهدين وكان يشيد بهم ويزورهم ويدعمهم ويسميهم المؤمنون الحقيقيون وأنصار الله، كان يقول  ويردد:”كلنا نموت وما أجمل الموت شهداء” و”الشهادة فخرٌ لنا”، كما أصبح الشهيد بعد انتصار الثورة نائباً في مجلس الخبراء وإمام جمعة مدينة شيراز.

 كيف أثّر استشهاده على الساحة الاسلامية في ايران والعالم العربي؟

كان للشهيد مكانةً كبيرة عند الناس أسسها عبر جهاده ومنبره ومسجده وجماعته وصوته وحركته وأخلاقه وزهده وعلمه ومعارفه وبركاته التي رآها الناس بأم أعينهم لذلك كانوا يحوطونه ويحذره البعض من غدر المنافقين والمستكبرين والصهاينة والأميركيين ومن عملائهم، أستيقظ السيد في يوم شهادته من النوم عند منتصف الليل وكأنه رأى رؤية وهو يقول لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم وكأن شهادته تذكرنا بشهادة جده أمير المؤمنين(ع)جده الأكبر علي (ع)، في الساعة الحادية عشرة ونصف وهي الساعة التي يخرج بها دائماً إلى صلاة الجمعة خرج كعادته إلى صلاة الجمعة، وكان كعادته لا يركب السيارة بل يمشي وسط الجموع المتوجهة الى الصلاة مسلماً على الجميع مستقبلاً حاجاتهم، بعد لحظات أسرعت إليه فتاة في التاسعة عشرة من زمرة المنافقين مع عدة كيلوات من مادة الــ “تي أن تي” بحجة أنها تريد إيصال رسالة إلية بيدها، ثم دوى انفجار مهيب تقطع على أثره السيد عبد الحسين دستغيب إرباً إرباً كمولاه المظلوم الإمام أبي عبد الله الحسين (ع). وذلك في العشرين من شهر اذار عام 1360 شكل يوم وفاته يوم حزن للحوزة العلمية ولأهالي مدينته  بل لإيران جميعها.

ختم الشهيد دستغيب سجل حياته بوصيته بتقوى الله، ولا شك في أن أتباع الهدى سيستوقفهم باستمرار هذا المقطع من وصيته: “أوصي أولادي بالتقوى والسعي إلى ألاّ يفوتهم واجب ولا يرتكبوا حراماً، وأن يروا الله حاضراً دائماً. ليعلموا أن الدنيا معبر والآخرة دار قرار، ولا ينسوا الدعاء لهذا العاجز…”.