“المقاطعة” سلاح الشعوب ضد الكيان الصهيوني

استمرار هذه الجرائم في أسابيع متتالية دفع المسلمين إلى إطلاق حملات مختلفة بالإضافة إلى احتجاجات واسعة النطاق في الشوارع لقضية المقاطعة الكاملة للمنتجات الإسرائيلية الصنع

2023-11-28

أثارت جرائم الكيان الصهيوني في قطاع غزة منذ 47 يوماً، والتي أدت إلى استشهاد وجرح عشرات الآلاف من المدنيين، غضب المسلمين في العالم، إن استمرار هذه الجرائم في أسابيع متتالية دفع المسلمين إلى إطلاق حملات مختلفة بالإضافة إلى احتجاجات واسعة النطاق في الشوارع لقضية المقاطعة الكاملة للمنتجات الإسرائيلية الصنع، الأمر الذي يمكن، من وجهة نظر معظم الخبراء، أن يشكل ضغطاً اقتصادياً على الكيان وإجباره على وقف الحرب.

 

وعلى عكس الحكومات العربية المحافظة، فإن الرأي العام في المنطقة، إلى جانب تنظيم احتجاجات مناهضة للصهيونية، وضع مقاطعة البضائع الصهيونية على جدول الأعمال، ومع زيادة الوعي والفهم لنتائج المقاطعة، شهدنا خلال الفترة الماضية انخفاضًا في أرباح الشركات الشريكة والداعمة للكيان الصهيوني والتي تكبدت خسائر فادحة في بلدانها.

 

 

الشبكات الاجتماعية في متناول مؤيدي مقاطعة الكيان الصهيوني

 

وفي الكويت، بدأ بعض الناشطين حملة كبيرة تحت شعار “هل قتلت اليوم فلسطينيا؟” وأطلقوا حملة تشير إلى أن شراء منتجات الشركات الداعمة للاحتلال الإسرائيلي يعني المشاركة في قتل الفلسطينيين، وحسب فرانس 24، قاطع الناس في الدول العربية بالخليج الفارسي شراء البضائع الصهيونية بهذه الحملات وقالوا إنهم لا يريدون أن تساهم أموالهم في المزيد من الحروب في فلسطين.

 

وانتشرت حملات المقاطعة في العديد من الدول العربية، وخاصة في مصر والمغرب والخليج الفارسي والأردن، حيث نشر العديد من المستخدمين والناشطين مقاطع فيديو لمطاعم أمريكية في بلدانهم لإظهار مدى خلوهم من العملاء.

 

وحسب شبكة TRT، دعت إحدى الصفحات على فيسبوك والتي تحمل اسم “صنع في مصر” إلى استخدام المنتجات المحلية، وأكدت أن البضائع الأجنبية التي يجب حظرها هي تلك التي لم يتم إنتاجها في مصر، وفي حملات المقاطعة، تم تقديم المنتجات التركية كأحد البدائل، والتي كتب عنها المصريون بأنها جيدة الصنع وموثوقة، كما دعم بعض الممثلين والمخرجين المصريين حملة العقوبات وطالبوا باستخدام المنتجات المحلية.

 

كما طالبت اللجنة الوطنية الفلسطينية الدول العربية والإسلامية بالقيام بحملات مقاطعة ضد “إسرائيل” على كل المستويات، من مقاطعة البضائع الإسرائيلية إلى العقوبات الأكاديمية والثقافية والفنية والرياضية.

 

وحسب شبكة الجزيرة، فإن حملات المقاطعة واضحة في مختلف المناطق، ورفض الناشطون الاجتماعيون والفنانون التعاون الثقافي والفني مع الكيان الصهيوني وحلفائه، كما طالبت الشبكات الافتراضية الجميع بمقاطعة أي نوع من الاحتفالات بسبب مأساة غزة احتراما لأرواح الشهداء، وكل من يخالف ذلك سيتعرض لانتقادات شديدة من رواد مواقع التواصل الاجتماعي، إن هذه المقاطعة تظهر احتجاج الشعوب الأكيد على سياسات تل أبيب الوحشية والقسرية تجاه الفلسطينيين وتعتبر وسيلة للتأكيد على الرفض العلني لقتل الأطفال.

 

وحسب صحيفة القدس العربي، فإن حملات المقاطعة دفعت العديد من الشركات إلى تغيير موقفها من حرب غزة وإعلان حيادها من خلال تعديل سياساتها التجارية أو الاستثمارية استجابة لضغوط الرأي العام، وذكرت هذه الشركات أنها تمثل الدول التي تمثلها، ورفضت أي دعم للكيان الصهيوني لتجنب خسائرها.

 

إن مسألة معاقبة كيان الاحتلال مطلب شعبي والناس أصبحوا أكثر وعيا ومطالبين بهذه الحملات يوما بعد يوم، ومن ناحية أخرى، فإن العقوبات هي رد طبيعي وسلمي على جرائم الكيان الصهيوني في فلسطين، والتي ينبغي أن تكون لها الأولوية.

 

وينبغي على المجتمع الدولي أيضا أن ينظر بعناية إلى هذه الحملات، ويفهم دورها في سياق الصراعات الإقليمية، ويبحث عن وسائل فعالة لتحقيق السلام والاستقرار في المنطقة، فالحصار سلاح ذو حدين، فهو يضعف اقتصاد الكيان الصهيوني، كما أن تقليص ميزانيته ودخله يجعله يتوقف عن شراء الأسلحة، وفي الوقت نفسه، تساعد شعوب الدول الأخرى على استخدام السلع المحلية البديلة بدلاً من السلع الصهيونية، ما يساعد على ازدهار أعمالهم واقتصادهم.

 

وحسب موقع العربي، فإن حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات أو ما يسمى BDS تأسست عام 2005 على يد مجموعة من الناشطين الفلسطينيين والعرب واليهود الذين هم أعداء الحركة الصهيونية والاتحادات الأجنبية، وتعتبر هذه الحركة من أكثر الحملات تنظيما وفعالية، لأنها تدعو إلى مقاطعة الشركات الصهيونية والشركات العالمية المتواطئة في انتهاك حقوق الفلسطينيين ودعم جرائم الصهاينة بشكل مباشر.

 

في الأسابيع الأخيرة، رداً على جرائم “إسرائيل” في غزة، اتخذت بعض الدول خطوات أولية لحظر البضائع الصهيونية، وفي هذا الصدد، حظر البرلمان التركي مؤخراً استخدام منتجات كوكا كولا ونستله في مطاعمه بسبب دعمهما للكيان الصهيوني.

 

لا تقتصر حملة معاقبة “إسرائيل” على الدول الإسلامية فقط، لأنه منذ بداية غزو غزة من قبل الصهاينة، دعت العديد من الدول حول العالم إلى فرض عقوبات على هذا الكيان لوقف أعمال القتل في غزة، لكن الدول الإسلامية كانت السباقة في هذا الاتجاه نظرا لتشابههم الديني واللغوي.

 

 

الخسارة الفادحة للشركات التابعة لتل أبيب

 

ومع مقاطعة الناس في جميع أنحاء العالم للبضائع الإسرائيلية، واجهت سلاسل الوجبات السريعة الدولية مثل ماكدونالدز، وستاربكس، وكنتاكي فرايد تشيكن، وبيتزا هت، وبرجر كنج، بالإضافة إلى شركة Grab لخدمات نقل الركاب، انخفاضًا في العملاء والأرباح.

 

وحسب الجزيرة، أعلن فرع ماكدونالدز التابع للكيان الصهيوني، الشهر الماضي، أنه قدم آلاف الوجبات المجانية لجيش هذا الكيان، الأمر الذي أثار استياء الرأي العام العربي، ولهذا السبب، تم إغلاق عدد من فروع ماكدونالدز في الدول العربية خوفا من الخسارة، وأصدرت المركز الرئيسي للشركة بيانا أكدت فيه أنه لا علاقة لها بفرع ماكدونالدز في الأراضي المحتلة ولا تدعم تل أبيب بأي شكل من الأشكال، وحتى لا تخسر عملاءها، أعلنت ماكدونالدز الكويت في بيان لها أن “خمسين ألف دينار كويتي ساعدت أهل غزة، وأكدت وقوفها إلى جانب فلسطين وخصصت ماكدونالدز قطر مليون ريال قطري لمساعدة أهل غزة، ليظهروا أنهم لا يدعمون جرائم الاحتلال في غزة.

 

وفي مصر تعتبر شركة المياه الغازية المصرية “سبيرو سباتس” التي لم تحظَ بشعبية كبيرة، بديلا للعلامتين التجاريتين الشهيرتين “بيبسي” و”كوكا كولا”، ما أدى إلى انخفاض مبيعات هاتين الشركتين.

 

وفي الأردن، تشير منشورات على وسائل التواصل الاجتماعي إلى العلامات التجارية المؤيدة للصهيونية تحت شعار “لا تساعدوا في دفع ثمن رصاصاتهم”.

 

وفي قطر، اضطرت بعض الشركات الغربية إلى الإغلاق بعد أن نشرت إدارتها محتوى مؤيدًا ل”إسرائيل” على وسائل التواصل الاجتماعي، وأغلقت فروع مقهى بورا فيدا ميامي الأمريكي ومطعم الحلويات الفرنسي ميتر تشو مكاتبهما في الدوحة الشهر الماضي.

 

ورغم أن هذه الإجراءات محدودة في الدول العربية، إلا أنها تظهر أن الشركات التابعة للكيان الصهيوني أو الشركات الداعمة لهذا الكيان ستواجه ظروفا صعبة.

 

 

الضربات الاقتصادية للحصار الذي فُرض على الكيان الصهيوني

 

ورغم أن الكيان الصهيوني لم يتذوق بعد الطعم المرير للعقوبات، إلا أن مسؤولي هذا الكيان يدركون جيداً آثارها الضارة على اقتصادهم، وحسب وسائل الاعلام الصهيونية فإن تقريرا أعدته وزارة مالية الكيان الصهيوني عام 2013 ونشر عام 2015 طرح خمسة سيناريوهات لمخاطر الحصار طويل الأمد، أولها وأقلها خطورة هو الحظر الطوعي على “إسرائيل” من قبل عدد محدود من الدول، وسيخسر خلالها المستهلكون محلياً 130 مليون دولار سنوياً وقد يفقد 430 شخصاً وظائفهم.

 

وإذا امتد هذا الحصار ليشمل جميع دول الاتحاد الأوروبي وجميع مستهلكيها ومخازن الإنتاج التي تدخل الأراضي المحتلة، فقد يؤدي إلى انخفاض صادرات البضائع الإسرائيلية بنسبة 1% وخسارة سنوية تقدر بنصف مليار دولار، كما سيتم فقدان حوالي 1800 وظيفة.

 

ولكن إذا امتد نطاق الحظر ليشمل جميع البضائع الإسرائيلية، على غرار تلك المفروضة على نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا في الثمانينيات، فإن ذلك قد يؤدي إلى السيناريو الأسوأ بالنسبة ل”إسرائيل”، ما يؤدي إلى خسارة سنوية قدرها 10 مليارات دولار وحوالي 40 ألف فرصة عمل.

 

ورغم أن “إسرائيل” ادعت في تقريرها الرسمي أن تأثير حركة المقاطعة هامشي ولم يتم ذكره حتى الآن، إلا أن تقريرا لصحيفة هآرتس نشر عام 2015 أكد خسارة نحو 6 مليارات دولار بين عامي 2013 و2014، وهو ما أدى إلى مقاطعة المنتجات الزراعية لهذا الكيان.

 

حقيقة أن الرأي العام في العالم الإسلامي يركز كثيرًا على معاقبة كيان الاحتلال هو أنه في العقدين الأخيرين، بدأت الدول الإسلامية علاقات تجارية سرية واسعة النطاق مع تل أبيب، وإذا توقفت هذه التعاونات، فسيواجه الصهاينة أزمة خطيرة.

 

 

قلق بشأن العقوبات الثقافية

 

وبالإضافة إلى التأثير الاقتصادي المباشر، فإن أكثر ما يقلق “إسرائيل” هو المقاطعة الثقافية والأكاديمية والرياضية، الناتجة عن وصف الكيان الصهيوني بـ”الكيان المحتل والاستعماري والعنصري” على الساحة الدولية، ولذلك، حسب وسائل الاعلام، فإن الإسرائيليين يتعاملون مع توسع العقوبات في العالم بمنتهى الجدية، لدرجة أنهم نشروا عام 2015 قائمة سوداء تضم مجموعة من الأشخاص والمنظمات الناشطة في فرض عقوبات على هذا الكيان، وذلك لمنعهم من دخول الأراضي المحتلة، وحتى قادة تل أبيب، بمساعدة جمعيات أصدقاء “إسرائيل” وجماعات الضغط الصهيونية، اعتبروا أي عقوبات ضد هذا الكيان جريمة في بعض الدول.

 

يستخدم الغربيون دائمًا أداة العقوبات لمعاقبة الدول المعادية من أجل مواءمتها مع سياساتهم العالمية، ويمكن للدول الإسلامية أيضًا استخدام هذا السلاح الاقتصادي للضغط على الغزاة، وفي الحرب الأخيرة بين العرب و”إسرائيل” عام 1973، ومن خلال قطع صادرات النفط إلى الدول الأوروبية وأمريكا، استخدمت دول المنطقة رافعة الطاقة للضغط على الغرب، وهذه التجربة الناجحة إذا استُخدمت في الوضع الحالي، يمكن أن تتسبب في أضرار جسيمة لاقتصاد الاحتلال ومؤيديه الغربيين.

 

أ.ش