في يومها العالمي

اللغة العربية.. لغة الصمود التي يتكلّم بها الله تعالى

خاص الوفاق: لم تكن اللغة العربية، لغة الثقافة والتواصل الأدبي العلمي الدولي فحسب، فقد برزت كلغة للصمود والمقاومة، ضد الأمبريالية العالمية، وخاصة الكيان الصهيوني الغاصب، وقد اشعلت الساحات وأذهلت العقول، ودوّت الحناجر.

 

د. سيد محمود خواسته

 

باحث وأكاديمي

 

الحديث عن اللغة العربية بيومها العالمي، إذا ما أنصفنا أنفسنا والآخرين، حديث متشعب الأطراف والجوانب وصعب المنال، للإلمام بكل ما لهذه اللغة العظيمة مشرف ومنعة مكانة، حتى في قلوب المناوئين لها، الذين مازالوا يتأرجحون بين هذا وذاك، لعلهم ينالون ولو بذرة لإنتقاص مكانتها والتباهي بذلك! وحين لات مناص!.

 

ان المتتبع والمتصفح للتاريخ، سالفه وراهنه، والباحث عن لسان أفحم الألسن كافة، وعجزت عن الوقوف بوجهه، وصده عن الحركة إلى الأمام، بما يتطلبه الزمن بل وأكثر من ذلك، يرى بوضوح تام لا لبس فيه، كبارقة الشمس في رابعة النهار، إن اللسان، هو العربي، وإن اللغة هي العربية، وما يبحث عنه العلماء ويأكل مناله الفقهاء، ويرتجى لقاءه العظماء، يكمن في ذلك ولاغير، ممن إختلفوا في مسار التحقيق والتدوين والوصول إلى كعبة آمال المفكرين، بعد أن أتم الله تعالى الحجة والبرهان، بفصل اللسان المذكور عن لسان المنكرين بقوله عزّ من قائل: “وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ ۗ لِّسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَٰذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ” (النحل/103)، فالإدراك والإفهام، إذن، لا يمكن إلّا بواسطة ما اختاره الباري عزوجل من لغة، لتمييز الحق عن الباطل وإيضاح ما إلتبس، وقال تعالى أيضاً: “قُرْآناً عَرَبِيّاً غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ” (الزمر/28).

 

 

اللغة التي لا يعتريها صدأ

 

فاللغة التي لا عوج بها، ولا يعتريها صدأ، هي التي يعلنها الخالق المتعال، لعباده، في مسيرة التقوى والعبادة، فهل يا ترى بعد، وذريعة للإبتعاد عن تلك الحروف والكلمات المضيئة، الساطعة، أو التحول عنها إلى لغة أخرى، كلغة الغرب المعوجة، التي ما فتئت، في تغيير واختلاف، مذ ولادتها لحد الآن!

 

والأعجب من ذلك، ما توهمه البعض ومازالوا، بأن الإدبار عن الحروف العربية، يعني التقدم والتطور والتمدن!، فهم يكتبون اسماءهم، صحفهم، عناوينهم وخطبهم، بحروف لاتينية، لا تنطبق على ما يريدون، ولكنهم يفعلون ذلك، لأنّهم مجبرون عليه!، وما أتعس وأذل الإنسان الذي يؤدي دور القرد في غابته!، فهل يا ترى، يستيقظ أولئك النائمون من سبات عميق أبدي؟ أم، كما قال الشاعر العراقي الشهير معروف الرصافي:

 

يا قوم لا تتكّلموا

 

إن الكلام محرَّم

 

ناموا ولا تستيقظوا

 

ما فاز إلاّ النُوَّم

 

وهذا الإمام الصادق (ع) يقول فيها: “تعلموا العربية، فإنها كلام الله الذي يكلّم به خلقه” (بحار الأنوار، ج 2، ص 212/ الخصال، ج 1، ص 258)، فهي فيما إحدى اللغات الرسمية في المجال العالمي، خاصة في مؤسسات منظمة الأمم المتحدة للخطابة والحوار.

 

وما يحدثنا به التاريخ، لا سيما في عصر الخلافة العباسية، من أن مجموعات كبيرة من كتب العلوم، اليونانية خاصة، تم نقل ما احتوته من مضامين ونظريات إلى اللغة العربية، إلّا غيض من فيض على أهمية هذه اللغة، والدور الذي لازالت تقوم به وتحمله على عاتقها، فيما يتعلق بالثقافة العالمية، والتواصل والإرتباط بين الشعوب المختلفة التي اعتنقت الإسلام، وأغنت لغاتها وحضاراتها بلغة القرآن الكريم، فهو “كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ” (فصلت/3).

 

 

العربية خير اللغات والألسنة

 

عن أبي منصور الثعالبي في كتابه “فقه اللغة و سر العربية”، قال: “… العربية خير اللغات والألسنة، والإقبال عليها وعلى تفهمها من الديانة، إذ هي أداة العلم”، وليس هذا نظر الثعالبي، أحد كبار العلماء، فقط، بل المعروف للداني والقاصي، إن العربية هي اللغة الفريدة التي اعتمدها عظماء المفكرين في تأليفاتهم وآثارهم القيّمة، ولم يكن الكثير منهم عرباً، ومصطفى صادق الرافعي، الباحث المصري الكبير، يقول في كتابه “تحت راية القرآن”: “… إن هذه العربية بنيت على أصل سحري، يجعل شبابها خالداً عليها، فلا تهرم ولا تموت، لأنها أُعدت من الأزل فلكاً دائراً للنيرين الأرضيين العظيمين “كتاب الله وسنة رسول الله (ص)”، وهي كما قال أحمد شوقي:

 

إنّ الّذي ملأ اللغات محاسناً    جعلَ الجمالَ وسرّه في الضّاد

 

وهذا حافظ إبراهيم، شاكياً، بلسان العربية:

 

أَيَهجُرُني قَومي عَفا اللَهُ عَنهُمُ

 

إِلى لُغَةٍ لَم تَتَّصِلِ بِرُواةِ

 

سَرَت لوثَةُ الإِفرِنجِ فيها كَما سَرى

 

لُعابُ الأَفاعي في مَسيلِ فُراتِ

 

فَجاءَت كَثَوبٍ ضَمَّ سَبعينَ رُقعَةً

 

مُشَكَّلَةَ الأَلوانِ مُختَلِفاتِ

 

وهكذا، فطريقها لمن أراد التودد لها واقتطاف ثمارها، طريق الحب الأزلي وينبوع الشراب المطهر العُلوي، فأنت ترى، إن تدوين الملحمة والحماسة، أياً كانت، باللغة العربية، تقودك مُنصاعاً إليها، إلى كل ما يلذ ويحلو لك، لتشعر وتحس بذلك وتلمسه بقلبك قبل أناملك التي تمر على السطور، الحروف والكلمات، والذي ينبع من القلب، صدقاً، يلج القلب، ولو تصفحت دواوين أشعار العرب في الجاهلية وصدر الإسلام والخلافة الأموية، لأدركت ذلك، ولعرفت حقيقة المعرفة، ما هو المدح، والهجاء، والفخر، والحب العذري، بما تحمله الكلمة من معنى، وهذا يعود بطبيعة الحال إلى الحروف التي تتبختر أمامك في القصائد، هنا وهناك، وتربطك إليها، حيث لا تستطيع الإنفلات أو الإنفكاك من ذلك!، و في آيات القرآن الكريم أدل دليل وبرهان، فلو قرأتها مرّات ومرّات وأعدتها يوماً بعد يوم، بل و ساعة بعد ساعة،  فما سئمت، بل وكأنك تتلو و تقرأ جديداً يُنعش ذهنك وأفكارك، فهي، إذن، لغة الأدب والشعر الأولى، وما سبقتها في هذا المجال أخرى، مهما بلغت، حيث يقول الشاعر اللبناني “حليم داموس“:

 

لُغةٌ إذا وقعَتْ على أسماعِنا

 

كانَتْ لنا بَرْداً على الأكبادِ

 

ستظلُّ رابطةً تؤلِّفُ بيننا

 

فهي الرجاءُ لناطقٍ بالضَّادِ

 

 

لغة الصمود والمقاومة

 

لم تكن اللغة العربية، لغة الثقافة والتواصل الأدبي العلمي الدولي فحسب، فقد برزت كلغة للصمود والمقاومة، ضد الأمبريالية العالمية، وخاصة الكيان الصهيوني الغاصب، وقد اشعلت الساحات وأذهلت العقول، ودوّت الحناجر، حتى حناجر الذين لا يتكلمون بها!..

 

قام الأدباء والمفكرون، لاسيما الذين اصطفوا ضد الصهاينة، بدور كبير في ذلك، ولازالوا، أنظر إلى الشهيد الأديب غسان كنفاني، وهو يقول: “إننا نتعلم من الجماهير ونعلّمها، ومع ذلك يبدو لي يقيناً أننا لم نتخرج بعد من مدارس الجماهير، المعلم الحقيقي الدائم الذي تكون الثورة في صفاء رؤياه، جزء لا ينفصم عن الخبز والماء وأكف الكدح ونبض القلب”، (غسان كنفاني (1936- 1972 م)، صحفي قاص، متحدث باسم الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، أُستشهد غيلة، عن عمر يناهض الـ 36 عاماً، بوضع قنبلة في سيارته./ موقع .hekams.com).

 

فأين تجد أنت مثل هذه الكلمات؟ وفي أية لغة؟ لتعبّر عن كنه ما يضمره صاحبها.. غير اللغة العربية، وتثير همّ أصحاب القلم والذهن المتوقد في هذا المجال، منهم الشاعر العراقي “أحمد مطر”، أنظر إليه في قصيدته “عائدون”، يروي لك الحقيقة ناصعة كما هي:

 

هرم الناس وكانوا يرضعون،

 

عندما قال المغني عائدون،

 

يا فلسطين وما زال المغني يتغنى،

 

وملايين اللـحـون،

 

في فضاء الجرح تفنى،

 

واليتامى من يتامى يولدون،

 

يا فلسطين وأرباب النضال المدمنون،

 

ساءهم ما يشهدون،

 

فمضوا يستنكرون،

 

ويخوضون ا لنضا لات على هز القناني

 

وعلى هز البطون، عائدون،

 

ولقد عاد الأسى للمرة الألف،

 

فلا عدنا ولاهم يحزنون! (موقع الديوان).

 

ولقد طال الكلام، وما طال في الحقيقة والواقع، عن لغة شرّفها الله تعالى بقرآنه الكريم، وما قامت به أناملي، بتدوين ما فات، إلّا بصيص نور، من محيط الأنوار العُلوية، فلا تَلُم…

 

لا تلمني في هواها

 

أنا لا أهوى سواها

 

لست وحدي أفتديها

 

كلنا اليوم فداها

 

نزلت في كل نفس

 

وتمشّت في دماها

 

فبِها الأم تغنّت

 

وبها الوالد فاها

 

وبها الفن تجلى

 

وبها العلمُ تباهى

 

كلما مرّ زمان

 

زادها مدحا وجاها..

 

(الأبيات للشاعر اللبناني حليم داموس، لُقّب بـ “حسّان” تيمناً باسم شاعر الرسول(ص)، حسّان بن ثابت/ ويكيبيديا).

 

 

 

أ.ش

المصدر: الوفاق/ خاص