في ذكرى ميلاد سيدة نساء العالمين

السيدة فاطمة الزهراء (س).. إكليلاً على جبين الإنسانية

لا يزال عباقرة المفكرين، يلتمسون بصيص النور، كُحلاً لأعينهم الرمداء، التي أطبق عليها الضياع، بحثاً عن السر العُلوي الذي تمثل بفاطمة (ع).

2024-01-03

 

 

 

د. سيد محمود خواسته

باحث وأكاديمي

 

لم تكن ليلة الميلاد كباقي ليالٍ مضت، وهي تطل علينا من أب كريم، بار وأمين، تعرفه البطحاء، وتلال مكة، وأغوار نجد، بما احتوت عليه وضمّته من عسر و يسر، وبما هللت به يثرب، التي أصبحت مدينة منورة بعد أن وطأها.. فطلع البدر علينا من ثنيات الوداع، و أم منّت على الدهر ولم يمن عليها بوليدة أزهرت بها السموات والأرض، وتشرفت بها نساء الأولين والآخرين، ونساء الدارَين، وتجلى بها الحُسن على حقيقته وروعته، في كل ما انصب وتجسم فيها، وقد أراد الله تعالى، أن تصبح أم الأئمة الطيبين الطاهرين، وإكليلاً على جبين الإنسانية جمعاء، فقال فيها سيد الرسل والأنبياء (ص): “لو كان الحسن شخصاً لكان فاطمة، بل هي أعظم. إن فاطمة إبنتي، خير أهل الأرض عنصراً وشرفاً وكرماً”. (رواه الخوارزمي، بإسناده عن ابن عباس، مقتل الحسين (ع) 60/1).

 

فهي الصديقة الكبرى، أم أبيها وحاملة راية الإسلام الأصيل، كما جاء وكما تجذّر في العقول والأفئدة، كأصالة أشعة الشمس في رابعة النهار، لا ريب فيها.. هي فاطمة الزهراء (ع).. التي أوصت من يتبع بيت الوحي والنبوة: “إن كنت تعمل بما أمرناك، وتنتهي عما زجرناك عنه، فأنت من شيعتنا، وإلّا فلا” (تفسير الإمام العسكري (ع)، ص 320، ح 191)، فهل يا ترى، وأنت تتصفح التاريخ، كل التاريخ، وليس التاريخ الإسلامي فقط، كلمات، تتواجد فيه، من عسجد ، تنير لمعمورة بما فيها، لياليها المظلمة، بعد النبي (ص)، وعلي أميرالمؤمنين (ع)، أفضل وأنقى سريرة وسراً، مما تفوهت به البتول الزهراء (ع)؟، وهل يسع العقل أن يتصور، ولو لفترة وجيزة، الدار التي تشرّفت بقدومها، وسطعت عليها أنوارها، مهما أُوتي من علم لحد الآن؟

 

 

السر العلوي

 

فلا يزال عباقرة المفكرين، يلتمسون بصيص النور، كُحلاً لأعينهم الرمداء، التي أطبق عليها الضياع، بحثاً عن السر العُلوي الذي تمثل بفاطمة(ع)، ولم يتمسكوا بعروته الوثقى، التي “لا انفصام لها”، حتى يومنا هذا!، وخطت أقدامهم بهم، إلى ما لا يُحمد عقباه، و لم يتوصلوا إلى كُنه المعرفة الإلهية الحقيقية، ومنازل العرفان الأبدية. فكم دوّنت وتدوّن الأقلام، منذ الميلاد الأغر، لتبزغ شمس الحقيقة، دون سحاب يتستّر عليها؟

 

ألهذا نهاية؟ أو بداية، لتاريخ وعصر جديد؟، نهاية ما قيل ونُسب إليها، وهو بعيد، وبداية لأن تتعرف الإنسانية، ويتعرّف الإنسان، على حورية لا تزال تمشي على كوكبنا، ولا نحس أو نشعر بذلك! رغم أنها حاضرة، حضور أرواحنا في أجسامنا، بيننا!

 

فهي كما قال لها رسول الله (ص): “إن الله غير معذبكِ ولا ولدكِ”، وفي رواية أخرى: “ولا أحد من ولدك” (جواهر العقدين، العقد الثاني، الذكر الثاني، ص 216، و عوالم العلوم ص 44، رقم 1).

 

إن المتتبع للأحداث التاريخية، حين البعثة النبوية، وصدر الإسلام وما تلا ذلك من وقائع، يرى بوضوح أن أكثر الذين منَّ الله تعالى عليهم بالإسلام، وأخرجهم من ظلمات الوثنية وأرجاسها، تنكروا لها، كأن لم يكن بينهم رسول جاء بها أوحى الباري عز وجل له!

 

وحتى “إسلامهم” كان كما أوردته الآية الشريفة: ” يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ” (الحجرات/17)، أي إنهم كانوا يتبجحون (بإسلامهم) بالمَنّ! ولم يهتدوا بعد!. ولكن.. قل لي، متى وأين وكيف، تغيب شمس عن خليقة وكون فيهما البتول(ع)؟ وهي كما قال الرسول الأعظم (ص): “إبنتي فاطمة سيدة نساء العالمين” (رواه الشيخ عبدالله البحراني، بإسناده عن ابن عباس، نفس المصدر، ص 46، رقم 5)، فمهما سطرت الأقلام، وتفتحت الأذهان، إلى يوم يُبعثون، لا، ولن تقوم بما لها من حق على الإنسان، بما تحمله الكلمة من معنى، ولاسيما الإنسان المسلم المدين بإسلامه، للرسول الأعظم (ص) الذي أنجب فريدة البشرية فاطمة الزهراء (ع)، فهي التي تقول مشيرة إلى الله جل جلاله: “نحن وسيلة في خلقه، ونحن خاصته ومحل قدسه، ونحن حجته في غيبته، ونحن ورثة أنبيائه” (شرح نهج البلاغة، لإبن أبي الحديد، ج 16، ص 211).

 

 

 

 

إمرأة جسّدت الهوية الإنسانية كاملة

 

هذه هي أم أبيها (ع) وأم الأئمة الميامين (ع)، التي قال فيها الإمام الخميني (قدس)، وهو الذي إستلهم منها إنبثاق وإنتصار الثورة الإسلامية المظفرة، وهو الذي اقترن ميلاده المبارك بميلاد جدته الطاهرة: “إمرأة أطلت على الدنيا بإزاء جميع الرجال.. إمرأة أطلت على الدنيا مثالاً للإنسان.. إمرأة جسّدت الهوية الإنسانية كاملة” (من حديث لسماحته في جمع من النساء 17/5/1979، موقع الإمام الخميني (قدس)).

 

فماذا أكتب بعد؟ عن أي شيء، منقبة، فضل وينابيع محبة ومشاعل نور، على مسار المؤمنين، بل، والمستضعفين في كافة أرجاء العالم؟ فيا أيتها الشمس الساطعة التي لا تغيب:

 

لم تَزالي في نذورِ الأمَّهاتْ

 

جوهرَ اليُمْنِ وسِرَّ البركاتْ

 

واسْمُكِ الخالدُ في أفواهِنا

 

لم نزلْ نحرسُهُ بالقُبُلاتْ

 

يا فتاةَ الوحيِ يا أُمَّ الهدى

 

يا هدى الأُمِّ ويا وحيَ الفتاةْ

 

الأبيات الشعرية للشاعر جاسم الصحيح، ولد بمدينة الجفر، الإحساء، له عدة دواوين، وحائز على جوائز عديدة، من بينها جائزة سوق عكاظ الدولية للشعر العربي عام 2018.

 

أ.ش

المصدر: الوفاق/ خاص