بعد افتتاح أشهرها وأقدمها..

كيف ساهمت طائفة البُهَرَة بترميم مساجد مصر؟

لقد ساهم الدعم السخي الذي قدمته البهرة للحكومة المصرية، بترميم حوالى 11 ألفاً و887 مسجداً، وتجديد مبانٍ تراثية وأثرية من مقامات آل البيت، وبينها الأقمر، السيدة زينب، ومقصورة السيدة رقية والسيدة نفيسة والإمام الحسين والجامع الأزهر، وزين العابدين

2024-04-13

بعد بلوغها الهند وباكستان، وقبلهما اليمن، تعمل طائفة “البهرة” المتمركزة في مومباي، بالتجارة بعيداً عن السياسة، وعلى يدها دخل الكثير من الهندوس، الإسلام، لتجوب مصر من القاهرة إلى أسوان، أقصى الجنوب، منذ السبعينيات لإحياء تراث دولتهم الفاطمية.

 

“أحفاد الفاطميين”، هكذا يصف المجتمع المصري تلك السلالة التي حكمت القاهرة إبان هذه الدولة، لأكثر من قرنين من 969 ميلادية، ليهزمها صلاح الدين الأيوبي عام 1174، وتبهج أعمال الترميم الأخيرة التي نفذتها في مسجد السيدة زينب(ع)، روح المصريين.

 

في الميدان الفسيح بأشهر المناطق الشعبية في مصر، وقف أحمد الهادي ابن محافظة المنيا، صعيد مصر، أمام مسجد السيدة زينب(ع)، الذي أقيم فوق ضريحها الشهير عام 85 هجرية، مطلقاً تنهيدة اشتياق، متأملاً الترميمات وطلاءات الزخارف باللونين الذهبي والفضي والأخضر وماء الذهب، التي أضفت مزيداً من البهجة والأناقة على المبنى التاريخي، وتمّت بتمويل طائفة البهرة في الهند والقاهرة من “أحفاد الفاطميين”.

 

تنهيدة اشتياق لغيابه عامين، أطلقها الهادي، أمام المسجد، الذي أقيم فوق الضريح عام 85 هجرية، بعد مشاهدة الزخارف الأنيقة والترميمات الحديثة التي مولتها البهرة، التي تعني “التاجر” بالهندية القديمة، وهي 3 فرق، البهرة الداوودية بالهند وباكستان منذ القرن العاشر الهجري، والبهرة السليمانية في اليمن، والعلوية في سوريا.

 

لقد منع ضيق الحال، الهادي (43 عاماً)، من زيارة المسجد، الواقع في منطقة تحمل الاسم نفسه، والذي يُعدّ “درة تاج” المزارات الإسلامية، لكن النظرة الأولى أصابت أوصاله برعشة من رهبة المكان.

 

في حضرة “أم العواجز” و”رئيسة الديوان”

 

الأرضيات الرخامية المصقولة والفخمة، والألوان الزاهية والترميمات الأثرية التي باتت تُزيّن ضريح السيدة زينب(ع) ومسجدها العتيق وقبّته، أبهرت هذا الرجل الريفي ذو البشرة السمراء، بفعل أشعة الشمس والكدح بالأرض، ودفعته يتأملها طويلاً.

 

الروح المشتاقة والعين التي تلألأت بريقاً، كست وجه الهادي، كانت سر التنهيدة لرؤية المسجد للراحة النفسية التي أحسها، لأن “لمقام ستنا الطاهرة ومسجدها العتيق رهبة، حين تدخله تسكنك نفحات إيمانية، وتسري الطمأنينة والسكينة بكل جسد متعب من الحياة والظروف”.

 

في ضريح “رئيسة الديوان” و”أم العواجز”، السيدة زينب ابنة علي بن أبي طالب(ع)، وابنة فاطمة بنت محمد رسول الله(ص)، كما تسمى بمصر تعظيماً وتبجيلاً لمكانتها، ستجد من يتعلق بالضريح في خشوع مردداً آيات القرآن الكريم، ومن يرفع يديه للسماء في لهفة لاستجابة مطلبه، وآخرين يغرقون في نوبة بكاء ونحيب من الخشية التي تعمّ المكان.

 

بخلاف ضريح “الطاهرة”، و”أم اليتامى”، وفق وصف المصريين، أعادت” البهرة” التي تتوزع بـ40 دولة، ولها تقويماً قمرياً خاصاً، ترميم مقامات “آل البيت” كأضرحة الإمام الحسين(ع)، والسيدة فاطمة النبوية؛ والسيدة نفيسة؛ والسيدة رقية، وتطوير مساجد عمرو بن العاص، والظاهر بيبرس، والحاكم بأمر الله، وجامع سليمان باشا الخادم، وغيرهما، وفق خبراء الآثار المصريين.

 

البُهَرَة وترميم مساجد مصر

لم يسمع أحمد الهادي، الذي رافقه بالزيارة أسرته المكونة من 4 أفراد، عن طائفة البُهَرَة، ودورها الكبير في ترميم المساجد التاريخية.

 

بهدوء وابتسامة رائقة، جلس محمد فؤاد في أحد مقاهي شارع المبتديان الممتد لمنطقة السيدة زينب(ع)، المهندس في أحد مصانع الأجهزة الكهربائية، ويعد من المرتبطين بمساجد آل البيت(ع).

 

فؤاد، الرجل الخمسيني المثقف، لديه بعض المعلومات عن تاريخ و نشأة البهرة وطقوسهم في مصر من خلال قراءته كتاب “الطوائف الأجنبية فى مصر.. البهرة نموذجاً”، لسعاد عثمان.

 

يقول إنها طائفة محبة لتراث ومساجد آل البيت(ع) وترميم قبورهم كأضرحة السيدة زينب(ع)، والإمام الحسين(ع)، والسيدة نفيسة؛ والحاكم بأمر الله، وغيرهما وهي مساجد ومقامات يعشقها المصريين.

 

يرفض فؤاد التشكيك في أهداف البهرة من إحياء تراث الدولة الفاطمية، “فجميع أعمالها تتم بموافقة الحكومة المصرية، وهي مثل “البهائية” وغيرها من الطوائف الدينية المندمجة بالمجتمع المصري والمحبة له وإن كان لها طقوسها الخاصة”.

 

ويقيم المنتمون للبهرة في منطقة القاهرة الفاطمية ولهم بيوت خاصة يسموها “جماعات خانا”، يعقدون فيها اللقاءات العامة، أما احتفالاتهم الدينية فتكون قي ميدان الجمهورية في حي المهندسين، وتقدّر أعدادهم بحوالى 15 ألفاً، كما يعيشون في منطقة المهندسين خصوصاً شارعي البطل أحمد عبد العزيز ومحي الدين أبو العز.

 

وطقوس البهرة، التي بينها الطواف في المساجد وتلاوة الأدعية الخاصة بهم مع شروق الشمس، وفق فؤاد، تشمل الاحتفال بمولد زعيمهم محمد برهان الدين سلطان في 11 آذار/مارس من كل عام، داخل مسجدي الحاكم بأمر الله والأقمر بالزي الباكستاني، ويذهبون إلى مكة للحج.

 

وبجانب عيدي الفطر والأضحى يحتفلون بالمولد النبوي الشريف وبيوم غدير خم (يوم 18 من شهر ذي الحجة الحرام)، وإحياء ذكرى عاشوراء واستشهاد الإمام الحسين(ع)، في مساجد الحاكم بأمر الله والجيوشي والحسين.

 

حب المصريين لـ”سيد الشهداء”

 


في منطقة القاهرة الفاطمية، وفي رحاب “سيد الشهداء” و”ريحانة النبي”، كما ينادونه المصريون، “تسرى بجسدك قشعريرة يشعر بها كل من يضع قدماه داخل مسجد الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب (ع) من عظمة ورفعة مقام صاحبه، فلا تشعر إلا ودموعك تتساقط”، مثلما يصف حسام راضي.

 

حسام راضي، الذي يعمل في مهنة صناعة الحلي وأدوات الزينة، يحرص على اصطحاب نجليه لأداء صلاة الجمعة بالمسجد، الذي يعود إلى عصر الدولة الفاطمية وحكم الخليفة الفائز بنصر الله في سنة 549 هجرية الموافق 1154م، وتوالت العصور حيث عهد الأمير عبد الرحمن كتخدا سنة 1761م، لتجدد هيئة الآثار المصرية المشهد الشريف وتغيير قبتها وترميم الجامع الحسيني في الثمانينات.

 

وبرفقة السلطان مفضّل سيف الدين، افتتح الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، في آب/أغلسطس 2022، مسجد الإمام الحسين (ع) في حلّته الجديدة، ليستعيد بريقه التاريخي، في أعقاب حريق قرب ساحته.

 

بكاء في محبة “سيدة العلوم”

لقد فرغت للتو السيدة الأربعينية هدى محمود، من قراءة الفاتحة والتبارك بالمقام ومسجد السيدة نفسية، الذي تّزين بالزخارف الهندسية البديعة والأرضيات الرخامية الفخمة والجديدة، ويزوره ملايين المصريين وجنسيات أخرى كل عام.

 

جلست هدى، الأم لأربعة أطفال، داخل رواق ضريح “سيدة العلوم”، كما يلقبها المصريين، وقالت إن: “زيارتي للمقام طقس أسبوعي، حين أشعر بالتعب والهموم، ومع رؤيتي لمقامها الشريف يرفرف قلبي فرحاً، ولا أتمالك نفسي فتغلبني الدموع “.

 

تاريخ طويل للمسجد، الذي افتتحه الرئيس المصري برفقة سلطان البهرة في آب/أغسطس الماضي بعد تجديده، إذ إن أول من بنى على قبر السيدة نفيسة، عبيد الله بن السري والي مصر بزمن الدولة العباسية، وشكله الحالي مستوحى من العمارة المملوكية ويعود إلى عهد الخديوي عباس حلمي الثاني عام 1892، وبعهد الرئيس الأسبق أنور السادات، عام 1972 أضيفت أعمال رخامية له.

 

ووفق وزارة الأوقاف المصرية، تم إنشاء وترميم حوالي 11 ألفاً و887 مسجداً بمعاونة طائفة البهرة، أشهر الطوائف الإسلامية، والتي أُخرجت من مصر عقب هزيمة الدولة الفاطمية على يد صلاح الدين الأيوبي عام 1174.

 

ويقول الخبير الأثري محمود الراوي إن السلطات المصرية سمحت للبُهَرَة منذ 40 عاماً بالتملك داخل مصر وإقامة فنادق خاصة بهم وترميم مساجد الدولة الفاطمية مثل مسجد الحاكم بأمر الله بشارع المعز لدين الله الفاطمي، مضيفاً: “لهم علاقات تاريخية مع القاهرة، وجهود كبيرة في ترميم الأضرحة التي يعشقها المصريين، وهي طائفة تحيي تراث الفاطميين، الذين حكموا مصر ثلاثة قرون ويجاهرون بأنهم من سلالتهم”.

 

لقد ساهم الدعم السخي الذي قدمته البهرة للحكومة المصرية، وفق الرواي، بترميم حوالى 11 ألفاً و887 مسجداً، وتجديد مبانٍ تراثية وأثرية من مقامات آل البيت(ع)، وبينها الأقمر، السيدة زينب(ع)، ومقصورة السيدة رقية والسيدة نفيسة والإمام الحسين(ع) والجامع الأزهر، وعلي زين العابدين(ع).

 

رئيس قطاع الآثار الإسلامية بالمجلس الأعلى للآثار، أبو بكر عبد الله ، يقول إن مصر تتبنى مشروعاً قومياً لإنشاء مسار لزيارة مساجد آل البيت(ع)، لإحياء المناطق الدينية والتاريخية والأثرية بالقاهرة الفاطمية، وسيضم السيدة نفيسة والسيدة سكينة وعائشة وزينب، وفاطمة النبوية وصولاً إلى مسجد الإمام الحسين(ع) وبعض الآثار الإسلامية مثل مسجد أحمد بن طولون، وقبة الأشرف بالتعاون مع البهرة.

 

ويضيف أن كافة المشروعات بإشراف “مؤسسة مساجد”، التي يترأسها مفتي مصر الأسبق علي جمعة، وتنفيذ وإشراف المجلس الأعلى للآثار وشركات مصرية.

 

أ.ش

المصدر: الميادين

الاخبار ذات الصلة