البحث عن “إشارة الاتصال” مخاطرة في غزة!

لا يتوقف الإجرام الإسرائيلي وحرب الإبادة المتواصلة منذ 192 يوماً متواصلة ضد قطاع غزة وأهله عند حد، فقد استهدف كل شيءٍ ولم يترك شجراً ولا حجراً ولا بشراً دون أن يستهدفه بالتدمير، ومن وراء كل ذلك يسعى الاحتلال لجعل القطاع منطقة غير قابلة للحياة وعزلها عن العالم الخارجي لتضييق الخناق على أهلها أكثر وأكثر لإجبارهم على "التهجير القسري".

2024-04-16

وإحدى أهمّ القطاعات الحيوية التي استهدفها الاحتلال هو “قطاع الاتصالات وخدمات الإنترنت”، فمنذ اللحظة الأولى سعى لتدمير هذه الخدمات لأهميتها البالغة في تسيير أمور الحياة اليومية لأهل غزة، حتى بات الحصول على خدمة الإنترنت في قطاع غزة مخاطرة، لا يمكن معرفة عواقبها، حيث ارتقى العديد من الشهداء في غزة خلال بحثهم عن “إشارة الاتصال” أو الحصول على خدمة الإنترنت، بل أكثر من ذلك استشهدت الطواقم الفنية لشركات الاتصالات التي كانت تحاول إعادة الخدمة وصيانة ما قام العدوّ بتخريبه.

 

وهكذا جعل الاحتلال منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، جزاً من فرض العقاب الجماعي ضد سكان قطاع غزة، عن طريق قطع الاتصالات والمياه والكهرباء، فيما دمّر القصف الإسرائيلي المتواصل على مختلف مناطق القطاع البنية التحتية، وتسبّب في خروج مصادر الإنترنت وخدمات الاتصال عن الخدمة.

 

وبسبب انقطاع هذه الخدمات المهمّة في حياة الغزيين منذ الأيام الأولى للحرب، سعى سكان القطاع إلى بدائل للحصول على الإنترنت، عن طريق الشرائح الإلكترونية، وشرائح شركات الاتصالات الإسرائيلية، الأمر الذي كان يضطرهم للذهاب إلى المناطق القريبة من الحدود مع الأراضي المحتلة أو شاطئ البحر أو المناطق المرتفعة، وهي مناطق ترتفع فيها احتمالات التعرض لاستهدافات جيش الاحتلال، ما يعرض حياتهم للخطر، وهو ما حصل في شواهد كثيرة.

 

ومع هذه البدائل، يكمن الخطر، حيث يقول الشاب عوض المسارعي إنه اضطر لشراء هاتف آيفون متطور يدعم الشرائح الإلكترونية، بمبلغٍ باهظٍ جداً، مضيفاً أنها لا تعمل سوى على شاطئ البحر أو المناطق المرتفعة ما يعني إمكانية تعرضهم لإطلاق النار من الزوارق الحربية الإسرائيلية.

 

قطع صوت غزة عن العالم

يتابع في حديثه لـ “المركز الفلسطيني للإعلام” أنه لا يمكن له الاستغناء عن الانترنت لعمله، ويحاول إيصال صوت غزة إلى العالم وحجم ما يتعرض له من إبادة جماعية.

أمّا المواطن محمود سلامة يقول إنه يضطر للذهاب إلى مناطق شرقي قطاع غزة في محاولة لالتقاط الانترنت، لمعرفة ما يجري في القطاع، وأخبار التهدئة والمفاوضات الجارية.

 

ويخاطر سلامة بنفسه، في محاولة منه للتواصل مع أقربائه في مناطق شمالي قطاع غزة، يقول: نخاطر بأنفسنا لمعرفة الأخبار، والتواصل مع الأقرباء، لا سيما مع انقطاع التيار الكهربائي، وانعزالنا عن العالم الخارجي.

 

دفع مبالغ طائلة للحصول على الخدمة

وفي ذلك المكان، يقول الصحافي بلال الأستاذ إنه ومع انقطاع الانترنت في المنازل، يضطر للذهاب إلى المقهى لمباشرة عمله.

 

ويضيف أنه يضطر لدفع مبلغ مالي مقابل تلقي خدمة الانترنت في المقهى، يؤكد أنه بديل ملزم وضروري لمباشرة العمل، ويشير إلى أن الانترنت ضروري جدًا في حياتنا كأهل غزة، فمن خلاله يرى العالم بشاعة ما تفعله “إسرائيل” بالمدنيين.

 

كما لجأ صحافيون للعمل من المستشفيات لتوفر الطاقة الكهربائية من مولد المستشفى في ظل قطع الاحتلال للكهرباء، فيستغلونها لشحن هواتفهم وأجهزتهم الالكترونية، إلى جانب أن عدداً منهم يقطن في خيمة بساحة المستشفى بعد أن نزح من بيته واتخذ من المستشفى ملجأ.

 

 

بيد أن البعد الإنساني يمثل جانباً مهماً آخر خلال انقطاع الاتصالات والإنترنت، خصوصاً للفلسطينيين خارج غزة الذين يتواصلون مع ذويهم داخلها بشكل مستمر للاطمئنان عليهم، فيجيء الانقطاع ليزيد كثيراً من قلقهم ومخاوفهم من احتمال تعرض أقاربهم وأحبابهم لمكروه في الحرب.

 

وبمجرد عودة خدمات الاتصال، تنهال الرسائل والمكالمات على أهل غزة من أقاربهم خارج القطاع، كما هو الحال مع الأم الفلسطينية أمل عمران التي وجدت عشرات من الرسائل من ابنها وشقيقاتها وأقاربها المغتربين في عدد من الدول العربية والأوروبية، جميعهم قلقون يستفسرون عن أحوالها وسائر أفراد العائلة… وعن سبب الانقطاع.

 

وتصف الأم انقطاع الاتصالات بفصل غزة عن الحياة، فهو يفقدها القدرة على الاطمئنان على ابنها الطبيب بالمستشفى وبقية أبنائها وعلى زوجها، ويزيد من حالة القلق لدى أقاربها خارج غزة، وتدعو الجهات الفلسطينية ذات الصلة والمؤسسات الدولية لمنع تكرار هذا الانقطاع الذي يصيب الناس بحالة خوف وهلع وريبة.

ويسود انطباع عام بأن انقطاع الاتصالات عادة ما يترافق مع هجمات إسرائيلية واسعة وسقوط المزيد من الضحايا، في ظل تغييب متعمد لنقل صورة الواقع إلى العالم، ما يزيد من توتر الغزاويين ويشعرهم بأنهم في عزلة عن العالم.

 

انفصال عن العالم

ويعد الاختصاصي المجتمعي محمد أبو عمر، في تصريحاتٍ صحافية: أن الأمر يتجاوز تلبية حاجات الناس إلى التأثير على أوضاعهم النفسية، وخصوصاً أنهم لا يعرفون ما يدور حولهم ولا يعرف العالم ما يحدث عندهم على الأرض.

 

ويقول: “نشعر أننا خارج الزمن وفي حالة انفصال عن العالم، وكأننا عدنا لما قبل اكتشاف عالم الاتصالات السلكية واللاسلكية”.

 

ويؤكد: «تفاصيل الحياة اليومية تتأثر بشكل مباشر، وتداعيات انقطاع الاتصالات تنقضّ على قلوب الناس وعقولهم بشكل غير مسبوق»، ويتابع: “تخيل كيف ستبدو أوضاع ونفسية أي شخص منقطع ومعزول عن محيطه وعن العالم ويدرك أنه ممكن أن يكون هدفاً قادماً للقصف دون أن يستطيع الاتصال بالإسعاف أو الدفاع المدني لإنقاذه وعائلته!”

 

وعلى صعيد آخر، تواجه القطاعات الخدمية تحديات كبيرة خلال فترة انقطاع الاتصالات، ما يؤثر على تقديم خدماتها للفلسطينيين الذين هم بأمسّ الحاجة إليها، خصوصاً على صعيد إمدادات المياه المنزلية ومياه الشرب. يضاف إلى ذلك المساعدات الإنسانية والإغاثية وتوزيعها على النازحين والمقيمين سواء في مراكز الإيواء أو خارجها.

 

أ.ش

 

المصدر: الميادين

الاخبار ذات الصلة